المفوضية تنفي وجود صعوبات لدى المصارف الأوروبية أو خطة لإنقاذ قبرص

اجتماعات وبيانات في برلين وباريس وروما وبروكسل لتهدئة الأسواق

TT

شهدت العواصم الأوروبية ذات الثقل الاقتصادي والسياسي، مثل بروكسل، وبرلين، وباريس، وروما، اجتماعات على مستويات مختلفة، وبيانات وتصريحات تظهر تكثيف التحرك الأوروبي، سواء بشكل جماعي أو منفرد، لمواجهة التطورات الأخيرة المتعلقة بالأزمة المالية والاقتصادية التي تعاني منها منطقة اليورو، ففي بروكسل أكدت المفوضية الأوروبية بصفتها الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي، أن قرارات القمة، التي عقدت في الحادي والعشرين من يوليو (تموز) الماضي «لا تزال فاعلة ويجري العمل لبلورتها»، مؤكدة أن ما يتردد من صعوبات تعاني منها المصارف الأوروبية لن يؤثر على تصميم الأخيرة على الإسهام في المخطط الثاني لإنقاذ اليونان.

وحول الوضع المالي والاقتصادي لباقي الدول الأوروبية مثل قبرص، نفت المفوضية نفيا قاطعا أي حديث عن مخططات إنقاذ لهذا البلد، واصفة أسسه المالية بـ«الجيدة»، مشيرة إلى حاجتها للإصلاح في بعض القطاعات، كما قللت المفوضية الأوروبية من أهمية ما وصفتها بالإشاعات المتعلقة بنية وكالات التصنيف تخفيض تصنيف فرنسا، ومدى تأثير ذلك على صلابة واستقرار منطقة العملة الأوروبية الموحدة (اليورو).

وحول هذا الموضوع، تجنب الناطق باسم المفوضية الأوروبية، أوليفيه باييه، التعليق على الأمر، مشيرا إلى أن كبرى وكالات التصنيف العالمية قد أعلنت عدم نيتها تغيير تصنيف فرنسا على المدى المنظور، وشدد على ضرورة أن يتم الأخذ بعين الاعتبار تصريحات كبار المسؤولين الأوروبيين حول العمل الجاري من أجل ضمان استقرار منطقة اليورو ومنع تدهور الوضع المالي للدول الأوروبية، كما رفض المتحدث باسم الجهاز التنفيذي الأوروبي التعليق على أنباء تحدثت عن صعوبات مالية تعانيها بعض كبرى المصارف الفرنسية، وقال في هذا الصدد: «لا علم لنا بمثل هذه الأمور، ونحن على ثقة من أن كل الأطراف المعنية تتابع العمل من أجل تنفيذ اتفاق القمة الأوروبية»، ولبحث الأزمة المالية، قطع الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، إجازته الصيفية، وعاد إلى باريس، حيث عقد اجتماعا وزاريا طارئا.

ساركوزي تعهد بتحقيق أهداف فرنسا في خفض عجز الموازنة العامة مهما كان تقييم الوضع الاقتصادي. دومينيك ريشيليو، مدير صندوق الاستثمار، يقول: «فقدان الثقة في السوق انعكس على كامل الأسواق المالية، إذ تأثر القطاع الأكثر حساسية للثقة، أي القطاع المصرفي». إلى ذلك، طلب ساركوزي من وزير ماليته، فرانسوا باروان، تقديم مقترحات بشأن العجز، الذي ستتبناه الحكومة في الرابع والعشرين من الشهر الحالي. وجاء ذلك بعد أن حذر محللون من أن التصنيف الائتماني لفرنسا «إيه إيه إيه»، ربما يكون التالي في عملية خفض التصنيف الائتماني. من جانبه تعهد رئيس الوزراء الإيطالي، سيلفيو برلسكوني، في اجتماع مع الحكومة والنقابات العمالية، بإصدار مرسوم قانون في الثامن عشر من الشهر الحالي يقضي باتخاذ إجراءات تقشفية جديدة تسمح بتوفير نحو عشرين مليار يورو لمواجهة عجز في موازنة البلاد، في إطار اتفاق بين إيطاليا والبنك المركزي الأوروبي لتهدئة مخاوف الأسواق المالية. ومن جانبهم عبر قادة النقابات العمالية عن رفضهم للخطة الجديدة باعتبارها تضر بمصالح المواطن الإيطالي، «لا نرغب في دفع الأموال للخروج من هذه الأزمة التي تسببت فيها الحكومة والبنوك»، يقول أحد زعماء النقابات العمالية هذا، ومن المتوقع أن تضاف الإجراءات التقشفية الجديدة في حال إقرارها من البرلمان إلى تدابير أخرى تم تمريرها الشهر الماضي بقيمة ثمانية وأربعين مليار يورو، وقالت تقارير إعلامية أوروبية إن عناوين الصحف الإيطالية بدأت اليوم تعكس ما يدور في نفوس الإيطاليين من خوف مما يخبئه المستقبل، فاقتصاد البلاد المعقد بالمشكلات أصلا، زاده تعقيدا خبر كشفته صحيفة الـ«كورييري ديلا سيرا» حول «رسالة سرية» وجهها البنك المركزي الأوروبي إلى رئيس الحكومة، سيلفيو برلسكوني، يطلب منه فيها العمل على إحداث توازن في الميزانية عام 2013 مقابل دعم المصرف لها. رسالة أكد وجودها رئيس المصرف، جان كلود تريشيه: «في الأيام القليلة الماضية، طلبنا من الحكومة الإيطالية بشكل واضح أن تتخذ عددا من الإجراءات، وبعضها تم اتخاذه الآن. طلبنا تحديدا أن تسرع في عودة ميزانيتها إلى وضع طبيعي، وطلبنا الأمر نفسه من الحكومة الإسبانية». خبر فسر قرار برلسكوني المفاجئ يوم الجمعة الماضي، اتخاذ إجراءات للوصول إلى ميزانية متوازنة قبل عام من الموعد المحدد سابقا من قبل حكومته. قرار يناقض استراتيجية برلسكوني الذي لطالما تحدث عن حالة جيدة يعيشها اقتصاد بلاده. يقول برلسكوني: «علينا أن نعترف بأن العالم دخل أزمة مالية تضرب كل البلدان. أزمة عالمية تضاف إلى كل الأزمات الموجودة ولا تحترم كل الحقائق والأسس الاقتصادية». مرة جديدة، يجد برلسكوني نفسه تحت وابل من الانتقادات من قبل معارضيه الذين يتهمونه بترك إدارة الاقتصاد للدول الأوروبية الكبرى، غير أنه ما زال يحظى بدعم الأسواق، التي ترى أن إجراءاته قد تعيد بعض الثقة لها وتؤدي إلى تفادي مزيد من الاضطرابات.

