تجمع دولي في السعودية يدعو لتطبيق نظام الاقتصاد الإسلامي كحل جذري للأزمات العالمية

الصين والهند تشاركان للمرة الأولى في ندوة البركة وحضور قوي لأزمة الدين الأميركي

جانب من فعاليات ندوة «البركة» الثانية والثلاثين للاقتصاد الإسلامي التي انطلقت مساء أول من أمس في جدة، غرب السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

حضرت أزمة رفع الدين الأميركي، وتطوراتها الأخيرة التي خفضت التنصيف الائتماني لأميركا، بقوة في فعاليات ندوة البركة الـ32 للاقتصاد الإسلامي، التي انطلقت فعالياتها، مساء أول من أمس، حيث استفتح المتحدثون الفعاليات بتسليط الضوء عليها وسط دعوات بتطبيق نظام الاقتصاد الإسلامي كحل جذري للأزمات الاقتصادية التي ما زالت ملازمة للمنظومة الاقتصادية العالمية.

ولأول مرة، شهدت ندوة البركة المصرفية في دورتها الـ32 مشاركة جديدة من الصين والهند وباكستان وإندونيسيا وإيران وعدد من الدول الإسلامية التي انفصلت عن الاتحاد السوفياتي، حيث بلغ عدد المشاركين أكثر من 700 مشارك من وزراء مالية ورؤساء البنوك المركزية وعدد من العلماء والفقهاء والمختصين في الاقتصاد والبحوث الإسلامية.

وما إن بدأت فعاليات الندوة الإسلامية، حتى دعا رئيس المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية رئيس الغرفة الإسلامية رئيس الغرفة التجارية بجدة، إلى تطبيق نظام الاقتصاد الإسلامي كنظام اقتصادي شامل، وتقديمه للعالم كحل جذري للأزمات الاقتصادية التي بدأت تظهر في السنوات الأخيرة، مستشهدا بالأزمة الحالية التي نشئت بسبب الديون الأميركية.

وأضاف صالح كامل، الذي يرأس مجلس إدارة مجموعة البركة المصرفية، أن الاقتصاد الإسلامي حق يسعى بمقاصده الشرعية إلى إرساء نظام مالي صلب، مستدركا أنه لو تم فهم الاقتصاد الإسلامي كما يجب لما تطورت الأحداث الاقتصادية الراهنة واستمرت الأزمات العالمية ومنها أزمة الديون الأخيرة التي تفشت بسبب التعامل الربوي.

وطالب صالح كامل في حديث لـ«الشرق الأوسط» على هامش فعاليات الندوة، بأخذ العظة والعبرة من الأزمات المالية المتتالية، مشددا على أن الاقتصاد الإسلامي حقيقة لا يمكن لأي عقل بشري أن يأتي بمثلها فكيف بأحسن منها، إذ إن ما وضعه القرآن الكريم وما أرسته السنة النبوية الشريفة من نظام مالي اقتصادي شامل هو الأجدر والأحق بالتطبيق، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن ما يحدث للاقتصاد العالمي خير دليل على ذلك. ودعا المصرفيين والاقتصاديين إلى العمل بأصول التشريع الإسلامي وتفهمها وتقديمها للعالم، وعدم اقتصار البحوث والدراسات والتطبيق على التعاملات المصرفية فقط، بل التوجه إلى أوسع من ذلك وأشمل بتطبيق الاقتصاد الإسلامي واتخاذه كمنهج مالي، مشيرا إلى فشل المدرسة الشيوعية وكذلك الرأسمالية الحالية التي قال إنها تتجه للسقوط، حيث أكد أنه لا مناص عن مدرسة الاقتصاد الإسلامي الذي يعتمد الوسطية.

وأكد صالح كامل، أن مجموعة البركة أنشأت مكتبة فقهية أعد أبحاثها ودراساتها عدد من العلماء والفقهاء متاحة للجميع لتسترشد بها البنوك والمصارف، مضيفا أن من يريد أن يطبق النظام الإسلامي يمكنه أن يرجع لهذه البحوث، وأنها ليست ملزمة لمن لا يرغب التعامل بما توصلت له الندوة على مدى 32 عاما من البحث.

من جهته، قال عدنان أحمد يوسف عضو مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة البركة المصرفية، لـ«الشرق الأوسط» إن الإصدار الأول من موسوعة البركة الإلكترونية للمعلومات المالية والإسلامية، تتميز بالمرونة والقابلية للتعديل والزيادة والنشر والطباعة لتشتمل على جميع فتاوى وتوصيات الندوة خلال السنوات الماضية والسنوات المقبلة.

