تقرير دولي: التكامل الاقتصادي الخليجي لم يحقق مستوى التكامل الأوروبي

«بوز آند كومباني» ترصد تطور تكامل مجلس التعاون مع اقتراب مرور 30 عاما على تأسيسه

TT

كشف تقرير اقتصادي حديث عن أن التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي الست الأعضاء لم يحقق مستوى التقدم المتوقع، مشيرا إلى أن هذا النمو يمثل جهود ست دول منفردة، وليس مجموعة متماسكة ومتوافقة تعمل بوصفها كيانا اقتصاديا متكاملا.

وقال تقرير شركة «بوز آند كومباني» العالمية إن دول الخليج لم تتعامل بأسلوب يساعدها على التكامل الأشمل على دفع عجلة الاقتصاد في المنطقة بوتيرة أسرع كما فعل في نموذج الاتحاد الأوروبي.

ويأتي ذلك التخوف مع انحسار منطقة دول اليورو وتزايد الاتجاه نحو الحماية الجمركية في جميع أرجاء العالم، التي أثارت الشكوك في الآونة الأخيرة حول مزايا التكامل الاقتصادي الذي يتفق بمقتضاه الكثير من الاقتصادات الوطنية على الاندماج في كيان واحد أوسع نطاقا، بحسب ما ذكره تقرير «بوز آند كومباني» العالمية.

وأشار التقرير إلى أن الحديث في هذا السياق يلقي بظلاله بنحو غير عادل على المزايا الاقتصادية والاستراتيجية الكبيرة، التي يوفرها تكامل الاتحاد الأوروبي في الكثير من المناطق على مستوى العالم، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، الذي أسهم في خلق 2.75 مليون فرصة عمل وزيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.2 في المائة على مدى 15 عاما، وهو نتاج مباشر لجهود التكامل على غرار توحيد أنظمة الجمارك والحدود التي يسرت من حركة البضائع والخدمات والعمالة بين الدول، فضلا عن زيادة حجم التجارة بنسبة تتراوح من 5 إلى 10 في المائة، من خلال التعامل بعملة اليورو والاتحاد النقدي.

ومن بين المزايا الأخرى للتكامل الاقتصادي الجهود المشتركة في مجال البحث والتطوير، وهو الأمر الذي شجع استثمارات القطاعين العام والخاص وحفز التنمية الاقتصادية.

ويمكن لكثير من هذه المزايا أن تتحقق في دول مجلس التعاون الخليجي في ظل الجهود الهادفة إلى التكامل الاقتصادي، مع اقتراب مرور 30 عاما على تأسيس مجلس التعاون الخليجي، أظهرت دراسة حديثة أجرتها شركة «بوز آند كومباني» أن التكامل الاقتصادي بين الدول الست الأعضاء لم يحقق مستوى التقدم المتوقع.

وقال ريتشارد شدياق، الشريك الأول في «بوز آند كومباني»: «شهدت المنطقة نموا رائعا على مدى العقد الماضي، إلا إن هذا النمو يمثل جهود ست دول منفردة، وليس مجموعة متماسكة ومتوافقة تعمل بوصفها كيانا اقتصاديا متكاملا، حيث يمكن أن يساعد التكامل الأشمل على دفع عجلة الاقتصاد في المنطقة بوتيرة أسرع كما فعل في نموذج الاتحاد الأوروبي، وبإيجاز ثمة فوائد ضائعة في حال عدم تعزيز التكامل».

وعملت «بوز آند كومباني» بتقييم مستوى التكامل الاقتصادي في المنطقة بناء على 5 مجالات أساسية، وهي: الاتحاد النقدي، والجمارك والحدود، والاستثمارات الإقليمية، والبنية التحتية المشتركة، والتعاون المعرفي.

وقد جرى اختيار هذه المعايير الخمسة لإبراز المجالات ذات الأولوية التي أعلنت عنها الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، والتي تم اتخاذ إجراءات حيالها بالفعل.

وأكد أنه تم تحديد نقاط التقييم التي استندت على عائق أساسي يحول دون تحقيق الهدف المنشود أو يؤدي إلى جمود العملية، والحد الأدنى من التقدم نحو تحقيق الهدف المنشود منذ آخر إجراء متخذ، وبعض المؤشرات على الجهود المبذولة والتقدم نحو تحقيق الهدف المنشود.

