مصائب الأزمة المالية عند ثالث أغنى رجل في العالم فوائد

استثمار بافيت 5 مليارات دولار في «بنك أوف أميركا» بمثابة ختم للجودة

وارن بافيت («الشرق الأوسط»)
TT

جلبت الأزمة المالية الفائدة والمنفعة على وارن بافيت، حيث انقض المستثمر الملياردير على أسهم مصرف «غولدمان ساكس» وشركة «جنرال إلكتريك» في أيام عام 2008 الحالكة وضخ الحياة والأموال في الاثنين محققا أرباحا كبيرة في ما بعد. وبلغت أرباح بافيت من «غولدمان ساكس» فقط 1.7 مليار دولار.

وسعى بافيت يوم الخميس الماضي إلى تكرار اللعبة نفسها، حيث استثمر 5 مليارات دولار في مؤسسة لا تزال تعاني الصعاب من أجل التعافي من الأزمة المالية، وهي مصرف «بنك أوف أميركا». مثل صفقة «غولدمان»، حقق الاستحواذ على «بنك أوف أميركا» ربحا كبيرا، تمثل في أرباح مضمونة على السهم تقدر بنحو 300 مليار دولار سنويا سواء ارتفع سعر السهم أو انخفض.

وارتفع سعر السهم يوم الخميس الماضي، حيث نجح في تهدئة القلق بشأن البنك، وارتفع سعر السهم بنسبة 27 في المائة قبل أن يرتفع سعره عند الإغلاق في نهاية اليوم إلى 7.65 أي بنسبة 9.4 في المائة. ويقول ميتشل بين، المحلل في شركة «ليغ ماسون كابيتال مانجيمينت» أكبر حاملي أسهم «بنك أوف أميركا»: «لقد كانت اللمسة الذهبية. إنه أروع تصويت بمنح الثقة في (بنك أوف أميركا)».

وتمت الصفقة سريعا، ففي صباح يوم الأربعاء اتصل مساعد بافيت بمكتب بريان موينيهان، الرئيس التنفيذي لـ«بنك أوف أميركا»، وتم ترتيب الأمر على حد قول مصدرين مطلعين رفضا ذكر اسميهما لعدم السماح لهما بالتحدث عن الأمر علنا. وأخبر موينيهان المستثمر بأن المصرف ليس بحاجة إلى رأس مال، لكن أجابه بافيت قائلا إنه كان يخطط للاستثمار على المدى الطويل وأعطاه تصورا للمقترح. واقترح موينيهان أن يقابله لمناقشة الأمر، لكن بافيت رفض وقال إنه قد اتخذ قراره ولا حاجة لمزيد من اللقاءات.

خلال الساعات التالية، تقابل كل من موينيهان وبروس طومبسون، كبير المديرين الماليين في المصرف، وتشارلز هوليداي، رئيس المصرف، وتم إطلاع المديرين على المقترح المقدم من بافيت. ونظر كل من شركة «مانغر توليز آند أولسون»، الممثلة لشركة بافيت، وواتيل وليبتون وروزين وكاتز المحامون الممثلون لـ«بنك أوف أميركا»، بتمعن في التفاصيل، وأخذوا يعملون طوال تلك الليلة. قال روبرت دينهام، وهو شريك في «مانغر توليز»، إنه لم تكن هناك عقبات كبيرة في طريق إبرام هذا الاتفاق. وقال وهو يضحك «لقد كانت قصة مملة جدا. وحدث تحول كبير في الضمان». في السابعة صباحا من يوم الخميس أجرى مجلس الإدارة مكالمة جماعية لإقرار الاتفاق. جاء هذا الاستثمار في وقت حرج بالنسبة إلى «بنك أوف أميركا»، حيث وضع جانبا أكثر من 20 مليار دولار لتغطية الرهون العقارية التي منحها خلال فقاعة الإسكان، ويواجه البنك تحقيقا في استعادة الملكية. خلال الربع الأخير من العام سجل مصرف «بنك أوف أميركا» خسارة قدرها 8.8 مليار دولار سببها الأساسي هو ما تم التوصل إليه من تسوية مع مستثمري الرهن العقاري.

