بروكسل ترحب بنتائج قمة ساركوزي ـ ميركل.. وأوروبا تستقبلها بفتور

أسواق الأسهم لم تقتنع وتعيش أياما ضبابية

تقبلت الأسواق نتائج الاجتماع الأوروبي (ساركوزي - ميركل) بفتور شديد (إ.ب.أ)
TT

رحبت المفوضية الأوروبية في بروكسل بنتائج القمة الفرنسية الألمانية الأخيرة التي استضافتها باريس، وتزامن ذلك مع صدور بيانات أوروبية تشير إلى انخفاض في معدلات التضخم في دول التكتل الأوروبي الموحد، وإن بقيت أعلى من المعدلات التي سجلت العام الماضي عن الشهر نفسه. بينما حقق النمو الاقتصادي في منطقة اليورو معدلات أقل من المتوقع في الربع الثاني من العام الحالي.

وفي بروكسل، رحب رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو، ومفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الاقتصادية والنقدية أولي ريهن، بالاقتراح المشترك الذي قدمه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

واعتبر باروسو وريهن في بيان مشترك أن «الاقتراح يمثل خطوة إيجابية في الجهود المشتركة المبذولة لتعزيز سيادة منطقة اليورو، ويعد مساهمة مهمة سياسية من قادة أكبر اقتصادين في منطقة اليورو في العمل الجاري والنقاش المثمر». وأشار البيان إلى دعوة الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية إلى ضرورة إنشاء سياسة اقتصادية ومالية لمنطقة اليورو بهدف التعامل مع أزمة الديون. وبين أن «التحديات التي تواجهنا حاليا برهنت لنا أهمية أن العملة المشتركة تعني تقاسم المسؤولية والمطالبة بتوثيق التنسيق في السياسات الاقتصادية والتنسيق والتعاون المنتظم بين اجتماعات اليورو والبرلمان الأوروبي لقيادة سياسية أكثر استقرارا وقوة».

ولكن لقيت التحركات الفرنسية الألمانية استقبالا فاترا من جانب عدد من الدول الأعضاء الأخرى، وأخفقت في إقناع الأسواق بأن أزمة ديون الكتلة تقترب من الحل. وانتقدت النمسا الحليف التقليدي لألمانيا الخطط التي أعلنت للمضي قدما صوب «حكومة اقتصادية» يتنازل فيها أعضاء العملة الموحدة عن السيادة على السياسة الاقتصادية. وتفاعلت آيرلندا بغير حماس مع خطط برلين وباريس للمضي قدما في تحقيق التناغم بين مستويات ضرائب الشركات لديهما على أمل أن تقتدي سائر دول اليورو بهما.

واعتبر مقترح منفصل لإضافة قواعد «كابحة للديون» على غرار ألمانيا في الدساتير الوطنية للدول السبع عشرة الأعضاء في منطقة اليورو بحلول منتصف 2012، طموحا أكثر من اللازم في ضوء أن ساركوزي نفسه عانى للحصول على أغلبية برلمانية لخطة من هذا النوع في فرنسا. وتساءلت وزيرة مالية فنلندا إن كانت قاعدة من هذا النوع ستنجح عمليا، وقالت إنها «ليست متحمسة» لتعديل دستور بلادها.

وقال مارك وول، الاقتصادي في «دويتشه بنك»: «توقعات الأسواق تبدو دائما متقدمة عدة خطوات على ما يستطيع الزعماء السياسيون تحقيقه.. وثمة خيبة أمل واضحة.. الكثير مما أعلنته ميركل وساركوزي هو تكرار لمقترحات سابقة مع بعض التعديل». وكان يمكن لبعض الخطوات التي كشف عنها خلال مؤتمر صحافي في باريس أن تبدو ثورية تقريبا قبل عام.

وأذعنت ميركل لمطالب فرنسية قديمة لإجراء اجتماعات دورية لزعماء منطقة اليورو وتعيين رئيس رمزي أو متحدث باسم الكتلة، لكنها خطوات ستؤدي إلى اتساع الهوة بين الدول الأعضاء وغير الأعضاء في نادي اليورو داخل الاتحاد الأوروبي المؤلف من 27 بلدا. لكن في خضم أزمة حادة تهدد باجتياح دول أكبر على أطراف منطقة العملة الموحدة مثل إسبانيا وإيطاليا وربما دولة في قلب الكتلة مثل فرنسا، فقد قوبلت الإعلانات بانتقادات من قبل الكثيرين باعتبارها «تقدم أقل القليل وبعد فوات الأوان». وأوضحت ميركل وساركوزي أن إصدار سندات مشتركة لمنطقة اليورو، وهو ما يراه بعض المستثمرين حلا سحريا للأزمة، ليس على جدول أعمالهما.

