تقرير اقتصادي: تراجع أسعار النفط لن يهدد الإنفاق الحكومي في السعودية

توقع أن يؤدي الإقرار بالخلل في مؤسسات اليورو إلى تأخير تبني عملة خليجية موحدة

جانب من مدينة الرياض («الشرق»)
TT

قلل تقرير اقتصادي من مخاوف تضاؤل الإنفاق الحكومي في السعودية بسبب تراجع أسعار النفط، مطمئنا أن تراجع أسعار النفط لن يصل إلى الحد الذي يهدد الإنفاق الحكومي، متوقعا، في الوقت ذاته، أن يؤدي الإقرار بالخلل في مؤسسات منطقة اليورو إلى دفع جهود دول مجلس التعاون لتبني عملة خليجية موحدة إلى الوراء.

وقدر التقرير الاقتصادي، الذي صدر أمس عن شركة «جدوى» للاستثمار، أن مستوى 84 دولارا للبرميل (من خامات الصادر السعودية) كاف لأن تحقق الميزانية فائضا هذا العام، بينما يكفي مستوى 79 دولارا للبرميل للعام المقبل، لكن حتى إذا انخفضت الأسعار دون هذا المستوى فيمكن تمويل الإنفاق بالسحب من الاحتياطات المالية للدولة.

وجاء في التقرير أن أسواق المال العالمية تجتاحها موجة من التذبذب الحاد في الوقت الذي تحول فيه انتباه المستثمرين إلى البيانات الاقتصادية التي ترجح احتمالات العودة إلى الكساد وشرعوا في مراجعة توقعاتهم، آخذين في الاعتبار إمكانية التراجع في نمو الاقتصاد العالمي، مضيفا أنه طرأت مستجدات في السياسات الاقتصادية، من شأنها أن تنعكس على السعودية على المدى المتوسط؛ فربما يتسبب تعهد الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بالحفاظ على أسعار الفائدة منخفضة جدا لعامين إضافيين أو أكثر في خلق ضغوط تضخمية.

وأوضح التقرير الاقتصادي أنه ما إن شهدت أسواق المال العالمية بعض التعافي من التراجعات الحادة في أوائل أغسطس (آب)، حتى عادت الأوضاع وتأزمت في الأيام الأخيرة؛ فقد تدهورت أسواق الأسهم وأسعار النفط متسببة في موجة نزوح كبيرة تجاه أصول الملاذات الآمنة، وذلك بسبب دورة جديدة من البيانات الاقتصادية الضعيفة الصادرة من أرجاء العالم كان أكثرها إثارة للقلق الهبوط الكبير في حجم الإنتاج الصناعي في أجزاء من الاقتصاد الأميركي في وقت تتزايد فيه المخاوف بشأن سلامة أوضاع البنوك في منطقة اليورو.

وأضاف التقرير: «وبالإضافة للذهب فقد تسبب الفرنك السويسري والين الياباني والطلب القوي على أدوات الخزانة الأميركية في دفع الريع على سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 أعوام إلى ما دون مستوى 2% لأول مرة منذ عام 1950، وذلك على الرغم من الخفض الأخير في تصنيف تلك الأدوات.

ويرى التقرير أن البيانات الاقتصادية الأخيرة تتماشى مع توقعات «جدوى» للاستثمار، بإمكانية تفادي الكساد، لكن سيشهد الاقتصاد العالمي فترة من النمو المتباطئ، إلا أن الإنفاق الحكومي المرتفع سيدفع الاقتصاد السعودي إلى الانتعاش على الرغم من ذلك.

وعن أسواق الأسهم ذكر التقرير أن التذبذب في أسواق الأسهم العالمية سيؤدي إلى زعزعة ثقة المستثمر والشركات في السعودية، فقد اقتفى مؤشر تاسي حركة الأسواق العالمية متراجعا بنحو 7.4% حتى الآن هذا الشهر، بحيث أضحى مقيما عند مستويات مغرية، إلا أن احتمال المزيد من التذبذب في الأسواق العالمية لا يزال واردا؛ لذا سوف تتواصل عملية رصد البيانات الاقتصادية الجديدة، بينما يساور المستثمرين الشك حيال قدرة الساسة على التصدي للمشاكل الاقتصادية التي تواجههم.

وأورد التقرير أن المشاكل في منطقة اليورو تنحصر في درجة المساندة التي ترغب الدول الأقوى اقتصاديا في توفيرها إلى الدول الأضعف، وأنه كانت سلسلة من الإجراءات ترمي إلى تثبيت الفجوة خلال الأعوام الماضية قد أسهمت في كسب الوقت، إلا أنها لم تتمكن من حسم المشاكل في اليونان أو الحد من انتشارها.