ولفت التقرير إلى أن تقييم الاتحاد النقدي حدد 2.8 نقطة، موضح الجهود المبذولة فيه، وقد أسس مجلس التعاون الخليجي المجلس النقدي الخليجي في مطلع عام 2010، وهي انطلاقة مهمة نحو إنشاء سلطة إقليمية تتولى مسؤولية وضع السياسة لجميع الدول الست الأعضاء بوصفها كيانا اقتصاديا واحدا.

وأكد أن جميع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، باستثناء الكويت، ربطت عملاتها بالدولار الأميركي، مما يمهد الطريق أمام انتقال سلس إلى عملة موحدة في حال اعتمادها.

وأشار إلى أن الموعد المحدد في عام 2010 لإنشاء عملة خليجية موحدة قد مضى، وكان انسحاب الإمارات العربية المتحدة وعمان من نظام العملة الموحدة المقترحة من العوائق التي تسببت في هذا التأخير، فمن الصعب تصور وجود اتحاد نقدي ونظام عملة يستثني دولتين من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.

ومع ذلك فإن قادة مجلس التعاون الخليجي يفتحون المجال أمام المزيد من المناقشات في هذا الصدد، بينما يخطون قدما نحو بناء هيكل تكاملي لعملة خليجية موحدة.

وبين أن إحدى أهم الخطوات التي ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي اتخاذها لتحقيق الاتحاد النقدي يتمثل في إنشاء نظام قوي للمدفوعات وروابط متينة بين الأسواق المالية، من خلال توحيد البنى الأساسية القانونية والنظامية.

ودعت الدراسة دول مجلس التعاون الخليجي لتعيين الاستثمار في المؤسسات الإحصائية المتوافقة على كل من الصعيدين الوطني والإقليمي، ربما على نحو مماثل للمكتب الإحصائي الخاص بالاتحاد الأوروبي، فالقدرة على جمع وتحليل بيانات الاقتصاد الكلي هي مطلب أساسي لتوحيد السياسات النظامية وممارسات إدارة المخاطر، وهو الأمر الذي أظهرته أزمة الديون اليونانية في الاتحاد الأوروبي.

وأعطت «بوز آند كومباني» هذا المجال 3 نقاط في التقييم، وذلك يرجع في جزء منه إلى حقيقة أن حجم التجارة بين دول مجلس التعاون الخليجي نما بمعدل عشرة أضعاف منذ تأسيس المجلس.

وبعد إبرام اتفاق الاتحاد الجمركي في عام 2003، على سبيل المثال، ارتفعت الصادرات غير النفطية بين دول مجلس التعاون الخليجي في الفترة من عام 2004 إلى 2008 بنسبة 27 في المائة سنويا، مقارنة بنسبة 20 في المائة التي حققتها مع باقي دول العالم في غضون الفترة ذاتها.

وأوضحت الدراسة أن حجم التجارة بين دول مجلس التعاون الخليجي لم يتخط نسبة 10 في المائة من إجمالي حجم تجارة المنطقة مقارنة بتكتلات على غرار الآسيان والاتحاد الأوروبي اللذين حققا 23 في المائة و57 في المائة على الترتيب من إجمالي حجم التجارة في منطقتيهما.

وتبذل حكومات مجلس التعاون الخليجي قصارى جهدها لضمان تعزيز سلاسة تدفقات التجارة في المستقبل.

من جهته قال حاتم سمان، مدير مركز الفكر: «على الرغم من ظهور بعض الخلافات بشأن قضايا على غرار اقتسام عائدات التعرفة الجمركية وأوقات الانتظار عند المعابر الحدودية، فإن ثمة استعدادا لدى دول مجلس التعاون الخليجي للتغلب على هذه العوائق، كما تفيد التقارير الصحافية بأن هناك عزما على تسوية كل قضايا الجمارك المعلقة بحلول عام 2015».

وأضاف: «لقد بدأت الكثير من الدول الأعضاء بالفعل في أتمتة إجراءاتها الجمركية، مع أن هذه الجهود يتعين تنسيقها بهدف إنشاء نافذة جمركية موحدة لدول مجلس التعاون الخليجي تمكن جميع الدول الأعضاء من تبادل معلومات ومستندات التجارة من خلالها».

