إلى أين تتجه أسواق المال بعد تقلباتها الأخيرة؟

شهدت تذبذبا مخيفا خلال هذا الشهر

جانب من التداولات في بورصة نيويورك («الشرق الأوسط»)
TT

كانت آخر تقلبات شهدتها سوق المال قاسية تقريبا بالنسبة إلى الجميع ومنهم المتداولون الذين علقوا على الجانب الخاطئ من الأرجوحة، وكذلك سببت ألما للمستثمرين اليوميين الذين يشاهدون ما بحوزتهم في البورصة يتهاوى ويرتفع ثم يعاود الانخفاض مرة أخرى. لكن هناك جانب مشرق حتى في ظل العرض المرعب الذي شهدته السوق مؤخرا على الأقل بالنسبة إلى البورصات التي تنتقل فيها الأدوات المالية من يد إلى أخرى.

تنتزع بعض البورصات مثل بورصة نيويورك وبورصة شيكاغو التجارية بعض السنتات من كل سهم أو عقد يباع أو يشترى في قاعات التداول أو على الكومبيوتر. ومع ارتفاع حجم العقود اليومية في سوق المال من خلال أنظمتها بسبب توتر متداولين وزيادة مساهمات المستثمرين بالمليارات، وصلت آخر حمى تداول إلى الحد الأدنى من الربحية.

لكن قد يكون هذا التأثير قصير الأجل، حيث لا يترجم ارتفاع حجم التداول بوجه عام إلى ارتفاع في أسعار الأسهم في البورصات. ويشعر بعض المحللين بقلق من أن تخيف سرعة انتشار الأخبار الاقتصادية السيئة والباعثة على التشاؤم المستثمرين وتدفعهم بعيدا على المدى الطويل.

يقول جوزيف ماكين، نائب الرئيس التنفيذي للتداول النقدي في «نايس يورونيكست» التي تدير بورصة نيويورك: «الحجم أمر إيجابي على المدى القصير، لكن لأنه يعتمد على عوامل تتعلق بالاقتصاد الكلي، لا يستمر على هذا النحو بالضرورة».

تمثلت التقلبات الأخيرة التي حدثت يوم الجمعة الماضي في انخفاض مؤشر «ستاندرد أند بورز 500» بمقدار نقطتين في الصباح، لكنه سرعان ما عاود الارتفاع خلال فترة ما بعد الظهيرة ليغلق على رقم أعلى بنسبة 1,5 في المائة، حيث استوعب المستثمرون ملاحظات بن برنانكي، رئيس المصرف الفيدرالي، الذي جعل الباب منفتحا على المزيد من دعم الاقتصاد. وتأرجح مؤشر «داو جونز الصناعي» بمقدار نحو 363 نقطة خلال النهار، وأغلق على ارتفاع بنسبة 1,2 في المائة، حيث وصل إلى 11,284,54.

ارتفع حجم التداول خلال الربع الأخير بنسبة 17 في المائة مقارنة بحجمه في الفترة نفسها من العام الماضي في مختلف البورصات الأميركية ومنها البورصات التكنولوجية الكبرى مثل «ناسداك» و«باتس» و«دايريكت إيدج»، بحسب إحصاءات شركة «كريديت سويس». وقد وصل حجم التداول إلى مستويات تعادل تقريبا ضعف معدلها المعتاد في مثل هذا الوقت من العام على حد قول ماكين.

وقد خرجت الأسواق عن السيطرة خلال الصيف الحالي نتيجة عدد من الأحداث غير الاعتيادية مثل الخلاف بشأن سقف الدين في واشنطن وخفض التصنيف الائتماني الممتاز للولايات المتحدة من قبل «ستاندرد أند بورز» في الخامس من أغسطس (آب) الماضي والتأثير السلبي العالمي الناتج عن أزمة الديون الأوروبية وسيل البيانات والأرقام التي تشير إلى توقف نمو الاقتصاد الأميركي.

