صغار المستثمرين أكبر المتأثرين من تقلبات الأسهم الأميركية

يمثلون حجر الزاوية في البورصة الأميركية

جانب من التداولات في بورصة نيويورك («الشرق الأوسط»)
TT

في ختام واحد من أكثر الأسابيع تقلبا في الذاكرة أغلقت الأسهم الأميركية يوم الجمعة الماضي مرتفعة في إشارة أولية إلى أن أسوأ مرحلة في موجة المبيعات ربما تكون انتهت.

وكان حجم التداول أقل كثيرا من باقي أيام الأسبوع كما كانت التقلبات أثناء التعاملات أقل عنفا بكثير من تلك التي حدثت في الأيام السابقة. وكلاهما بحسب وكالة الأنباء الألمانية علامة تشير إلى انحسار قلق المستثمرين.

وبحسب تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» يواجه صغار المستثمرين اختبارا آخر لإيمانهم بالبورصة، فبعد الخسارة التي تعرضت لها السوق عام 2008 والتي أدت إلى ضياع جزء كبير مما يمتلكونه من أموال معاشهم، سحب صغار المستثمرين مئات المليارات من الدولارات من الصناديق الأميركية وظلوا يهربون رغم عودة السوق إلى نشاطها وازدهارها خلال الجزء الأكبر من العام الماضي.

لكن في بداية العام الحالي، وبعد خسارة فرصة تحقيق مكاسب خلال العام الماضي، بدأ بعض المستثمرين العودة بحذر. لكن انتهى وقت هؤلاء وهم الآن يتلقون ضربات نتيجة الانخفاض الحاد في «وول ستريت». وفاض الكيل بآخرين ممن صمدوا خلال السنوات السابقة. اتصلت لين هيريش، صاحبة مشروع صغير في بيرسفيل بنيو جيرسي التي تبعد ساعتين عن مدينة نيويورك، وتبلغ من العمر 61 عاما، بسمسار البورصة الذي تتعامل معه منذ أسبوعين وأمرته ببيع كل ما تمتلكه من أسهم. لقد تخلت تقريبا عن كل ما تمتلكه من أسهم فردية ونصيبها في الصناديق الاستثمارية وحولتها جميعا إلى نقد. لقد سيطرت على تصرفات لين أزمة عام 2008 التي تقلصت فيها مدخراتها التي كانت تبلغ 432 ألف دولار وأصبحت 150 ألفا. وتقول لين: «لا أملك سوى ثلث ما بدأت به من أموال ولست على استعداد لمزيد من اللعب». وفي إشارة إلى الاقتصاد الأميركي الضعيف والقلق حيال أوروبا، أوضحت أنها ستبتعد عن البورصة في نهاية العام الحالي. وأضافت: «لا أعتقد أن هناك سببا يدعوني إلى الشراء في ظل هذا التراجع لأنه لم ينته».

ويمثل صغار المستثمرين حجر الزاوية في البورصة الأميركية من خلال إسهاماتهم في الصناديق الاستثمارية، من خلال برنامج «401 كيه» وبرامج المعاشات الأخرى التي تدعمها الشركات. واتصل كثيرون بسماسرة البورصة الذين يتعاملون معهم وبمستشاريهم الماليين خلال الأيام القليلة الماضية طلبا للمشورة أو سعيا لطمأنتهم بأنهم لن يخسروا معاشاتهم ومدخراتهم.

تتبنى الأغلبية العظمى من صغار المستثمرين استراتيجية طويلة المدى ولا يزالون مرابطين. إنهم لن يتخلوا عن أسهمهم أو حصتهم في الصناديق الاستثمارية، بل يضخون في الكثير من الحالات المزيد من الأموال في حسابات التقاعد الخاصة بهم في إطار خطط استثمارية مدعومة من أصحاب العمل.

لكن بدأ بعض المستثمرين البحث عن مخرج حتى قبل حدوث آخر اضطراب شهدته السوق، حيث تم سحب أكثر من 10 مليارات دولار من الصناديق الاستثمارية المحلية خلال الأسبوع الذي انتهى في 3 أغسطس (آب) الماضي بحسب «إنفيستمينت كومباني إنستيتيوت». وكان هذا الرقم ضعف الرقم في بداية يوليو (تموز).

كذلك سحب مستثمرون 9 مليارات دولار خلال الأسبوع الماضي في الوقت الذي تشهد فيه السوق تقلبات حادة، بحسب تقديرات تشارلز بايدرمان، الرئيس التنفيذي لشركة «تريمتابس إنفيستمينت ريسيرش».

فقط خلال جلسات التداول الست الأخيرة، كان الهبوط في مؤشر «داو جونز» خلال ثلاثة أيام إما بمقدار 500 وإما 600 نقطة وشهد حركتين بأكثر من 400 نقطة. ومنذ بداية أغسطس، هبط مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 8,8 في المائة.

