تضارب البيانات بشأن نمو الاقتصاد الأميركي

الولايات المتحدة على وشك الدخول في كساد مزدوج

مواطنون أميركيون في مكتب للبحث عن وظائف (أ.ف.ب)
TT

عندما أعلنت الحكومة الأميركية في أبريل (نيسان) عن نمو الاقتصاد بمعدل سنوي متواضع بلغ 1.8 في المائة في الربع الأول من العام الحالي، رأى السياسيون والمستثمرون في ذلك أدلة على أن لا تزال تعافيها من أعماق الأزمة المالية. وصف البيت الأبيض هذه الأنباء بالمشجعة، فيما واصلت سوق الأسهم ارتفاعها.

بعد ثلاثة أشهر من ذلك أعلنت الحكومة عن تغيير بسيط في النتائج، أشارت فيه إلى أن معدل نمو الاقتصاد بلغ خلال الربع الأول 0.4 في المائة.

وهو ما يعني أن الولايات المتحدة باتت على وشك الدخول في كساد مزدوج، بدلا من التحرك بخطى ثابتة باتجاه تعافٍ معقول.

كيف يمكن لمثل هذه المعلومات الهامة أن تتغير بهذا الشكل؟ الإجابة في هذه الحالة بسيطة إلى حد مدهش، وهي أن مكتب التحليل الاقتصادي المكلف بإعداد هذه الأرقام خلص إلى أنه قلل من قيمة السيارات لدى تجار التجزئة والإنفاق الوطني على الواردات النفطية. الأهم من ذلك أن السياسيين والمستثمرين يعتمدون بشكل كبير على التقديرات التقريبية والأولية التي لم تكن على الإطلاق موثوقة من الناحية العملية.

وتقول تارا إم سنكلير، أستاذ الاقتصاد المساعد والشؤون الدولية في جامعة جورج تاون: «الأفراد يرغبون في الحصول على أفضل المعلومات التي لدينا الآن، لكنهم أيضا بحاجة إلى إدراك أن أفضل المعلومات هذه ليست مؤكدة بدرجة كبيرة، بل هي أفضل المعلومات المتوافرة».

معدل النمو الذي تعلن عنه الحكومة بعد شهر تقريبا من نهاية كل ربع - أخبار تنتظر بشغف في واشنطن وول ستريت - لم تكن صائبة تماما خلال الفترة من 1983 وحتى عام 2009 فقد شهدت معدل انحراف بمتوسط 1.3 في المائة نقطة، مقارنة بالأرقام التي تم تحليلها والتي صدرت العام الماضي، بحسب وكالة البيانات الفيدرالية.

والتقديرات الثانية والثالثة التي يعلن عنها في فترة لاحقة مدتها شهر، ليست أكثر موثوقية، فأشارت التقديرات الحكومية إلى أن معدل النمو 1.8 في المائة في مايو (أيار) و1.9 في المائة في يونيو (حزيران) قبل إصدار التقييم الأخير الذي وضع النمو عند 0.4 في المائة.

ربما كان الأمر الأكثر أهمية هو أن الحكومة استهانت بعمق الركود من خلال هامش كبير، فأشارت في البداية إلى أن الاقتصاد تقلص بمعدل 3.8 في المائة سنويا خلال الربع الأخير من عام 2008. وهي تقدر معدل الانكماش في الوقت الراهن بـ8.9 في المائة. وعوضا عن معدل نمو سنوي بـ0.2 في المائة من الربع الرابع عام 2007 وحتى الربع الأول من عام 2011 تقدر الحكومة الآن انكماش الاقتصاد بمعدل يبلغ 0.2 سنويا خلال تلك الفترة.

نتيجة لذلك باتت المشكلة الرئيسية سهلة الفهم، فأكثر من نصف المكونات في التقييم الأول مبنيّ بصورة إجمالية أو جزئية على تكهنات الشهور السابقة. فالحكومة لا تعرف حقا مدى إنفاق الأفراد على فواتير هواتفهم المحمولة أو كم الأموال التي تنفقها الشركات على عمليات الإنشاء. ومن ثم فهي تقوم ببساطة بعملية تخمين مدروسة بناء على الإنفاق السابق. وحتى في التقييم الثالث جاءت 22 في المائة من البيانات من تكهنات.

إذا كانت الافتراضات الأساسية تبدأ في التغير بسرعة - إفلاس الشركات خلال الركود، وإنشاء الشركات خلال فترة الانتعاش - يمكن لهذه التقييمات أن تفقد سريعا الاتصال بالحقائق الاقتصادية.

وتضيف سنكلير: «عندما نرغب بشدة في الحصول على معلومات آنية يكونون في أقل قدرة على منحنا إياها. وهذا هو تحديدا الوقت الذي تتحطم فيه تلك النماذج التاريخية».