بحسب «كريدي سويس» تفرض البورصات بشكل عام 3,5 سنت على كل 100 سهم يتم تداولهم. لكن انخفضت هذه الرسوم خلال السنوات الأخيرة مع زيادة التنافس بين البورصات، لذا لن يدر ارتفاع حجم التداول عليها أرباحا من هذه الرسوم مثلما كان يحدث منذ بضع سنوات. كذلك انخرطت البورصات في أنشطة متنوعة أخرى منها توفير تكنولوجيا التداول للمصارف. ويعني هذا أن عائد تداول الأسهم والمشتقات المالية لا يمثل سوى جزء صغير من إجمالي الدخل. على سبيل المثال يمثل ذلك العائد ربع إجمالي المبيعات في بورصة «ناسداك».

بوجه عام لن تعلق البورصات، والتي يشارك في أغلبها شركات القطاع العام، على تأثير ذلك الحجم المتزايد على الأرباح. لكن يقول محللون مثل هوارد تشين، المحلل المالي في «كريديت سويس» ومراقب البورصات، إنه ينبغي أن تزداد العائدات بنسبة تقارب نسبة زيادة حجم التداول التي تعد أعلى من المتوقع بما يتراوح من 10 إلى 20 في المائة. لا ينطوي الأمر فحسب على ارتفاع البورصات، حيث يراهن المتداولون على أسعار الفائدة والسلع والعملات وحتى التقلب نفسه. وسجلت بورصة شيكاغو التجارية، التي يتم فيها تداول تلك الأشياء فضلا عن العقود الآجلة لسندات الخزانة الأميركية بشكل كبير، ارتفاعا كبيرا في حجم التداول مؤخرا.

كان يوم 9 أغسطس (آب) على سبيل المثال يوما مشهودا بالنسبة إلى بورصة شيكاغو، حيث بلغ عدد العقود التي تم تداولها في ذلك اليوم 25,7 مليون وهو ما يعد تحطيما للرقم القياسي الذي تم تسجيله خلال ما أطلق عليه الانهيار المفاجئ لمؤشر «داو جونز» في 6 مايو (أيار) من العام الماضي عندما تم تداول عقود بقيمة 25,3 مليون دولار على حد ما صرحت به البورصة.

وارتفع حجم التداول في بورصة شيكاغو بنسبة 39 في المائة حتى هذه اللحظة خلال الربع الثالث من العام مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي على حد قول «كريديت سويس». وشهدت عقود الذهب والنفط الآجلة والعقود الآجلة على مؤشر «ستاندرد أند بورز» التي يتم تداولها إلكترونيا ارتفاعا.

في عصر أصبح فيه التقلب والتذبذب هو النمط السائد الجديد، أصبحت هناك أداة أخرى شهد حجم تداولها ارتفاعا وهو مؤشر التقلب في بورصة شيكاغو للخيارات. ويقيس هذا المؤشر تقلب الخيارات الضمني على المدى القصير على مؤشر «ستاندرد أند بورز 500». ويتم تداول الأدوات المالية التي تعتمد على هذا المؤشر إلكترونيا أو في أماكن التداول في شيكاغو حيث يوجد مكان مخصص لهذا المؤشر و50 متداولا له. ويطلق كذلك على هذا المؤشر «مؤشر الخوف» ومع تحرك مؤشر «ستاندرد أند بورز» ارتفاعا وانخفاضا، أصبحت العقود الآجلة والخيارات على مؤشر «ستاندرد أند بورز» وسيلة أكثر شعبية تمكن كل أنماط المستثمرين الخائفين من حماية أنفسهم من التقلبات وربما أيضا تحقيق القليل من الأرباح.

