رحلة في خفايا فنون الخط العربي في تونس

معرض جماعي في «ينابيع الإلهام»

TT

آيات قرآنية كتبت بحروف من نور زينت ولا تزال جدران رواق يحيى للفنون وسط العاصمة التونسية، وزخرفة إسلامية متنوعة الأشكال والألوان قادها مجموعة من العاشقين لفن الخط العربي بمشاركة نادية الطويل والمنصف إدريس وصابر العقيلي ومحمد المنجي أشفار وزهرة الزروقي، وعرضوا إبداعاتهم في «ينابيع الإلهام» التي تتواصل إلى غاية يوم 8 سبتمبر (أيلول) المقبل.

فنون الخط في تونس شهدت تطورات ملحوظة خلال السنوات الأخيرة من خلال مساهمات المركز الوطني لفنون الخط الذي يفتح سنويا أبوابه لورش عمل للراغبين في تعلم هذا النوع من الفنون.

وفي هذا الشأن يقول المنصف إدريس وهو أحد المشاركين في المعرض، إن الخط المعتمد من قبل أكثرية التونسيين هو خط القرآن الشرقي وهو «خط التوانسة»، مضيفا أن الخطوط الأخرى توجد بالتوازي مع الخط القرآني، من بينها الخط الرقعي المنتشر بكثرة في الشرق العربي، بالإضافة لخط الثلث و«نص تعليق» الفارسي.

وحول حظوظ انتشار الخط العربي، وهل تونس تهتم بهذا الخط وهل الناشئة تحسن كتابة الخط، انتقد إدريس بشدة دخول الحبر الجاف مجال الكتابة، وقال إن دخوله قد أدى إلى موت الخط العربي واعتبر الكتابة بخط جيد يستجيب للمقاييس العلنية والجمالية بمثابة علم الفنون بأكملها، فمن لا يحسن الكتابة لا يقدر على حسن التعبير. وفرق بين الكتابة والخط قائلا «الكتابة شيء والخط شيء آخر بعيد كل البعد عن الكتابة العادية.. وإن الخط فن قائم يعتمد الجمالية والحركية وهو بذلك ثابت متحرك».

ويعترف إدريس في حواره مع «الشرق الأوسط» بالمتعة الخاصة التي يجدها في كتابة الخط العربي قائلا إن الخطاطين يطلقون على تلك العملية في تونس عبارة «يجر الخط» قائلا إن الخطاط يعيش مع الحرف العربي بأشكاله البديعة وتلويناته المختلفة التي قلما تجدها في لغة أخرى. وقلل المنصف إدريس من شأن التدخل عبر الكومبيوتر للكتابة، معتبرا أن توظيفه لا يتعدى حدود إعادة الخطوط.

ورحل بنا إدريس إلى عالم أدوات كتابة الخط العربي قائلا إن أداة القياس عند الكتابة هي القلم نفسه، فهو أداة كتابة وقياس في نفس الوقت. وأسر لنا ببعض دقائق الأمور حول أجود الأقلام في الكتابة، قائلا إن المسألة مرتبطة بالقصب، والقصب التونسي يعتبر من النوع الجيد وعلينا أن نحصل عليها «شائحة في مكانها»، كما يعبر عن ذلك الخطاطون الذين يسعون وراء أفضل القصب الذي ينتج أفضل أنواع الخطوط، وغالبا ما يتم الاختيار على الوضعية الوسطى عند اختيار ريشة الكتابة إذ إن أفضل أنواعها المتراوحة بين «السميكة والنحيلة».

وينصح إدريس مستعملي تلك الأنواع من ريشة الكتابة إلى اختيار الجهة المتجهة نحو الشمس فهي تكون أصلب وتكون جافة قبل غيرها من أجزاء القصب وهو ما يجعلها من أفضل الأنواع وقادرة على مواصلة مسيرة الكتابة مع صاحبها. وقال إن عملية إدامة عمر الريشة الجيدة تتم عبر ما يطلق عليه الخطاطون «تعديل الجلفة» وألا يسقطها على فمها، وأكد أن نوعية الفم هي التي تعطينا نوعية الكتابة ونوع الخط فيما يسميه الخطاطون «قتلة القلم».

المنصف إدريس لم يترك الفرصة تمر دون أن يوجه لوما خفيفا للسلطات التونسية التي طالبها بمزيد من الاهتمام بالخط العربي قائلا إن الإخوة الجزائريين كانوا في مرحلة ما بعد استقلال تونس يأتون إلى جامع الزيتونة المعمور لتعلم اللغة العربية بعد أن طمسها الاستعمار الفرنسي وتمكنوا من استرجاع سيادتها في الجزائر «حيث أصبحوا يسبقوننا بأشواط في هذا المجال وعلى التونسيين أن يستوعبوا درس المنافسة الشريفة بين مختلف الخطوط العربية».