أسواق المال «تتأهب» لخطاب رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي

يلقيه غدا.. وتوقعات بإعلانه خطة تحفيز جديدة

رئيس «الاحتياطي الفيدرالي الأميركي» متحدثا في مناسبة سابقة («الشرق الأوسط»)
TT

عندما يتحدث رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» في التجمع السنوي في «جاكسون هول» بولاية وايومنغ غدا الجمعة، ستبحث الأسواق عن شيء ما، أي شيء، ينبئ عما إذا كان هناك مزيد من حزم التحفيز الاقتصادي في الطريق.

قبل عام واحد فقط، كان الاقتصاد في الوضع نفسه تقريبا: بطء في معدلات التوظيف ونمو الإنتاج، ومخاوف من صدمة مالية أخرى من أزمة الدين الأوروبي، وتحذيرات من ركود مزدوج.

قبل عام واحد، وفي المؤتمر نفسه، تحدث رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» بن برنانكي عن كل الأسلحة المتوافرة في جعبة «الاحتياطي الفيدرالي» لإنقاذ الاقتصاد.

وبعد ذلك بعدة أشهر، قام «الاحتياطي الفيدرالي» بإخراج ما في جعبته وبدأ برنامج شراء أصول ضخما كان يهدف إلى تشجيع النمو. وعلى ضوء عدم رغبة الكونغرس في المزيد من التحفيز المالي - في الواقع يخطط الكونغرس تخفيض النفقات - يتساءل محللون ومستثمرون عما إذا كان التاريخ يعيد نفسه، لا سيما إذا تردى الاقتصاد إلى أسوأ. وقد شهدت أسواق الأسهم تحسنا خلال الأسبوع الحالي، ورجع ذلك بصورة جزئية إلى آمال بأن برنانكي ربما يشير إلى أن المزيد من التحفيز النقدي في الطريق، أو على الأقل الظروف التي يحتمل أن يتوافر بسببها مزيد من حزم التحفيز. وقد ارتفعت مؤشرات الأسهم العريضة بنسبة 3 في المائة أو أكثر يوم الثلاثاء، مع عودة متوسط «داو» الصناعي إلى أعلى من 11.000 نقطة.

ومن بين الخيارات المتوقع أن يطرحها برنانكي غدا الجمعة، القيام بحزمة أخرى من عمليات شراء الأصول المهمة، التي تعرف باسم «التيسير الكمي»، والتي تهدف إلى تقليل معدلات الفائدة على المدى الطويل وتقليل معدلات الفائدة التي يدفعها «الاحتياطي الفيدرالي» للمصارف على احتياطيها ومد هيكل استحقاق المحفظة الحالية من أذون الخزانة لدى «الاحتياطي الفيدرالي»، وهو ما يتوقع محللون أن يمثل المسار الأكثر احتمالية. وسيكون الهدف من كل هذه الاستراتيجيات المحتملة تشجيع المزيد من الإقراض، إلى جانب تحقيق أهداف أخرى، ومن ثم تشجيع النمو. وربما يقوم «الاحتياطي الفيدرالي» أيضا بزيادة مستهدفة على المدى المتوسط لمعدلات التضخم، مما يجعل المصارف والشركات والمستهلكين غير راغبين في الإبقاء على ما لديهم من مال، ومن ثم يدفعهم إلى إنفاق المزيد.

ولكن بعيدا عن هذه الخيارات المحتملة، يبدو أن الإعلان عن سياسة نقدية واضحة أمر غير محتمل؛ إذ يتم إعداد خطابات «الاحتياطي الفيدرالي» لتحدث أقل قدر من الإثارة داخل السوق، وتوجد أسباب تدفع إلى التفكير في أن خطاب برنانكي ربما لا يكون فيه التزام بشيء محدد.

أولا: قبل أسبوعين فقط أضعفت لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية التابعة للمجلس، التي تضع مؤشرات على معدلات الفائدة، من توقعاتها الاقتصادية وأخذت خطوة غير عادية بالتعهد بالإبقاء على معدلات الفائدة على المدى القصير قريبة من الصفر حتى منتصف عام 2013 على الأقل. ويبدو غير محتمل أن «الاحتياطي الفيدرالي» سيقوم بشيء لافت بعد هذا الإعلان بوقت قصير، وفق ما يراه اقتصاديون.

ويقول بول دالز، الاقتصادي البارز المتخصص في شؤون الولايات المتحدة في «كابيتال إيكونوميكس»: «لا أعتقد أن الصورة تغيرت كثيرا عما كانت عليه قبل أسبوعين. والإشارة إلى أنه يجري الإعداد للمزيد من التحركات ستحدث حالة من الذعر.» وعلاوة على ذلك، لا يمكن لبرنانكي أن يقوم بمفرده بعمل تغيير مهم في السياسة، وسيحتاج إلى مواقف من مسؤولين آخرين في «الاحتياطي الفيدرالي». وقد أصبح ثمة تحد أكبر في الوصول إلى مثل هذا الإجماع، حيث إن تركيبة الأصوات في لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية تغيرت منذ العام الماضي.