يقول تشين: «أصبح التقلب في حد ذاته فئة أكثر شعبية من الأصول القابلة للاستثمار بالنسبة إلى المؤسسات وكذلك صغار المستثمرين». وارتفع الحجم بحسب مؤشر التقلب في بورصة شيكاغو للخيارات بنسبة 17 في المائة وازداد تداول العقود الآجلة على المؤشر بنسبة 290 في المائة في 19 أغسطس (آب). كذلك وصل حجم تداول العقود الآجلة خلال الشهر الحالي إلى رقم قياسي، حيث فاق حجم التداول في يوليو (تموز) الذي كان يحتل المركز الثاني. كان يوم الجمعة الموافق الخامس من أغسطس (آب) من الأيام التي شهدت التداول الأكبر حيث وصل إلى مستوى قياسي وبلغ فيه حجم تداول عقود الخيارات 1194,468. وقال ويليام برودسكي، رئيس مجلس إدارة والرئيس التنفيذي لمؤسسة «سي بي أو إي هولدينغز»: «عندما يزداد حجم التداول نكون على ما يرام». وأوضح أن المستثمرين المحترفين كانوا هم من وُضعوا في الاعتبار عند إنشاء مؤشر التقلب، لكن صغار المستثمرين استخدموه لحماية أنفسهم من تقلبات البورصة.

عادة ما يتراوح مؤشر التقلب في بورصة شيكاغو للخيارات بين 15 و50 نقطة، رغم أنه وصل إلى 80 نقطة خلال الأزمة المالية عام 2008. ربما يشتري المستثمرون القلقون من أن يتم التخلص مما يمتلكونه من أسهم بالبيع على سبيل المثال مؤشر التقلب ليكون بمثابة وسيلة حماية، حيث من المرجح أن يرتفع.

وقال برودسكي إن مصارف مثل «باركليز» تقدم حاليا عددا كبيرا من أوراق مؤشر التقلب في بورصة شيكاغو للخيارات التي يتم تداولها. وقد ارتبطت المصارف بمؤشر التقلب وتهدف المصارف إلى تسهيل الأمر على المستثمرين العاديين. الغريب في الأمر أن زيادة تقلبات السوق لم تؤثر إيجابا على أسعار الأسهم التي يتم تداولها في البورصات. وحتى في ظل الزيادة الكبيرة في حجم التداول، انخفضت أسعار الأسهم. ففي الوقت الذي ارتفعت فيه أسهم «سي بي أو إي هولدينغز» بنسبة 7 في المائة خلال العام الحالي، انخفض سعر سهم بورصة شيكاغو التجاري بنسبة 22 في المائة. كذلك انخفض سعر سهم مؤسسة «نايس يورونيكست» بنسبة 9 في المائة خلال العام الحالي وانخفض السهم في بورصة «ناسداك» بنسبة 4 في المائة. يقول تشين: «إن هذا أمر يتسم بقدر من الغرابة». من الأسباب المحتملة لذلك هو أنه رغم ارتفاع حجم التداول خلال السنوات الأخيرة، واجهت الأسعار التي تفرضها البورصات على الأقل على تداول الأسهم ضغوطا.

هناك سبب آخر محتمل بحسب ما يرى تشين وهو زيادة الضرائب على المعاملات المالية من قبل صناع السياسة الأوروبيين والتي قد تخفض حجم التداول. لكن ربما يكون السبب الأهم هو الاعتقاد السائد في الأسواق بأن ما يحدث هو «العاصفة التي تسبق الهدوء» على حد قول تشين. حيث يعتقد أن كل هذا التقلب سوف ينتهي عما قريب وستهدأ حركة التداول بل وربما تصبح أكثر هدوءا عن ذي قبل. ولن يكون هذا نبأ سارا بالنسبة إلى البورصات. ويتفق محللون آخرون في هذا المجال مع ذلك الطرح، حيث يخشون أن تؤثر هذه التذبذبات سلبا على ثقة المستثمرين في الأسواق وتبعدهم عنها في المستقبل.

* خدمة « نيويورك تايمز»