وزارة العدل الأميركية تحقق في تصنيفات «ستاندرد آند بورز» لقروض الرهن العقاري

بدأ قبل أن تقلص «ستاندرد آند بورز» تصنيفها الائتماني للولايات المتحدة

تجري وزارة العدل الأميركية تحقيقا حول ما إذا كانت أكبر وكالة تصنيف ائتماني بالبلاد، «ستاندرد آند بورز»، تورطت في تصنيف غير مناسب للعشرات من الأوراق المالية المرتبطة بالرهن العقاري (إ.ب.أ)
TT

تجري وزارة العدل الأميركية تحقيقا حول ما إذا كانت أكبر وكالة تصنيف ائتماني بالبلاد، «ستاندرد آند بورز»، تورطت في تصنيف غير مناسب للعشرات من الأوراق المالية المرتبطة بالرهن العقاري خلال السنوات السابقة مباشرة للأزمة المالية، طبقا لشخصين أجرت الحكومة لقاءات معهما وثالث اطلع على فحوى هذه المقابلات.

كان التحقيق قد بدأ قبل أن تقلص «ستاندرد آند بورز» تصنيفها الائتماني للولايات المتحدة من «إيه إيه إيه» هذا الشهر، لكن من المحتمل أن يؤجج العاصفة السياسية التي أحاطت هذا الإجراء. منذ ذلك الحين أثار مشرعون وبعض مسؤولي الإدارة التساؤلات حول الأسلوب السري للعمل داخل الوكالة، ومدى مصداقيتها وقدرات محلليها، مدعين التوصل إلى خطأ في حساباتها للديون.

في إطار التحقيق الدائر حول الرهون العقارية، طرحت وزارة العدل أسئلة بخصوص حالات رغب خلالها محللو الوكالة في وضع سندات رهن عقاري في تصنيفات أدنى، لكن تصدى لهم مديرون آخرون داخل «ستاندرد آند بورز»، تبعا لما ذكرته مصادر مطلعة على ما دار في المقابلات. حال توصل الحكومة إلى أدلة كافية لدعم مثل هذه القضية، التي من المحتمل أن تكون قضية مدنية، ربما يقوض ذلك الادعاء الذي تتمسك به «ستاندرد آند بورز» منذ أمد بعيد حول أن محلليها يعملون على نحو مستقل عن الاعتبارات المرتبطة بالنشاط التجاري.

ومن غير الواضح ما إذا كان التحقيق الذي تجريه وزارة العدل يشمل وكالتي التصنيف الائتماني الأخريين، «موديز» و«فتش»، أم أنه يقتصر على «ستاندرد آند بورز».

خلال سنوات الرخاء الاقتصادي جنت «ستاندرد آند بورز» ووكالات التصنيف الائتماني الأخرى أرباحا قياسية مع إغداقها أعلى الفئات التصنيفية على حزم من قروض الرهن العقاري المتعثرة، الأمر الذي جعل الرهون العقارية تبدو أدنى خطورة مما هي عليه، وبالتالي أكثر قيمة. وأخفقت هذه الوكالات في توقع الانهيار الذي أصاب سوق الإسكان والدمار الذي لحق بالنظام المالي.

منذ الأزمة، تعرضت ممارسات ونماذج وكالات التصنيف الائتماني لانتقادات من قبل الكثيرين، بما في ذلك جلسات استماع عقدها الكونغرس وتقارير أثارت الشكوك حول ما إذا كان التحليل الاقتصادي المستقل أفسده السعي وراء جني أرباح.

أيضا، أجرت لجنة الأوراق المالية والبورصة تحقيقا حول انحرافات محتملة داخل «ستاندرد آند بورز»، طبقا لما أفاده شخص أجريت معه مقابلة بهذا الشأن، وربما تتطلع اللجنة بأنظارها نحو الوكالتين الأخريين الكبريين، «موديز» و«فتش».

وخلال رسالة بعث بها عبر البريد الإلكتروني، قال إد سويني، المتحدث الرسمي باسم «ستاندرد آند بورز»: «تلقت (ستاندرد آند بورز) الكثير من الطلبات من وكالات حكومية مختلفة بشأن السنوات القليلة الماضية. ولا نزال متعاونين مع هذه الطلبات. ولا نمنع هذه الوكالات من الحديث مع موظفينا الحاليين أو السابقين». جدير بالذكر أن «ستاندرد آند بورز» عبارة عن وحدة تتبع «مكغرو هيل كمبانيز»، التي تتعرض لضغوط من قبل بعض المستثمرين وتدرس ما إذا كان ينبغي تقسيم الشركات لوحدات أصغر أو إجراء تغييرات استراتيجية هذا الصيف.

