انقسامات أوروبية بشأن إصدار سندات أوروبية موحدة

قمة فرنسية ـ ألمانية اليوم لدراسة أزمة الديون السيادية

أزمة الديون في منطقة اليورو تثير مخاوف إقليمية وعالمية («الشرق الأوسط»)
TT

قبل ساعات من القمة الفرنسية - الألمانية، وهي القمة المقررة في باريس اليوم الثلاثاء، جددت المفوضية الأوروبية ببروكسل، وهي الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي، الدعوة للدول الأعضاء بضرورة تنفيذ مقررات القمة الأخيرة التي جمعت قادة دول التكتل الأوروبي الموحد في الحادي والعشرين من الشهر الماضي، على أن يكون ذلك في أسرع وقت ممكن، وتوقع الجهاز التنفيذي الأوروبي أن يتحقق ذلك في مطلع الشهر المقبل، إلا أن التصريحات التي صدرت عن عواصم أوروبية، ومنها برلين وباريس وروما، وهي أكبر اقتصادات الاتحاد الأوروبي، أظهرت وجود تباين في المواقف بشأن فكرة طرح سندات أوروبية موحدة، وترى فيها روما فكرة جيدة وحلا ضروريا، بينما ترى برلين أنها فكرة ليست صائبة.

في برلين، أكد ستيفن شيبرت، المتحدث باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الاثنين، أن ميركل لا تنوي مناقشة مقترح إصدار سندات أوروبية موحدة لمواجهة الأزمة المالية التي تعيشها عدة دول بمنطقة اليورو، خلال اجتماعها مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، اليوم الثلاثاء في باريس. وأوضح شيبرت: «مسألة إصدار سندات أوروبية لم تتم مناقشتها في الأشهر الماضية ولن تتم مناقشتها خلال اجتماع ميركل وساركوزي»، مجددا رفض حكومة ألمانيا لمقترح اعتماد سندات أوروبية مشتركة. وأضاف: «نحن لا نعتبر إصدار سندات أوروبية مشتركة بمثابة وسيلة صائبة.. ولن يتم التطرق لهذه المسألة في إطار المحادثات حول استقرار منطقة اليورو».

وأشار إلى أن أزمة منطقة اليورو لن تُحل سوى بتعزيز الإصلاحات التي تقوم بها الدول التي تعاني أزمات لكي يحدث في نهاية الأمر تقارب لأسعار عائدات السندات بالدول التي تعاني أزمة ديون وباقي دول منطقة اليورو.

ومن المقرر أن يبحث ميركل وساركوزي، خلال لقائهما، سبل تحسين إدارة الأزمة المالية لدول منطقة اليورو، بالإضافة إلى تطبيق الإجراءات التي تم التوصل إليها خلال القمة الاستثنائية التي عقدها قادة دول العملة الموحدة أواخر الشهر الماضي.

وفي روما لفت وزير المالية الإيطالي جوليو تريمونتي إلى أن التفاقم الأخير للأوضاع في بلاده «كان لا يمكن التكهن به»، واعتبر أن الوسيلة لتلافي أزمة منطقة اليورو الراهنة كانت تكمن في إصدار السندات الأوروبية الموحدة.

ونوه الوزير بأن «خطة يوليو (تموز) الماضي التقشفية (48 مليارا على 3 سنوات) وجدت قبولا واسعا من جانب المصرف المركزي الأوروبي وألمانيا، لكن الأيام التي تلت ذلك غيرت تماما المشهد المالي وعلى المستوى العالمي»، وعزا تريمونتي استحالة التنبؤ بمسار الأوضاع المالية إلى خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة الأميركية والمضاربات التي واكبت شائعات تعرض فرنسا لخفض مماثل.

وأضاف الوزير، في مؤتمر صحافي أثناء عرض خطة التقشف الجديدة للعامين المقبلين ويبلغ حجمها 45 مليار يورو: «هذه هي الأسباب التي فرضت خطة إقرار تقشف جديدة»، وأضاف: «لم نكن هنا مجددا، إذا كنا قد تمكنا من إصدار سندات أوروبية» موحدة، وأشار تريمونتي إلى أن «هناك ترقبا كبيرا لما يخرج عن القمة الألمانية - الفرنسية الأسبوع المقبل، ولديَّ شعور بأن الأوضاع ستعتمد على الخيارات التي ستتخذ من أجل أوروبا».

من جهته، طالب المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية والمالية، أولي رين، بالموافقة الفورية على الإصلاحات التي تم الاتفاق عليها خلال قمة الاتحاد الأوروبي التي عقدت في يوليو الماضي. وأكد رين، في تصريحات الاثنين، أن تلك الاتفاقات لا بد أن تطبق «في سبتمبر (أيلول) المقبل على أقصى تقدير» لطمأنة الأسواق المالية المتهمة ببث «الذعر في نفوس المواطنين». وأشار المفوض الأوروبي إلى أن اجتماع يوليو الماضي شهد الاتفاق على «إجراءات حاسمة».