لكن إسبانيا وإيطاليا تمسكتا بالأمل في أن خططا لمزيد من التقارب المالي قد زادت فرص بحث مسألة السندات المشتركة في المستقبل. واستبعد زعيما ألمانيا وفرنسا أيضا زيادة حجم آلية الاستقرار المالي الأوروبي وهي صندوق إنقاذ بقيمة 440 مليار يورو لكنه أصغر من أن يساعد بلدا كبيرا مثل إيطاليا.

لكن جاءت قرارات الاجتماع الثنائي في الإليزيه أمس على غرار ما توقعته الأسواق أمس، حيث لم تهنأ بيوم هادئ كما كان يأمل كل من الزعيمين. وتراجع اليورو مقابل الدولار وتراجعت الأسهم وسط مخاوف من استمرار تفشي الأزمة.

ومن المرجح أن يفرض عدم تحقيق تقدم واضح من قبل الساسة ضغوطا إضافية على البنك المركزي الأوروبي الذي وافق في وقت سابق هذا الشهر على استئناف برنامج لشراء السندات بشراء السندات الإيطالية والإسبانية في السوق المفتوحة.

وقال جاك كايلو، الاقتصادي بـ«رويال بنك أوف سكوتلاند»: «البنك المركزي الأوروبي محاصر هنا.. لذا أعتقد أن الأمر قد ينتهي بوجود 150 إلى 200 مليار يورو من السندات الإسبانية والإيطالية في الميزانية العمومية للمركزي الأوروبي في غضون شهر ونصف الشهر». ويتمثل أحد المخاوف في أن المقترحات الفرنسية الألمانية قد تعيد فتح عدد من السجالات داخل الاتحاد الأوروبي بما قد ينال بدرجة أكبر من ثقة المستثمرين.

وأوضح البيان أن اقتراح ميركل وساركوزي تضمن الاجتماعات نصف السنوية لقادة منطقة اليورو المؤلفة من 17 عضوا، وفرض ضريبة على المعاملات المالية. وأكد أهمية جعل ضريبة الصفقات المالية أداة رئيسية لضمان المساهمة العادلة للقطاع المالي في الحسابات العامة، إذ تعتزم اللجنة تقديم اقتراح بهذا المعنى في وقت قريب. وعقب ذلك أشارت بيانات صادرة عن المكتب الإحصائي الأوروبي إلى أن معدل التضخم في دول الاتحاد الأوروبي وصل إلى 2.9 في المائة في شهر يوليو (تموز) الماضي، منخفضا من 3.1 في المائة في شهر يونيو (حزيران)، لكنه لا يزال أعلى من نسبة التضخم المسجلة في يوليو من العام الماضي وبلغت 2.1 في المائة.

أما معدل التضخم السنوي في منطقة اليورو المكونة من 17 دولة فقد بلغ 2.5 في المائة في شهر يوليو، منخفضا من 2.7 في المائة في شهر يونيو السابق، لكنه جاء أعلى من النسبة المسجلة قبل عام وكانت 1.7 في المائة. وفي يوليو لوحظ أدنى المعدلات السنوية للتضخم في آيرلندا بنسبة واحد في المائة، وفي سلوفينيا بنسبة 1.1 في المائة، وفي السويد بنسبة 1.6 في المائة. من جهة أخرى كانت أعلى معدلات التضخم في شهر يوليو في استونيا بنسبة 5.3 في المائة، وفي رومانيا بنسبة 4.9 في المائة، وفي ليتوانيا بواقع 4.6 في المائة، وجاء ذلك بعد أن كشفت بيانات مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي (يوروستات)، أن اقتصاد منطقة اليورو نما أقل من المتوقع في الربع الثاني من العام متأثرا بتباطؤ في نمو محركي الاقتصاد الأوروبي، ألمانيا وفرنسا. وارتفع الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو التي تضم 17 بلدا بنسبة صفر فاصل اثنين في المائة في ثلاثة أشهر حتى نهاية يونيو. هذا التباطؤ في النمو ليس سوى نتيجة لعدم ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا سوى 0.1 في المائة، وجمود نمو الاقتصاد الفرنسي، ناهيك عن التعثر الذي يصيب اقتصادات أوروبية أخرى منها إيطاليا وإسبانيا. ويرى العديد من المراقبين أنه واقع يزيد القلق في الأسواق خصوصا في ظل استمرار أزمة الديون الأوروبية على حالها واضطرار الحكومات للجوء إلى المزيد من تدابير التقشف، كما يؤكد المحلل الاقتصادي أوليفر روث «كان عدد من المستثمرين قلقين إزاء الوضع الاقتصادي العالمي، لكن الجميع كان يتوقع أن تحظى ألمانيا بعام جيد اقتصاديا. لذلك، نحن مندهشون حقا ونشعر بقلق عميق إزاء أرقام الناتج المحلي الإجمالي الألماني، وهذا ما يظهر في الأسواق». وقلق الأسواق كان كبيرا أصلا في ظل المخاوف من خطر انتقال عدوى الأزمة من الاقتصادات الصغيرة مثل اليونان وآيرلندا والبرتغال إلى الاقتصادات الكبرى. لكن تباطؤ النمو في منطقة اليورو يرجح أكثر فأكثر إمكانية دخول المنطقة في فترة ركود اقتصادي جديدة.