وفيما يتعلق بتدفق العمالة بين دول مجلس التعاون الخليجي، فابتداء من عام 2007، عمل 27 ألف خليجي، وهو ما يمثل نسبة 0.2 في المائة فحسب من القوى العامل المقدرة بنحو 15.6 مليون، بنظام الدوام الكامل في الدول الأعضاء الأخرى في مجلس التعاون الخليجي.

وتتوقع «بوز آند كومباني» زيادة هذا الرقم في ضوء القرار الذي صدر مؤخرا، والذي يسمح للشركات الخليجية بافتتاح فروع لها في الدول الأعضاء، وهو الأمر الذي من شأنه تعزيز حركة المواطنين عبر الحدود تعزيزا كبيرا.

وشهدت دول مجلس التعاون الخليجي زيادة غير مسبوقة في حجم الاستثمارات الإقليمية على مدى السنوات الثماني الماضية، مما جعل هذا المجال يحرز 3 نقاط في التقييم.

وعلى مدار العقود الماضية، كان تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر بين دول مجلس التعاون الخليجي في أدنى مستوياته، محققا 3.6 مليار دولار بين عامي 1990 - 2003، على سبيل المثال، أو نسبة 2.9 في المائة فحسب من إجمالي تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر على المستوى الإقليمي الذي بلغ 125 مليار دولار.

وخلال عام 2003 ومنذ الطفرة الأخيرة في أسعار النفط، زاد حجم الاستثمارات عبر الحدود بشكل كبير، لا سيما في قطاع الاتصالات.

واتسم نشاط الاستحواذ والدمج في دول مجلس التعاون الخليجي بالقوة على مستوى مختلف القطاعات، حيث تخطى 26 مليار دولار أميركي بين عامي 2000 و2008، ومع ذلك فقد تحققت هذه الزيادة في الاستثمارات الإقليمية على الرغم من غياب التنسيق الرسمي وعدم تناسق التكامل المالي الشامل للمنطقة.

وقال شدياق: «يتعين على مجلس التعاون الخليجي العمل على توحيد القوانين المنظمة للاستثمار وملكية الشركات في الدول الخليجية في جميع القطاعات؛ سعيا لتعزيز الاستثمارات الإقليمية بشكل أكبر».

وزاد: «ينبغي عليه تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر وتحفيز القطاع الخاص وتنميته، مع التركيز بوجه خاص على التدابير الرامية لتنويع الاقتصادات الوطنية بعيدا عن الاعتماد على عائدات النفط والغاز».

وأحرز هذا المجال 3.6 نقطة في التقييم، وبذلك يكون هو المجال الأكثر تكاملا ضمن المجالات الخمسة.

وأعلن عن مشاريع تقدر قيمتها بمليارات الدولارات في قطاعات النفط والغاز، والطرق، والسكك الحديدية، والكهرباء، مع إنجاز الكثير من مراحل التنفيذ المهمة.

ففي قطاع النقل، تخطط قطر والبحرين لإنشاء جسر وخط حديدي عالي السرعة بقيمة 4 مليارات دولار ليربط بين الدولتين، كما تخطط عمان لإنشاء طريق فائق السرعة لربط مسقط مع الإمارات، وهو المخطط افتتاحه بحلول عام 2015.

وتخطط دول مجلس التعاون الخليجي لإنشاء شبكة سكك حديدية بطول 2.117 كيلومترا، بتكلفة تقدر بنحو 25 مليار دولار، بحيث تنفذ بحلول عام 2017. وتباشر كل من السعودية والبحرين والكويت وقطر إجراء تعديلات إضافية كبيرة على مطاراتها القائمة، كما وقعت جميع الدول، باستثناء السعودية، بعض اتفاقات الأجواء المفتوحة، على الرغم من انتظار مجلس التعاون الخليجي لاتفاق أجواء مفتوحة يتيح حرية الحركة الكاملة للأفراد والبضائع في المنطقة.

وتعتبر معظم مشاريع البنية التحتية مشاريع طموحة للغاية، فقد قدرت قيمة الخطط الحالية لمشاريع البنية التحتية في المنطقة بنحو تريليون دولار، في الوقت الذي تعرضت فيه مشاريع الإنشاء في المنطقة والعالم إما إلى التأخير أو الإلغاء.