أميركا تأمل نجاح «الأموال المجانية» في إنعاش الاقتصاد

الاحتياطي الفيدرالي أبقى على «الفائدة الصفرية» وسط احتمال حزمة تيسير كمي ثالثة

TT

قطع المصرف الفيدرالي يوم الثلاثاء وعدا نادرا بتثبيت أسعار الفائدة قصيرة الأجل قريبة من الصفر حتى منتصف عام 2013 على الأقل، في إشارة إلى تخليه عن كل فرص التوسع القوي لرفع الأجور والأسعار. وبات معروفا الآن لدى المحللين الآن أن الاقتصاد سيواصل التقدم ببطء خلال المدة المتبقية من الفترة الرئاسية الأولى للرئيس أوباما، وهو ما سيجعل ملايين الأميركيين دون عمل ولن ترتفع الأجور بشكل ملحوظ.

وبصنيعه هذا يعلن المصرف أيضا أنه يتوقع احتمالات ضعيفة بالنمو ومخاطرة بالتضخم. وعبر عن أمله في أن تحفز هذه البادرة الاستثمار والمجازفة عبر إقناع السوق بأن تكلفة الاقتراض لن ترتفع لعامين على الأقل. وقد أسهم بيان الاحتياطي الفيدرالي بمزيجه من الأنباء الموحشة والمساعدة التي لقيت قبولا، في التذبذبات الوحشية للسوق في الوقت الذي يكافح فيه المستثمرون لفهم الاقتصاد وتوقع ما سيجري خلال الفترة القادمة. وكان يوم الثلاثاء قد شهد ارتفاعا كبيرا في بورصة أوراق نيويورك - ثاني أكثر الأيام ازدحاما بعد الحجم القياسي الذي حققته يوم الاثنين، خلال البيع - الذي لم تتمكن من نشره حتى وقت قريب من إغلاق الأسواق.

من ناحية أخرى صعد مؤشر داو لما يقرب من 600 نقطة في أعقاب بيان البنك، بعد هبوط فاق 200 نقطة. غير أنه بعدما أدرك المضاربون القرار سرعان ما عكسوا المسار ليغلق مؤشر داو بارتفاع بلغ 429 نقطة أو 4 في المائة، ليصل إلى 11.239.77 نقطة حيث عبر المستثمرون عن أملهم في أن يؤدي تعهد البنك بالحفاظ على خفض معدلات الفائدة إلى أن تخفف النظرة المتشائمة بشأن الاقتصاد.

ويقول ستيفن لير، الذي ساهم في إدارة محفظة مالية ذات دخل ثابت بقيمة 10 مليارات دولار لصالح «جي بي مورغان» لإدارة الأصول: «الاقتصاد الأميركي في حالة يرثى لها، والمصرف الفيدرالي أمامه مهمة صعبة للغاية في التأكيد على أنه يدرك دون أن يبدو منزعجا. ونحن نعتقد أنهم قاموا بهذه المهمة قدر المستطاع».

هذه السياسة التي أعلن عنها المصرف يوم الثلاثاء خطوة إضافية وصفها الاقتصاديون بأنها لا يتوقع أن تؤدي إلى نمو بارز. ويذكر أن المصرف الفيدرالي قام بتثبيت سعر الفائدة قريبا من الصفر في ديسمبر (كانون الأول) 2008، ومنذ ذلك الحين والاقتصاد يفيض بالأموال التي تم الحصول عليها عبر قروض ميسرة. وربما كان أبرز النقائص في الوصول السهل إلى أموال المصرف الفيدرالي هي غياب الطلب عن المستهلكين المدينين، ورجال الأعمال المتوترين والقطاع العام المتقلص، بيد أن المصرف المركزي تراجع عن اتخاذ خطوات أكثر قوة لمساعدة الاقتصاد المتعثر، وهو ما يعكس الانقسامات العميقة في لجنة وضع السياسة، التي عادة تأتي قراراتها عبر التصويت بالإجماع، حيث تمت الموافقة على القرار الخاص بخفض سعر الفائدة بـ7 أصوات مقابل 3، وكانت هذه المرة الأولى خلال ما يقرب من 20 عاما يعارض فيها ثلاثة أصوات أحد القرارات.