ويقوم مكتب التحليل الاقتصادي، وهو من المؤسسات التابعة لوزارة التجارة، ببعض الجهود لتحذير المستخدمين بشأن هذه المشكلة. لكن صناع السياسة والمستثمرين والمواطنين يواصلون التعامل مع البيانات على أنها ذات أهمية بالغة.

وتقول مادلين سكناب، مدير أبحاث الاقتصاد الكلي في شركة «تريم تابس إنفستمنت ريسيرش»: «هذه ليست أكثر من تخمينات مدروسة، لكن على الرغم من ذلك تعتمد السوق عليها اعتمادا كبيرا لأن الأسواق المالية أماكن مضاربة عالية التردد تقوم على معلومات آنية».

ويرى عدد كبير من الاقتصاديين أن على الحكومة أن تغير من نهجها باتجاه قياس النمو. فالنظام الحالي يؤكد على بيانات الإنفاق، لكن المكتب يجمع في الوقت ذاته معلومات عن الدخل. من الناحية النظرية يجب أن يتطابق الاثنان بشكل كامل. لكن تقديرات المقياسين يمكن أن يختلفا على نطاق واسع، خاصة على المدى القريب. وتشير بنية تقرير أجري مؤخرا إلى أن تقديرات الدخل كانت أكثر دقة.

وكان جاستن ولفيرز، أستاذ إدارة الأعمال والسياسة العامة في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، قد توقع في بداية الصيف الحالي أن تخفض الحكومة بشكل حاد من تقييمها للنمو خلال الربع الثالث، عبر النظر إلى تقييم الدخل الذي صدر ضمن البيان الأولي للمكتب. كما أعطت بيانات الدخل صورة لعمق الركود خلال الآونة القريبة.

ويقول ولفيرز: «من الغريب كم الاهتمام البسيط الذي نوليه نحن الاقتصاديين لقضايا القياس. فبيانات الإنفاق بدت سيئة لكنها لم تكن مفزعة. كانت بيانات الدخل مفزعة، وبالتالي أوضحت أن غياب الأهمية بين صناع السياسة كان إلى حد بعيد نتيجة للنظر إلى البيانات الخاطئة.

وأشار ولفيرز إلى أنه في بلده أستراليا، تقدر الحكومة النمو عبر الحصول على متوسط أسلوبين مع طريقة ثالثة لقياس النمو. وتستخدم الشركات الخاصة طرقا مشابهة.

من جانبهم قال المسؤولون في المكتب إن قياس النفقات أثبت أنه المنهجية الأكثر موثوقية. وكانت التقييمات دقيقة جدا في جانب مهم، هو أنه من النادر إلى حد بعيد بالنسبة للمكتب أن تصدر تقييما بأن الاقتصاد ينكمش في الوقت الذي ينمو فيه بالفعل، أو أنه ينمو في الوقت الذي ينكمش فيه.

إذن فما الخطأ في الربع الأول؟

كان الحدث الأضخم بسبب حادث سنوي، فقد انتهى مكتب الإحصاء العام من تقييمه لقيمة السيارات التي تنتظر البيع في عام 2010 على بيانات تم جمعها من تجار التجزئة.

وحتى يوليو (تموز) اعتمد المكتب على تقييم من شركة «وارد» الخاصة التي تقوم بإحصاء السيارات لكنها تقوم بتقييم أسعارها، وبناء على هذه التقييمات أصدر المكتب تقييمه بأن المخزون السلعي تراجع بمقدار 30.3 مليار دولار في الربع الرابع ليفوق وصول السيارات الجديدة.

وبناء على المعلومات الجديدة توصلت اللجنة الشهر الماضي على أن المخزون السلعي بقيمة 17.9 مليار دولار فقط.

وتشير تقديرات المكتب إلى أن المخزون السلعي تقلص بكمية أقل في الربع الأول - على الرغم من أنها لن تحصل بيانات دقيقة قبل يوليو (تموز) المقبل - لكن تأثير المراجعة تمثل في خفض الاختلاف بين الربعين، ومن ثم خفض معدل النمو. ويقدر المكتب أن يكون هذا التغيير وحده مسؤولا عما يقرب من نصف الاختلافات بين تقييمها الأولي للنمو خلال الربع الأول بـ1.8 في المائة وتقييمها الحالي بـ0.4 في المائة.

وكان التغيير الثاني الأبرز قيمة الواردات النفطية فأعلن المكتب عن تغييرات دائمة في منهجيته الشهر الماضي لتحسين الصورة التي تحصي بها قيمة النفط وخلص إلى أن الإنفاق على الواردات النفطية كان أعلى من التقييمات الأصلية. نتائج التقرير معقدة لكن النتيجة واضحة بما يكفي لتشير إلى أن نسبة الـ0.5 في المائة نقطة من النمو قد تلاشت.

* خدمة «نيويورك تايمز»