وقال عدنان يوسف: «أكملنا مشروع موسوعة البركة الإلكترونية للمعاملات المالية الإسلامية، التي ستضم كافة المطبوعات الصادرة عن المجموعة، وفتاوى ندوات البركة، والبحوث التي تم طرحها في الندوات السابقة وغيرها من الأبواب المهمة التي نتوقع أن تثري الساحة الفكرية للاقتصاد الإسلامي، وقد تم هذا المشروع بالتعاون مع الشركة العربية للخدمات المعلوماتية، حيث تم وضعها في قالب إلكتروني سيسهل كثيرا على الباحثين والعاملين في مجال المصرفية الإسلامية»، مشيرا إلى أنه سيتم ترجمة هذا العمل إلى عدد من اللغات تسهيلا لغير الناطقين بالعربية، كما سيتم تحديث الموسوعة باستمرار. وكان عدنان يوسف قد شدد خلال كلمة ألقاها في بداية فعاليات الندوة مساء أول من أمس، على أن ما يحدث للاقتصاد العالمي من أزمات متلاحقة، خصوصا فصول أزمة رفع الدين الأميركي، يعد فرصة سانحة للنظر في التحديات الراهنة بصورة واقعية تأخذ في الاعتبار أن مسألة دعم التوظيف والنمو بما يسهم في تحقيق الرفاه والاستقرار لشعوب المنطقة يجب أن تكون في أعلى سلم اهتمامات واضعي السياسات المالية.

وتساءل عدنان يوسف عن إمكانيات الصناعة المالية الإسلامية وقدرتها على لعب دور إيجابي في الاقتصادات التي تعمل فيها، وهل هي فعلا تطبق الأسس الفلسفية التي يقوم عليها التمويل الإسلامي، وهي أن يكون التمويل موجها نحو الاقتصاد الحقيقي وداعما لأنشطة الإنتاج والتبادل والتوظيف. كما تساءل عن تعريف المؤسسة المالية الإسلامية مقارنة بالواقع الحالي، وهل تمتلك أساسا نظريا متوافقا عليه دوليا كما هو الحال بالنسبة للبنك التقليدي الذي يُعرف بأنه المؤسسة التي تستفيد من الفرق ما بين الفائدة الدائنة والفائدة المدينة (لا أكثر ولا أقل)، مشيرا إلى أن كل الشرور التي أدت للأزمات المالية المتكررة لا تخرج من هذا التعريف.

ودعا يوسف الاقتصاديين وأصحاب الفكر والرأي الاقتصادي والفقهي والباحثين في مجالات المعرفة الاقتصادية للخروج بتعريف موحد للبنك الإسلامي، يكون هدفه الأساسي ربط المقاصد والمآلات وربما حتى الآليات بنتائج كمية قابلة للقياس.

ودعا عدنان يوسف إلى ضرورة الاهتمام بقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة لما يمكن أن يسهم به هذا القطاع في خلق فرص للعمل، وتوزيع الثروة بصورة متوازنة، مطالبا البنوك الإسلامية بالاهتمام بهذا القطاع، مشيرا في ذات الوقت إلى إحصائية قدمها البنك الإسلامي للتنمية في دراسة مشتركة مع المؤسسة الدولية للتمويل، أشارت إلى أن أعلى معدل للبطالة بين الشباب على مستوى العالم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الذي يصل إلى 25 في المائة، وهو ما يكلف اقتصادات المنطقة نحو 50 مليار دولار سنويا.

إلى ذلك شهدت الجلسة الأولى نقاشا كبيرا، بعد أن تناولت بحثا للدكتور حسين حامد حسان والدكتور حامد حسن ميرة حول إصدار الصكوك بمراعاة المقاصد والمآلات وملكية حملتها وضماناتها، حيث أكد الجميع على أن أهم ما يميز الصكوك عن السندات كونها تمثل حصة شائعة في أعيان أو منافع أو خدمات أو مزيج منها، وعليه، فإن تحقق هذه الملكية بكل مقتضياتها من الغنم والغرم، وانتفاء ما يتعارض مع تحققها من مظاهر الصورية وسماتها من الأهمية بمكان.

كما توصل المتناقشون على هذا البحث إلى عدم جواز ضمان مصدر الصكوك لقيمة الصك (رأس المال)، ولا مقدار محدد من الأرباح سواء أكان ذلك في صيغة التزام أم تعهد أو وعد ملزم، وكذلك فلا يجوز التزام المصدر أو تعهده أو وعده وعدا ملزما بشراء أصل الصكوك أو ما تمثله الصكوك بالقيمة الاسمية للصك عند الانطفاء، في حين أنهم توصلوا إلى جواز أن يضمن الإصدار طرف ثالث مستقل، شريطة أن يكون ذلك دون مقابل، وأن يكون الطرف الثالث الضامن مستقلا استقلالا كاملا وحقيقيا عن المصدر.

أما الجلسة الثانية التي تناولت بحثا للدكتور يوسف الشبيلي والدكتور صالح الفوزان حول زكاة المال العام (شرطا الملك والنماء وأثرهما في مال الضمار وديون المؤسسات)، فقد أجمع المشاركون فيها على أنه لا تجب الزكاة في الأموال العامة كأموال الدولة حتى ولو كانت مستثمرة من خلال شركات مملوكة للدولة بالكامل، أو المشاركة في شركات القطاع الخاص، لأنه مال عام ليس له مالك معين.

كما توصل المشاركون في هذه الجلسة إلى أن الديون المشكوك في تحصيلها إذا دلت القرائن على أنها غير مرجوة فإنها تعامل معاملة الدين على غير المليء فلا تجب زكاتها، وإذا قبضت يستأنف بها حول جديد، إضافة إلى توصيتهم بأن تمام الملك يعد من أهم شروط وجوب الزكاة ولا بد فيه من استقرار الملك والتمكن من التصرف أو الانتفاع أو التنمية.