وذكرت مصادر مطلعة على التحقيق أنه اكتسب زخما في وقت مبكر من هذا الصيف، قبل بلوغ أزمة تصنيف الدين ذروتها في واشنطن. الآن يجري أعضاء بالكونغرس تحقيقات حول أسباب استبعاد «ستاندرد آند بورز» الولايات المتحدة من الفئة «إيه إيه إيه»، التي تمثل أهمية كبرى للأسواق المالية.

من جانبهم رفض ممثلون عن وزارة الخارجية ولجنة الأوراق المالية والبورصة التعليق، كما هي عادة هاتين المؤسستين، حول ما إذا كان هناك تحقيق بشأن وكالات التصنيف الائتماني.

ورغم امتلاك وزارة العدل سلطة توجيه اتهامات جنائية، ذكر شهود جرت معهم مقابلات أن المحققين أخبروهم أنهم يعملون في إطار قضية مدنية.

يذكر أن الحكومة تقدمت بقضايا قليلة نسبيا ضد مؤسسات مالية كبرى في ما يخص دورها عن انفجار فقاعة سوق الإسكان، وأغلقت تحقيقات حول «واشنطن ميوتشوال» و«كانتري وايد» وآخرين من دون اتخاذ أي إجراءات بشأنها. أما القضايا التي تم رفعها فمدنية بصورة أساسية. في الربيع، تقدمت وزارة العدل بدعوى مدنية ضد «دويتش بانك» وإحدى الوحدات التابعة له التي قالت الحكومة إنها أساءت تقديم مستوى جودة رهون عقارية للحصول على تأمين حكومي عليها. ومن بين العناصر المشتركة أيضا بين هذه القضية وأخرى عدم تحديد أسماء مسؤولين تنفيذيين مصرفيين. رغم التفحص العام والانتقادات الواسعة لإخفاقات وكالات التصنيف الائتماني خلال الأزمة المالية، لا يزال الكثير من المستثمرين يعتمدون بشدة على التصنيفات الائتمانية الصادرة عن الوكالات الثلاث الكبرى في قرارات شرائهم ديونا سيادية أو ديون شركات، إضافة إلى منتجات مالية أخرى معقدة.

وتدفع بعض الشركات والدول - لكن ليس من بينها الولايات المتحدة - للوكالات للحصول على التصنيف، الذي يعد بمثابة المكافئ داخل السوق المالية لختم الموافقة. ولعقود، أصدرت الحكومة قواعد يمكن للمصارف والصناديق الاستثمارية وآخرين الاعتماد عليها حال تمتعها بتصنيف «إيه إيه إيه» في اتخاذ قرارات، الأمر الذي عزز نفوذ الوكالات.

وربما يؤدي رفع قضية أو التوصل إلى تسوية ناجحة ضد كيان عملاق مثل «ستاندرد آند بورز» إلى الإسراع من وتيرة التحول بعيدا عن نظام التصنيف الائتماني التقليدي. وسعى قانون الإصلاح المالي المعروف باسم «دود - فرانك» نحو تقليص التركيز على التصنيفات المالية في إطار جهود المصارف والصناديق الاستثمارية لاستثمار أصولها، إلا أن مسؤولي الجهات التنظيمية المعنية بالمصارف اتسموا بالبطء في تحديد كيفية تحقيق ذلك. ويرى مؤرخون ماليون أنه حال نجاح قضية حكومية في كشف مشكلات تتجاوز غياب الكفاءة فإنها قد تشكل دفعة لإصلاحات أوسع.

عن ذلك قال ريتشارد سيلا، بروفسور مدرسة ستيرن لإدارة الأعمال بجامعة نيويورك، الذي درس تاريخ وكالات التصنيف الائتماني: «أعتقد أن ذلك سيخلف تأثيرا كبيرا إذا كانت هناك قضية احتيال كبرى توحي بتوافر زخم كبير لتشريع يجبرها على تغيير نماذج عملها».