وهذا الجدال الداخلي يوازي النقاش الأوسع في واشنطن بين مطالبي واشنطن بمضاعفة دعمها للاقتصاد المتعثر وأولئك الذين يشككون في فائدة المساعدات الإضافية، ويخشون من عواقب الجهود الموسعة التي تبذلها الحكومة بالفعل. وقد عبر الأعضاء الثلاثة في المصرف الفيدرالي الذين رفضوا القرار عن قلقهم من أن البنك المركزي لا يولي التضخم اهتماما كافيا.

وقال المصرف الفيدرالي في بيانه إنه سيواصل اتخاذ تدابير إضافية كفيلة بدعم الاقتصاد، لكن انقسام الأصوات أشار إلى أن رئيس البنك الفيدرالي قد يناضل للحصول على تأييد كافٍ.

البيان الذي تضمن أيضا تقييما للاقتصاد الأميركي تضمن بعض العبارات غير المشجعة. فتحدث عن تدهور سوق العمل وتراجع أعمال الإنشاءات والصعوبات التي تواجه سوق الإسكان وتباطؤ وتيرة الانتعاش. وقال البيان: «النمو الاقتصادي خلال العام الحالي لا يزال أكثر بطأ مما توقعت اللجنة، والآن تتوقع اللجنة تباطؤ وتيرة الانتعاش خلال الفترات القادمة». يذكر أن الكونغرس أوكل إلى المصرف الفيدرالي مهمة خفض البطالة، بيد أن سياسة المصرف شهدت انتقادات واسعة من البعض والذين تساءلوا عن السبب في وقوف المصرف الفيدرالي ساكنا في الوقت الذي يظهر فيه الاقتصاد إشارات واضحة على تعثره. وفي الوقت ذاته لم تقنع الخطوة الأكثر تواضعا التي أعلن المصرف يوم الثلاثاء كل هؤلاء المنتقدين.

وقالت شيري كوبر، كبيرة الاقتصاديين في «بي إم أو فينانشيال غروب»، في ملاحظة لعملائها: «اتخذ المصرف أقل الخطوات احتمالية بالنظر إلى الظروف الصعبة التي تشهدها البلاد. يا للعجب!».

ورد المصرف هو أنه يعمل بالفعل على تدشين برنامج ضخم للمساعدات الاقتصادية. وقد ثبت المصرف الفيدرالي سعر الفائدة قصيرة الأجل المعيارية قريبة من الصرف لأكثر من عامين، وهو ما سيغرق النظام المالي بأموال خالية من الفائدة. وكان المصرف قد وعد في يونيو (حزيران) بأنه سيحافظ على سعر الفائدة قريبا من الصفر لأطول فترة ممكنة، لعدة شهور على الأقل، بحسب تصريح بيرنانكي في وقت سابق من العام الحالي.

من جهة أخرى قام المصرف الفيدرالي أيضا بتكديس محافظ مالية بأكثر من 2.5 تريليون دولار من سندات الخزانة والسندات المدعومة بالرهن العقاري وزيادة الضغوط معدلات الفائدة طويلة الأجل، وقد دفعت عمليات الشراء المستثمرين إلى سوق الأسهم ووسائل الاستثمار الأخرى الأكثر مجازفة وخفض قيمة الدولار ومساعدة المصدرين الأميركيين. وكان الهدف من وراء القرار الذي أعلن يوم الثلاثاء وضع مزيد من الضغوط على معدلات الفائدة طويلة الأجل، على الرغم من أنها ليست بنفس القوة المباشرة كشراء 600 مليار دولار في صورة أوراق مالية، وهو البرنامج الذي اكتمل في يونيو. وتعكس أسعار الفائدة على السندات طويلة الأجل عددا من التوقعات بشأن أسعار الفائدة قصيرة الأجل وعلاوة مخاطر امتلاك سندات طويلة الأجل. وقد خفض شراء السندات من علاوة المجازفة، عبر الوعد بالحفاظ على انخفاض سعر الفائدة، ويهدف المصرف الفيدرالي إلى خفض التوقعات بشأن المعدلات قصيرة الأجل.

