لنشجع القروض المصرفية التعليمية

سعود الأحمد

TT

الملاحظ في المجتمعات النامية، وأخص منها دول الخليج العربية، عدم شيوع القروض المصرفية لتمويل البعثات الدراسية. بينما تجد من المألوف أن من يتقدمون للدراسات العليا يقترضون من البنوك التجارية لتمويل (بعض أو كل) الأعباء الدراسية! فعلى سبيل المثال: في يوم الخميس الماضي، اطلعت على إعلان بإحدى الصحف اليومية السعودية عن برامج تدريبية في العلوم المصرفية بالمعهد المصرفي، يمول بالتعاون مع إحدى الجمعيات الخيرية، فوجدت في ذلك فرصة لأحد الشباب ممن تنطبق عليهم شروط تلك البرامج. وقلت في نفسي، لعله يستفيد من هذه الفرصة لتحسين أوضاعه! لكنه أجاب بأن مثل هذه الدورات مدتها سنتان، وأنه يعمل مراسلا براتب لا تغطيه المكافأة التي تمنحها مثل هذه الدورات. وأنه يعول أسرة ولا يستطيع الاستغناء عن دخله الحالي من الوظيفة.

هذا رغم مغريات العمل بعد التخرج كموظف بنكي بما سيحقق له دخلا أضعاف ما يحصل عليه كمراسل. إضافة إلى أن مثل هذا البرنامج سيحقق له ذاته، بما له من مميزات. لكنني وجدته باقيا مكتوف اليدين أمام هذه الفرصة السانحة! وهذه بالمناسبة مشكلة تواجه شريحة كبيرة من الشباب الطموحين، وخاصة الحاصلين على مؤهل الثانوية العامة، ممن يعملون بوظائف مؤقتة كمراسلين وحراس أمن وعمال بالكثير من الشركات والمؤسسات الفردية. فمعظمهم يعملون بلا قناعة ولا أمان وظيفي، إضافة إلى ما يعانونه من تدني مستوى الدخل وسوء المعاملة ببعض بيئات العمل وما يصاحب ذلك من ضغوط نفسية! ولذلك تجد معظمهم يعملون لمجرد سد حاجتهم لمصروفاتهم الشخصية، وتحت ضغوط اجتماعية وأنفسهم مملوءة بحسرات على صعوبة فتح المجال لهم للتطوير وتحقيق طموحاتهم.. في الوقت الذي يجدون الفرص أمامهم كثيرة للتطوير وتحسين أوضاعهم عن طريق ما يتاح من برامج مثل دراسة العلوم المالية والمصرفية والاتصالات وفروع تخصصات الحاسب الآلي والأعمال الحسابية والتمريض والسياحة والفندقة وخدمات الطيران وغيرها من المجالات الحيوية التي تحتاجها سوق العمل ويتلهف الشباب لدراستها للحصول على مؤهلات تمكنهم من تحسين أوضاعهم المعيشية والوظيفية.. لولا مشكلة التمويل!! وفي محاولة لحل مشكلة هؤلاء الشباب.. وبإجراء عملية حسابية لفرق دخل مثل هؤلاء الشباب من وظائفهم الحالية (كمراسلين وحراس أمن وعمال)، مقارنة بالمكافأة التي تمنح أثناء فترة التدريب الذي تستمر لمدة سنة أو سنتين، تجد الفرق لا يتعدى ألفا أو ألفي ريال شهريا. بمعنى أن مجمل تكلفة تحسين أوضاع الواحد منهم لا تتعدى خمسين ألف ريال.

وسؤالي: لماذا لا نشجع القروض المصرفية التعليمية؟ فمثل هذه الحالات يمكن تمويلها عن طريق البنوك التجارية، بقروض ميسرة خدمة لهؤلاء الشباب بحيث تكون مؤجلة السداد إلى ما بعد التخرج والحصول على وظيفة. بحيث يقنن لكل حالة ما يناسبها من التسهيلات المصرفية. وبالمناسبة فإن مثل هذا النهج يعتبر واحدا من أهم البرامج الفاعلة لمحاربة الفقر والبطالة، خصوصا أن تكلفة هذه القروض ضئيلة جدا مقارنة بعوائدها الإيجابية على الاقتصاد الوطني والمجتمع في الحاضر والمستقبل.

* كاتب ومحلل مالي