وشدد على أن «مسؤولين في أوروبا كافة يعملون ليلا ونهارا على تنفيذ الاتفاقات»، مضيفا: «العمل في التفاصيل أمر معقد للغاية، لكننا سنتحدث عن أسابيع وليس شهورا».

كما انتقد رين الأسواق المالية بشدة لإبدائها «توترها الشديد» ورغبتها في «تحقيق كل شيء في الوقت نفسه»، على الرغم من عدم وجود أسباب لتلك «المبالغات».

يُذكر أنه قبل عدة أسابيع قال المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية والنقدية أولي رين: إن الاقتصاد الأوروبي بات يعمل بسرعتين بسبب الاقتصادات الضعيفة داخل عدد من الدول التي تعاني صعوبات في الديون السيادية. وقال رين أمام المنتدى الاقتصادي الأوروبي في بروكسل في مايو (أيار) الماضي: «لسوء الحظ أننا بدأنا نعيش في أوروبا بسرعتين». وأضاف، في حضور عدد كبير من الخبراء والاقتصاديين والمسؤولين الأوروبيين والأجانب: «إن بعض الدول تعافت بسرعة وبقوة، في حين أن أخرى تعاني انكماشا في الناتج المحلي الإجمالي أو تواجه نموا منخفضا جدا، وبالنسبة لمعظم الاقتصادات الضعيفة، فإن تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل فاضح مرتبط بأزمة الديون السيادية»، وقال إن تحرك الاتحاد الأوروبي لإنقاذ الاقتصادات المتسيبة نجح في منع الانهيار المالي وتجنب صدمات أشد عنوة للاقتصاد.

وتزامن ذلك مع توجيه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل انتقادات إلى حكومات الدول الأوروبية المدانة، وطالبت حكومات كل من اليونان والبرتغال وإسبانيا بتقديم إثباتات على نيتها في إجراء خطط تقشفية تخرجها من أزمة المديونية. وحسب تقارير إعلامية من برلين، وجهت ميركل انتقادات غير مسبوقة من رئيس حكومة ألمانية لقوانين سن التقاعد والعطل في هذه البلدان، مضيفة أن «الحديث لا يدور عن عدم تكبد ديون جديدة فقط، بل أيضا عن ضرورة ألا يتقاعد مواطنو دول مثل اليونان والبرتغال وإسبانيا أبكر من المواطنين الألمان».

كانت الحكومة الألمانية قد اتخذت، بعد نقاشات استمرت سنوات، قرارات برفع سن التقاعد تدريجيا من 65 إلى 67 عاما. وحذرت ميركل من أنه «ليس من المعقول أن تتعامل جميع البلدان في منطقة اليورو بعملة واحدة، في حين يحصل مواطنو دولة معينة على عطل أطول من عطل مواطني دولة أخرى»، خاصة أن الموظفين والعمال في ألمانيا يحصلون، وفقا للقوانين الألمانية، على 20 يوما عطلة على الأقل في السنة.

وعلى صعيد تقديم مساعدات للدول المدانة، اشترطت ميركل ضرورة أن تبذل هذه الدول جميع الجهود اللازمة من أجل الخروج من أزمة الديون وتقديم إثباتات ملموسة على ذلك، قائلة: «نعم ألمانيا تساعد، لكنها مستعدة لتقديم هذه المساعدات فقط إذا بذلت الدول المدانة الجهود المطلوبة وإذا أثبتت ذلك». وأكدت أن ألمانيا لا تريد أن تفلس دولة معينة في منطقة اليورو؛ لأن ذلك يعني إفلاس الجميع، متابعة: «لا نستطيع أن نتضامن مع هذه الدول ونقول في الوقت ذاته استمروا في سياستكم»، في إشارة إلى ربط تقديم المساعدات بشروط مسبقة.

وشددت ميركل على أن العملة الأوروبية الموحدة ما زالت مستقرة، قائلة: «اليورو مستقر ولكن دعوني أقُل الحقيقة، وأؤكد أنه إذا لم ننتبه فإن مستقبلنا سيكون مختلفا، لهذا يجب على حكومات الدول المدانة معرفة أن التدبير الجيد هو أساس الاقتصاد الجيد».

وأعلنت عدة عواصم أوروبية، مؤخرا، ومنها: روما ومدريد ولشبونة وغيرها، عن خطط تقشفية، وبدأت بالفعل في إجراءات التنفيذ.