يعلم بافيت ما يواجهه المصرف من مشاكل في الرهن العقاري، لكن يقول مصدر مطلع إن المستثمر شعر بأن «بنك أوف أميركا» في وضع جيد يسمح له بتحقيق أرباح على المدى الطويل، وأن هذه المشكلات القانونية سوف تقل مع الوقت. يمكن القول إن بافيت الذي يبلغ الثمانين يتمتع بشهرة عالمية كمستثمر حذق لرهانه على خطوط السكك الحديد والمؤمنين والعلامات التجارية الشهيرة مثل «كوكاكولا». لكنه أصبح أحد أقوى الأطراف الفاعلة في قطاع المصارف خلال السنوات الأخيرة. من خلال استثمار قدره 5 مليارات دولار مقدم من خلال شركته «بيركشاير هاثاواي»، يمتلك بافيت الحصة الأكبر من «بنك أوف أميركا» بحسب بيانات «طومسون رويترز». وتمتلك شركة «بيركشاير» الحصة الأكبر من أسهم «ويلز فارغو» و«أميركيان إكسبريس». وتستعد لتكون أكبر حاملي أسهم «غولدمان ساكس» عندما يتم تحويل الأسهم التي يمتلكها خلال الأزمة المالية. ويقول درو وودبيري، المحلل في «مورنينغ ستار»: «إنه يحب دائما اقتحام المجالات من خلال الشراء، ويشعر بالارتياح في القطاع المصرفي». لكن لم يكن هذا دائما هو الحال، فقد كتب في خطاب إلى حاملي الأسهم عام 1990 «لا نفضل قطاع المصارف»، ولديه سبب قوي يجعله متشككا.

قبل أزمة السوق عام 1987، اشترت شركة «بيركشاير» أسهما في شركة «سالومون إنكوربوريشن» بقيمة 700 مليون دولار، لحماية ما تمتلكه من الأسهم، وقام بافيت بشيء غير معتاد، حيث أصبح رئيسا لها في أغسطس (آب) 1991 بعد أن أقال رئيس شركة «سالومون» جون غاتفريند في فضيحة مزاد وزارة الخزانة. وكان الفضل يعود لبافيت في إنقاذ شركة «سالومون» من الانهيار من خلال تنظيف المنزل من الداخل وامتصاص غضب العملاء والسياسيين والمستثمرين. وتخلى بافيت عن منصبه كرئيس للشركة بعد ذلك بنحو 10 أشهر، ومرت سنوات كثيرة قبل أن يعود إلى «وول ستريت». وخلال الأزمة المالية في سبتمبر (أيلول) 2008، أنقذ بافيت «غولدمان ساكس» من خلال ضخ استثمار قيمته 5 مليارات دولار. وبعد ذلك بأسبوع، اشترى أسهما ممتازة من «جنرال إلكتريك» بقيمة 3 مليارات دولار، حيث كانت أسهم المجموعة تنخفض بسرعة كبيرة.

وقد تبين أن كل استثمار كان مربحا جدا بالنسبة إلى بافيت، حيث يتطلب حمل الأسهم الممتازة دفع «غولدمان ساكس» و«جنرال إلكتريك» زيادة نسبتها 10 في المائة للاستحواذ على «بيركشاير». ومنذ ذلك الحين اشترى «غولدمان ساكس» ما يملكه بافيت من أسهم، بينما صرحت شركة «جنرال إلكتريك» بأنها تعتزم القيام بذلك.

ويشبه استثمار «بافيت» في «بنك أوف أميركا» كثيرا على نحو ما صفقات سابقة. فقد بلغ حجم الاستثمار به 5 مليارات دولار أو أقل، وتضمنت تلك الصفقات سندات ضمان مسجل بها اقتراب السعر من سعر السهم قبل الاتفاق. لكن أصدر بافيت أوامره بخفض سعر الأسهم خلال الأزمة. ويقول درو وودبيري «لقد كان ذلك إشارة إلى مدى سوء الوضع في ذلك الوقت».

طبقا لشروط اتفاق «بنك أوف أميركا»، سوف تشتري شركة «بيركشاير» أسهما ممتازة بقيمة 5 مليارات دولار، وهو ما سيجعل الأرباح السنوية على السهم 6 في المائة. كذلك سيتلقى بافيت سندات ضمان لـ700 مليون دولار يمكن أن يتداولها على مدى السنوات العشر المقبلة. وأمام «بنك أوف أميركا» خيار استعادة الأسهم الممتازة من خلال شرائها في أي وقت مقابل زيادة 5 في المائة. ومن المتوقع أن يتم الاتفاق في الأول من سبتمبر (أيلول). لقد كان ذلك بمثابة خطوة يتوقعها كثيرون ممن يعملون في هذا المجال. وصرح جيمس غورمان، الرئيس التنفيذي لـ«مورغان ستانلي»، للصحافيين في مايو (أيار) بأن مستثمرا كبيرا كان يتأهب للمشاركة بالأموال من أجل «التغلب على الأزمة» خلال الاجتماع السنوي لشركته. وأثنى جيسون غولدبيرغ، المحلل بمصرف «باركليز» يوم الخميس الماضي، على «بنك أوف أميركا» لاقتناصه «ختم جودة بافيت» الذي يعد محل حسد الجميع.

* خدمة «نيويورك تايمز»