يتوقع الكثير من المستثمرين استمرار الاضطرابات في البورصة. وقد أوضح مسح أجراه الاتحاد الأميركي لصغار المستثمرين مؤخرا عن توجهات ومشاعر المستثمرين أن 44 في المائة من العينة كانوا متشائمين ويتوقعون استمرار الهبوط على مدى ستة الأشهر المقبلة. بينما مثلت هذه النتيجة تحسنا عن الأسبوع السابق، تظل أعلى من النتائج التاريخية بنحو 30 في المائة.

عندما يتعلق الأمر بالصناديق الاستثمارية المحلية التي تدير أصولا قيمتها 4,4 تريليون، يصبح عدد الخائفين أكثر من الشجعان. واستمرت الأموال في الهروب من تلك الصناديق الاستثمارية لمدة أربع سنوات متتالية، حيث استرد المستثمرون 448 مليار دولار وضخوا 104 مليارات دولار بحسب «إنفيستمينت كومباني إنستيتيوت». على عكس هؤلاء المستثمرين الذين ينظرون على المدى الطويل، يحرص المتداولون الذين يبحثون عن الربح السريع على المقامرة مع تقلبات «وول ستريت» الحادة.

وأشارت شركة «تي دي أميريتريد» التي تعمل في السمسرة على الإنترنت إلى ارتفاع حجم التداول على نحو قياسي مؤخرا في ظل أصوات نقر المستثمرين على أجهزة الكومبيوتر الخاصة بهم. عندما تراجعت البورصة يوم الاثنين بمقدار يزيد على 600 نقطة، سجلت شركة «تي دي أميريتريد» 900 ألف عملية تداول مقارنة بمتوسط عمليات قدره 365 ألفا.

وتقول نيكول شيرود، المديرة التنفيذية لمجموعة التداول في «تي دي أميريتريد»: «يتم فتح الكثير من الحسابات وهناك تدفق لأصول جديدة. أما بالنسبة إلى الذين ظلوا في السوق لفترة طويلة، فهل ينسحبون؟ نعم بالطبع».

بعد سنوات من سوء الأداء أو الخسائر، يتساءل بعض المستثمرين إذا ما كان الاتجاه نحو الانتظار الذي غرسه فيهم المستشارون الماليون في «وول ستريت» والمتخصصون في هذا المجال هو النصيحة المثلى.

يقول أدم كورسون، أحد جامعي الأموال لمؤسسة «نيو جيرسي أودوبون» (67 عاما): «اتبعت زوجتي نصيحة أحد المستشارين الماليين وكان من الأفضل لو احتفظت بأموالها تحت السرير. لقد جعلوها تخسر أموالها التي ظلت تدخرها لأكثر من 20 عاما». وسحب كورسون 500 ألف دولار من البورصة في قمة ازدهارها عام 2007 واشترى ببعضها سندات خزانة أميركية وضخ بعضها في صناديق استثمارية. ويوضح قائلا: «رغم أن لدينا مستشارا يتحدث معنا دوما عن الأسهم، لم نعد إلى البورصة لأننا لم نعد نصدقهم. أنا مع الحفاظ على الأصول لا النمو».

ويخشى بعض المستثمرين من أن يسيطر المتداولون الذين يستخدمون وسائل تكنولوجية متقدمة والذين هم كثيرو الحركة في البورصة على الأسواق أو أن تخضع السوق إلى سيطرة صناديق التحوط المعقدة التي تدير برامج تداول لوغاريتماتية تربك العقل يمكن أن تخدع المستثمر العادي.

وقال هؤلاء إنهم يشعرون بأن الأمر يتضمن تلاعبا وأنهم حمقى. وتقول ليزا لاي، امرأة على المعاش تبلغ من العمر 63 عاما في منطقة خليج سان فرانسيسكو التي باعت كل حصتها في صناديق استثمارية في خريف عام 2008 واشترت سندات خزانة أميركية: «لا أثق في عدالة الأسواق ولا أرى أنه ينبغي علي الانخراط بها. لا أذهب إلى لاس فيغاس والمقامرة مع كبار المقامرين هناك».

في الوقت الذي قد تكون فيه سندات الخزانة أكثر أمانا من الأسهم، لن تكفي ورقة مالية مدتها 10 أعوام وتبلغ نسبة عائدها 2,3 في المائة أغلب المتقاعدين بحسب المتخصصين في مجال الاستثمار. ويقول أندي أركفيلد، المستشار المالي في مؤسسة «إدوارد جونز» في أوماها: «لقد اشترينا الكثير من الأسهم التي عليها أرباح. عندما انخفضت قيمة الأسهم، اشترينا المزيد من الأسهم».

وقال أركفيلد إنه اتصل بـ35 من عملائه، أكثرهم من أصحاب المشاريع الصغيرة، يوم الاثنين مع تراجع السوق وأمره 24 منهم بالقيام باستثمارات جديدة.