وزاد: «أما في الولايات المتحدة فقد تسببت المناورات السياسية في تزايد الضغوط على الاحتياطي الفيدرالي كي يتخذ إجراء لدعم الاقتصاد مما حدا به إلى الإعلان عن نيته في الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير لعامين إضافيين، وذلك في آخر اجتماع له. هذه الخطوة لها تداعيات مهمة بالنسبة للسعودية بسبب الربط بين الريال والدولار؛ حيث يستدعي الربط تحرك العملتين سويا في البلدين، وفي ظل غياب القيود على حركة رأس المال من المملكة واليها فإن أي فروق كبيرة في أسعار الفائدة بين الريال والدولار ربما تؤدي إلى نزوح أموال كبيرة إلى المملكة إذا ارتفع سعر الفائدة فيها بصورة كبيرة مقارنة بالولايات المتحدة والعكس صحيح».

وقال تقرير «جدوى»: «ظل سعر الفائدة الأساسي في الولايات المتحدة ثابتا عند مستوى 0.25% منذ ديسمبر (كانون الأول) 2008 وتلمح تصريحات الاحتياطي الفيدرالي الأخيرة إلى أنه ربما يستمر عند هذا الحد المتدني جدا لما يقارب الـ5 سنوات. وكانت هذه الأسعار ملائمة للسعودية في أغلب تلك الفترة، خصوصا في ظل انحسار الضغوط التضخمية والنمو الضعيف في القروض المصرفية، إلا أن مبررات إبقاء أسعار الفائدة في المملكة متدنية لعامين آخرين ليست مقنعة».

وتوقع التقرير أن يأخذ التضخم في التراجع بنهاية العام وأن تحول عوامل التضخم مسارها من الخارج (أسعار المواد الغذائية والسلع الأخرى المرتفعة بصورة أساسية) إلى الداخل عندما تتسارع وتيرة الإنفاق الحكومي والإقراض المصرفي.

وأشار التقرير الاقتصادي إلى أن أسعار الفائدة المرتفعة تعتبر أكثر فاعلية في كبح التضخم الذي تتسبب فيه العوامل المحلية، وهناك سياسات أخرى تستطيع المملكة اللجوء إليها مثل تحديد الأسعار أو تعديل الاحتياطيات القانونية للبنوك أو بيع وشراء أدوات الدين من أجل التحكم في السيولة، لكن فاعليتها ليست على نفس درجة أسعار الفائدة.

ولفت التقرير إلى أنه ربما تسوء الضغوط التضخمية بسبب الدولار الضعيف، ولم يشهد الدولار تغيرا يذكر هذا الشهر، وذلك حسب الوزن التجاري؛ حيث احتفظت الأصول المقومة بالدولار بمزية الملاذ الآمن على الرغم من التحركات الكبيرة مقابل بعض العملات، لكنه توقع هبوط الدولار بمجرد تعزز الثقة في سلامة الاقتصاد العالمي.

وبحسب التقرير فمن شأن اتخاذ الاحتياطي الفيدرالي قرارا بتطبيق جولة جديدة من التيسير الكمي (من خلال شراء السندات الحكومية طويلة الأجل) أن يسهم أيضا في إضعاف الدولار، كما أن من شأن الدولار الضعيف وسعر الفائدة المتدني بالتضافر مع الضغوط التضخمية والنمو الاقتصادي القوي في المملكة أن تؤدي، مجتمعة، إلى تزايد الضغوط على سياسة الربط بين الريال والدولار.

ورجح التقرير أن تنعكس التطورات في منطقة اليورو على مسيرة العملة الخليجية الموحدة، حيث تتبنى دول المجلس النموذج الأوروبي نفسه، مضيفا أنه بينما تتزايد أعداد دول منطقة اليورو التي تطلب الدعم في سداد ديونها تتباطأ اقتصادات جميع دول المنطقة، وفي الوقت الذي تتبنى فيه دول المنطقة إجراءات تقشفية تتساءل جماهير الناخبين عن الأسباب التي تدعوهم إلى القبول بتضحيات من أجل مساعدة دول أخرى.

وجاء في التقرير أن التطورات الأخيرة تظهر مدى الحاجة إلى التوسع في تحمل الأعباء المالية، وينص أحد البدائل على إصدار سندات تغطيها جميع الدول الأعضاء، لكن فرنسا وألمانيا اعترضتا على الفكرة. إلا أنه على الرغم من ذلك، فمن المرجح أن يتم الاتفاق على التعاون حول السياسات المالية في نهاية المطاف وأن يتم دمج تحويلات الميزانية في نظام إيرادات رسمي مركزي.

وأضاف التقرير أن إجراء من هذا القبيل يعتبر ضروريا كي تؤدي أي عملة إقليمية موحدة دورها بفاعلية، لكن لا نعتقد أن دول مجلس التعاون ستتحمس للفكرة أكثر من الدول الأعضاء في منطقة اليورو، في حين كانت دول مجلس التعاون قد عانت الأمرين قبل الاتفاق على معادلة يتم من خلالها توزيع الإيرادات الجمركية عندما طبقت الاتفاقية الجمركية الموحدة عام 2003 وتجادلت بشأن الدولة التي ستستضيف البنك المركزي الإقليمي، مما لا يبشر بأن التعاون في المسائل المالية الأكبر سيكون أفضل حالا.