وقد رفض المصرف الفيدرالي تقديم وعد قاطع بتثبيت سعر الفائدة قريبا من الصفر، محتفظا ببعض من المساحة للتحرك إذا ما تبدلت الظروف الاقتصادية بصورة تستوجب التدخل. لكن فينسينت رينهارت الذي رأس الشؤون المالية في الاحتياطي الفيدرالي حتى عام 2007 أشار إلى أن المعنى واضح، فقال رينهارت، الذي يعمل حاليا في معهد «أميركان إنتربرايز»: «إنه أقرب إلى التزام غير مشروط، وهو ما يعني أنك قد قيدت نفسك ولا يمكنك تغيير ذلك. وأنك استسلمت، ما لم يكن هناك سبب مقنع يوازن المجازفة بالتضخم». السبب الثاني لامتناع البنك هو القلق الواضح لمجموعة من مسؤولي البنك القلقين من أن المصرف المركزي يتجاهل بوضوح مخاطر التضخم. الأعضاء الثلاثة الذين انشقوا عن الأغلبية يوم الثلاثاء كانوا ريتشارد دبليو فيشر، رئيس الاحتياطي الفيدرالي لدالاس، وناريانا كوتشيرالاكوتا، رئيس المصرف الفيدرالي في مينابوليس، وتشارلز بلوسر، رئيس المصرف الفيدرالي في فيلادلفيا.

وبموجب القانون يعتبر المصرف الفيدرالي مسؤولا عن خفض الأسعار والبطالة قدر الإمكان. لكن بيرنانكي شدد كسلفه على الأسعار، لأن الاحتياطي الفيدرالي خلص إلى أن التضخم الثابت والبطيء - نحو 2 في المائة سنويا - هو المناخ الأفضل لتحمل نمو الوظائف.

وكان الاحتياطي الفيدرالي قد أشار في يونيو إلى أن التضخم قد يصل إلى 2.5 في المائة العام الحالي، وهو ما يعتبر سببا جوهريا لإعلانه في ذلك الوقت بأنه سيتوقف قبل دراسة تدابير جديدة.

هناك مؤشرات في الوقت الراهن على تراجع التضخم، حيث بدأ الارتفاع في أسعار السلع في بداية العام الحالي في التأثير في الاقتصاد، وضعف النمو. وقد توقع بيرنانكي ورفاقه في اللجنة أن يعكس باقي العام والإعلان الثقة في هذا القرار.

لكن الأعضاء المحافظين في الهيئة التشريعية شاهدوا أدلة في تجارب انتعاش السابقة من أن التضخم يتصاعد سريعا دون تحذيرات واضحة. وتتماثل معارضتهم هذه مع المرة الأخيرة التي شهدت فيها اللجنة انقسامات عميقة، في نوفمبر (تشرين الثاني) 1992، عندما أصر ثلاثة من أعضاء اللجنة على رفع معدل الفائدة قصيرة الأجل التي كانت تقف عند 3 في المائة.

يشير بيان المصرف إلى أنه سيواصل دراسة خيارات إضافية على الرغم من الانقسامات الداخلية، وهو ما يعد الساحة لكلمة بيرنانكي الشهر الحالي في مؤتمر في جاكسون هول بولاية وايومينغ. وكان بيرنانكي قد استغل فرصة العام الماضي للإشارة إلى أن المصرف الفيدرالي سيتولى شراء حزمة جديدة من الأصول. وقال لير: «ستكون السوق مهتمة بشكل بالغ بالاستماع إلى ما سيقوله بيرنانكي».

* خدمة «نيويورك تايمز»