يذكر أنه في ختام قمة ثنائية كانت موضع ترقب كبير في الأسواق المالية، انعقدت في باريس، أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أنهما سيقترحان على شركائهما الأوروبيين إنشاء «حكومة اقتصادية حقيقية لمنطقة اليورو» وفرض ضريبة على المعاملات المالية. وأوضح ساركوزي في مؤتمر صحافي مشترك مع ميركل، أنهما يقترحان أن تكون هذه الحكومة، التي تعين لسنتين ونصف السنة، وتجتمع مرتين في العام، برئاسة الرئيس الحالي لمجلس الاتحاد الأوروبي، هيرمان فان رومبوي. من جهتها قالت ميركل إن هذه المقترحات تهدف لاستعادة الثقة في الأسواق، مؤكدة أن برلين وباريس تشعران بأنهما ملزمتان بتقوية اليورو وتطويره. وأضافت أنه «من الواضح تماما أننا نحتاج لكي يحدث هذا إلى تفاعل السياسة المالية والاقتصادية في منطقة اليورو». وأضافت «ألاحظ في كثير من الأحيان أن الناس ينظرون إلى هذا الحدث بطريقة واحدة والتي يمكن أن تجلب لنا الخروج من الأزمة، وفي هذا السياق يقول الناس إن الملاذ الأخير هو سندات اليورو، وأنا لا أجد هذا راسخا بأن أوروبا بحاجة إلى الملاذ الأخير ولا أعتقد أننا يمكن أن نحل مشاكلنا بواسطة ما اعتدت أن أسميه الدوي أو الضجيج الكبير».

الزعيمان طالبا كذلك جميع دول منطقة اليورو بوضع سقف لديونها قبل انقضاء صيف العام المقبل. ويرى خبراء الاقتصاد والمال أن سبب أزمة منطقة اليورو لا يرجع إلى سياسة الميزانية بل للسياسة النقدية. وفي هذا الصدد يقول بيتر كليب، رئيس مكتب بروكسل لمؤسسة أوروبا المفتوحة، إن الزعماء الأوروبيين فشلوا في رؤية أن المشاكل التي ظهرت في منطقة اليورو ليست بسبب سياسة الميزانية، بل هي نتيجة للسياسة النقدية، ويرجع ذلك إلى حقيقة أنه «من الصعب جدا الحصول على سياسة نقدية موحدة لكامل منطقة اليورو. فعندما كانت ألمانيا تنمو ببطء شديد، كانت إسبانيا وآيرلندا تحققان نموا سريعا جدا»، يضيف المتحدث. وتستمر المخاوف الأوروبية من انتقال عدوى أزمة الديون السيادية من آيرلندا واليونان والبرتغال إلى إيطاليا وإسبانيا، وفي روما أكد رئيس وزراء إيطاليا ورئيس المفوضية الأوروبية السابق رومانو برودي، أن اليورو سيصمد أمام عاصفة أزمة ديون بعض الدول الأوروبية الرئيسية، وأنه ليس بوسع حتى أقوى اقتصاداتها الاستغناء عنه، منتقدا احتكارات الوكالات الأميركية للتصنيف المالي.