وفي العام الماضي كان هناك معارض مستمر، رئيس المصرف الاحتياطي الفيدرالي في مدينة كنساس توماس هونيغ، الذي كان يصوت باستمرار ضد إبقاء معدلات الفائدة على المدى القصير قريبة من الصفر لهذه الفترة الطويلة، كما صوت ضد الجولة الثانية من التسهيل الكمي التي بدأها الاحتياطي الفيدرالي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

ويتغير المصوتون داخل اللجنة كل عام، وحاليا يوجد ثلاثة أصوات محافظة بشدة، بدلا من صوت واحد: نارايانا كوتشرلاكوتا وتشارلس بلوسر وريتشارد فيشر، رؤساء المصارف الاحتياطية الفيدرالية في مينابولس وفيلادلفيا ودالاس بالترتيب. وقد صوت الثلاثة ضد إعلان التاسع من أغسطس (آب) الخاص بإبقاء معدلات الفائدة على المدى القصيرة منخفضة حتى منتصف عام 2013، ولذا من غير المحتمل أن يوافقوا على إجراءات تسهيل أخرى.

ويوجد أيضا ضغط سياسي متصاعد من خارج «الاحتياطي الفيدرالي» – في «كابيتول هيل» والحملة الانتخابية الرئاسية - ضد توسيع ميزانية المصرف المركزي.

وثمة سبب آخر يدفع برنانكي إلى التردد في الإشارة الالتزام بحزم تحفيز نقدي أخرى يتمثل في ارتفاع معدلات التضخم. وبصورة عامة، تؤدي حزم التحفيز النقدي إلى زيادة في معدلات التضخم، حيث إنها تضخ المزيد من الأموال في الاقتصاد وتدفع الأسعار إلى الارتفاع.

وفي العام الماضي عندما اجتمع اقتصاديون في «جاكسون هول»، أظهر أحدث تقرير حينها ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين عن العام الماضي بمقدار 1.2 في المائة. ومع انخفاض التضخم - أقل من مستهدف «الاحتياطي الفيدرالي» لمعدلات التضخم - خشي اقتصاديون كثر من أن البلاد ربما تسقط في دوامة تضخم مثلما حدث خلال فترة الكساد الكبير، وفي اليابان بعد ذلك. ومع تهديد الانكماش، تبدو جولة جديدة من التسهيل الكمي تصرفا حكيما، أو أقل مخاطرة، على أقل تقدير.

والآن تأتي أسعار المستهلك أعلى بنسبة 3.6 في المائة عما كانت عليه قبل عام. ولدى الاحتياطي الفيدرالي تفويض مزدوج: أقصى حد للتوظيف واستقرار الأسعار. ولو كان صناع السياسات في «الاحتياطي الفيدرالي» يعتقدون أن المزيد من التسهيل ربما يساعد على التوظيف، سيكونون مترديين في تعريض النصف الثاني من التفويض للخطر.

والسبب الأخير الذي ربما يجعل برنانكي يتردد في الذهاب لما هو أبعد، أنه ليس واضحا مدى قوة المزيد من التحفيز النقدي. ولا تقف الشكوك في جدوى المزيد من التسهيل على أشخاص معارضين لـ«الاحتياطي الفيدرالي» مثل المرشح الرئاسي ريك بري، بل توجد شكوك أيضا لدى علماء اقتصاد حاصلين على درجة الدكتوراه. ويقول نايجل غولت، الاقتصادي البارز المتخصص في الولايات المتحدة لدى «آي إتش إس غلوبال إنسيت»: «في هذه المرحلة أنت لا تشجع المستهلكين على الإنفاق.» ولا يزال علماء اقتصاد يتناقشون بشأن مدى فعالية برنامج التسهيل الكمي الذي بدأ في نوفمبر (تشرين الثاني)، ويطرحون تساؤلات عن قوة المزيد من عمليات شراء الأصول.

ومن المفترض أن التسهيل الكمي يساعد على الإقراض (وبالتبعية النمو) من خلال تقليل معدلات الفائدة على المدى الطويل، التي هي منخفضة بالفعل. وليس واضحا أن تقليل معدلات الفائدة بدرجة أكبر سيؤدي إلى تشجيع الإقراض، لا سيما أن الكثير من الشركات لا تحتاج إلى اقتراض لأن الطلب ضعيف جدا وليس لأن الائتمان مرتفع التكلفة.

والطريقة الأخرى التي يمكن أن يساعد بها التسهيل الكمي على تشجيع النمو هو تشجيع الاستثمار في أصول بها مخاطر أكبر، مثل الأسهم، لأن العائد منخفض جدا على أذون الخزانة على المدى الطويل. وإذا أقبل المستثمرون على هذه الأصول - كما فعلوا العام الماضي عقب كلمة «جاكسون هول» - قد يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار هذه الأصول، مما يجعل المستهلكين يشعرون بقدر أكبر من الغنى وأكثر راحة بالإنفاق.

وتعد أسعار السلع حاليا أعلى مما كانت عليه قبل عام، وربما يكون صناع السياسات قلقين إزاء دفعها لمستوى أعلى. وإذا ارتفعت أسعار الغذاء والطاقة مرة أخرى، سيجعل المستهلكين غير راغبين في الإنفاق.

لهذه الأسباب يقول كثير من الاقتصاديين إنهم يعتقدون أنه إذا لجأ «الاحتياطي الفيدرالي» إلى حزم تحفيز أخرى، فإنه من غير المحتمل أن يختار التسهيل الكمي كسلاح له. ولكن توجد عقبات أخرى مرتبطة بالخيارات الأخرى، وكثير منها لم تتم تجربته. ويقول اقتصاديون إنه في النهاية ربما يعتمد أي إجراء آخر من «الاحتياطي الفيدرالي» على ما يبدو مقبولا سياسيا، على الرغم من أن المصرف المركزي رسميا كيان مستقل. ويبدو أن هذا المنطق يشير إلى تغيير وقت استحقاق الأصول في ميزانية «الاحتياطي الفيدرالي».

* خدمة «نيويورك تايمز»