وفي برلين ذكرت معطيات اقتصادية رسمية أن الصادرات الألمانية لا تزال تحافظ على قوتها خلال العام الحالي 2011، ووفق وزارة الاقتصاد الألمانية، فقد تم في يونيو (حزيران) من هذا العام تصدير بضائع بقيمة 88.3 مليار يورو، واستيراد بضائع بقيمة 75.6 مليون يورو، ومقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، فقد زادت القيمة الاسمية للصادرات بنسبة 3.1 في المائة، كما تزايدت القيمة الاسمية للواردات بنسبة 6 في المائة، وفي هذا الإطار، قال وزير الاقتصاد الألماني، فيليب روسلر: «لا تزال المنتجات الألمانية مطلوبة بشدة كسابق عهدها في العالم، كما يبرهن على ذلك ما شهدته المنتجات الألمانية، مؤخرا، من طلب نشط للغاية من الخارج عليها»، مضيفا أنه «حتى لو كانت الصادرات الألمانية قد تراجعت بعض الشيء؛ نظرا للحالة التي يمر بها الاقتصاد العالمي، فإن الاقتصاد الألماني لا يزال يتبوأ مكانا في الطليعة، وهو ما يمثل مؤشرات طيبة لقدرة اقتصادنا على المقاومة، حتى في ظل اقتصاد عالمي أكثر صعوبة» وجاء كل هذا في ظل حالة من الترقب لصدور التقرير الشهري للبنك المركزي الأوروبي، الذي توقع بعض المراقبين والمحللين الأوروبيين أنه سيكون مجرد إعادة لما أدلى به محافظ البنك المركزي الأوروبي، جون كلود تريشيه، في المؤتمر الصحافي الذي أعقب قرار البنك بإبقاء سعر الفائدة المرجعي عند مستويات 1.50 في المائة. ووقتها أكد تريشيه أن البنك المركزي الأوروبي سوف يقود عمليات تزويد الأسواق المالية بالسيولة اللازمة، وذلك ضمن المساعي لمواجهة التوترات في الأسواق المالية في منطقة اليورو، وأن البنك سيعاود العمل على شراء السندات الحكومية بعد 18 أسبوعا من التوقف، وأقر البنك أيضا عمليات إعادة تمويل على القروض الممنوحة من البنك المركزي الأوروبي للبنوك الأخرى ذات أمد استحقاق ستة أشهر. وأبدى البنك المركزي الأوروبي، بداية الأسبوع، استعداده لشراء السندات الحكومية الإيطالية والإسبانية ضمن محاولة ذات مخاطرة مرتفعة جدا، بهدف احتواء أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو، ومنع انتشارها إلى ثالث ورابع أكبر اقتصاديات في منطقة اليورو، وخاصة بعد أن انخفضت قيمة هذه السندات بشكل حاد خلال الفترة الماضية، وقلص قرار البنك من هذه الخسائر؛ حيث انخفضت تكلفة الاقتراض المرتبطة بهذه السندات. وحسب الكثير من الخبراء الأوروبيين، وصل البنك المركزي إلى هذا التدخل بعد فشله في مكافحة الأزمة التي تهدد بقاء اليورو، «من الممكن أن يكون شراء الديون الإيطالية والإسبانية يتطلب من البنك المركزي الأوروبي توسيع ميزانيته العمومية على نطاق واسع؛ بهدف دعم الاقتصاديات التي تواجه ارتفاعا مطردا في الديون العامة». ورأى البعض أن التدخل في أسواق السندات يعد انتهاكا لمبدأ أساسي في معاهدة منطقة اليورو، ولكن البنك المركزي الأوروبي لجأ للمحظور بهدف وضع حد لانهيار سوق السندات، التي تواجه بعض الدول الأعضاء في منطقة اليورو، وخاصة بعد أن ارتفعت تكلفة الاقتراض على السندات الإسبانية والإيطالية ذات أمد عشر سنوات، لمستويات قياسية خلال الأسبوع الماضي، ولا بد للإشارة إلى أن قيمة الديون الإيطالية تصل إلى ما قيمته 1.8 تريليون يورو.