وأوضح بروفسور سيلا أنه على نحو خاص من الممكن إجبار وكالات التصنيف على وقف جني أموالها من المؤسسات التي تتولى تصنيفها، وفرض رسوم بدلا من ذلك على المستثمرين الذين يستغلون هذه التصنيفات. ويرى نقاد أن النموذج الراهن مفعم بتضارب المصالح، نظرا لأن وكالات التصنيف الائتماني ربما تميل إلى تحديد تصنيفات أكثر إيجابية لإرضاء عملائها.

قبل الأزمة المالية سعت المصارف لضمان أن وكالات التصنيف ستمنحها تصنيفات إيجابية قبل العمل معها. ودفعت هذه المصارف ما وصل إلى 100.000 دولار مقابل تصنيف اتفاقات سندات الرهن العقاري، تبعا لما أفادت به لجنة التحقيق في الأزمة المالية، بجانب بضع مئات آلاف من الدولارات مقابل الهياكل الأكثر تعقيدا مثل التزامات الدين المكفول.

وأشار خبراء بمجال التصنيف الائتماني إلى أن رفع قضية ناجحة ربما يعيق قدرة الوكالات على القول بأنها غير مسؤولة عن تصنيفات ائتمانية اتضح خطؤها لاحقا. في هذا الصدد قال لورانس جيه. وايت، بروفسور بكلية ستيرن لإدارة الأعمال في جامعة نيويورك، الذي أدلى بشهادته بجانب مسؤولين تنفيذيين من وكالات التصنيف الائتماني أمام الكونغرس: «الأمر يدور حول ضرورة حمايتهم في ظل جميع ضمانات التعديل الأول، وسيكون من الصعب تحقيق ذلك على الصعيد العام وداخل الكونغرس والمحاكم. وإذا خلطوا بين المصالح التجارية والتصنيفات فذلك سيصعب بالتأكيد مساندة وجهة نظرهم».

يذكر أن وكالات التصنيف الائتماني خسرت بعضا من ضمانات التعديل الأول التي تتمتع بها بسبب مشروع قانون الإصلاح المالي الصادر مؤخرا، والذي وضع وكالات التصنيف الائتماني على نفس المستوى من المسؤولية القانونية الخاص بشركات المحاسبة، حسبما ذكر البروفسور وايت. إلا أن هذا الأمر لم يتم تجريبه داخل المحاكم بعد.

وقال أشخاص على معرفة بالتحقيق الذي تجريه وزارة العدل حول «ستاندرد آند بورز» إن المحققين أشاروا إلى الكثير من الأفراد، لكن يبقى من غير الواضح إذا كان سيرد ذكر أي شخص في أي قضية محتملة يتمخض عنها التحقيق. وطرح المحققون أسئلة بخصوص تعليق من المفترض أنه صدر عن ديفيد تيشر حول تصنيفات الرهون العقارية، حسبما ذكر شخصان. وسأل محققون شهودا حول ما إذا كانوا قد سمعوا تيشر يقول: «لا تقتلوا الوزة الذهبية»، في إشارة إلى الأوراق المالية المرتبطة بالرهن العقاري. ورفضت «ستاندرد آند بورز» من جانبها التعليق عن تيشر. المعروف أن الكثير من الأشخاص الذين تولوا الإشراف على تصنيفات «ستاندرد آند بورز» الائتمانية انتقلوا إلى وظائف أخرى داخل «مكغرو هيل»، بينهم جوان روز، الرئيسة السابقة للتمويل الهيكلي، وفيكي تيلمان، الرئيسة السابقة لشؤون التصنيفات الائتمانية، وسوزان بارنيز، الرئيسة السابقة لشؤون تصنيفات سندات الرهن العقاري السكنية. وأخبر محققون شهودا أنهم يتطلعون لإجراء مقابلات مع موظفين سابقين، الأمر الذي اتضحت صعوبته بسبب استمرار عمل الكثير من المسؤولين المهمين بالشركة.

من بين المسؤولين التنفيذيين السابقين الذين وردت أسماؤهم في المقابلات التي أجراها المحققون ريتشارد غوغليادا، الذي عاون في الإشراف على تصنيفات التزامات الدين المكفول. ولم يُجِب على اتصالات هاتفية أجريناها بمنزله.

*خدمة «نيويورك تايمز»