كيف تغري الصين الشركات الأميركية العملاقة؟

سعيا للحصول على التكنولوجيا المتقدمة

التنين الصيني بألوان العلم الأميركي
TT

في محاكي طيران «جنرال إلكتريك» هنا، كانت الرؤية القريبة مثبتة قريبا من الصفر لمحاكاة المطر الكثيف والسحب. لكن وحدة فيديو قريبة من الطيار أظهرت صورة حية لجبال قريبة من الدقة بما يكفي للسماح للطائرة بالإقلاع أو الهبوط على الرغم من الظروف الجوية.

هذا النظام واحد من تكنولوجيات الجيل القادم العديدة المرتفعة القيمة التي طورتها «جنرال إلكتريك»، وقد انتقلت الشركة إلى الصين كجزء من مشروع مشترك مع شركة صناعة الطيران الصينية المملوكة للدولة.

الدخول إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم يعتبر أمرا محوريا بالنسبة لأي شركة عالمية. بيد أن ذلك عادة ما يأتي بتكلفة، وهو نقل التكنولوجيات المتقدمة التي يعتبرها مسؤولو الشركة الرائدة - من بينهم الرئيس التنفيذي لشركة «جنرال إلكتريك» جيفري إيملت، الذي ترأس لجنة أوباما بشأن الوظائف الأميركية والتنافسية - أمرا حيويا بالنسبة لمستقبل اقتصاد الولايات المتحدة. نظام «الرؤية الصناعية»، على سبيل المثال، يمكن أن يقدر بملايين الدولارات لشركات الطيران التي يمكن أن تخفض التكلفة بشكل واضح من التأخيرات الناجمة عن الطقس.

يجب على «جنرال إلكتريك» أن تفكر مليا، ككل الشركات الأخرى، في التكنولوجيا التي ينبغي وضعها في هذا المشروع المشترك مع الصين وكيفية حمايتهم من سرقتها أو إساءة استخدامها. وتواجه هذه القرارات أي تنفيذي يحاول تطوير وجودها في البلاد - بدءا من شركات التكنولوجيا الأكثر تطورا، التي تبدي قلقا إزاء قرصنة البرمجيات، وانتهاء إلى منتجي المعدات الصناعية التقليدية، التي شهدت قرصنة منتجاتها في أعقاب عقد الصفقات مع شركاء صينيين.

وبموجب الاتفاقية بين شركة صناعة الطيران الصينية و«جنرال إلكتريك» سيتم تركيب هذه النظم الملاحية على متن الخطوط الجوية التجارية الصينية التي يتوقع أن تصبح منافسا قويا للطائرات التي تنتجها «بوينغ» في الولايات المتحدة أو شركة «أيرباص» في أوروبا. أثارت هذه المنافسة المتوقعة مع «بوينغ» والتي جاءت في وقت تناضل فيه الولايات المتحدة للحفاظ على قاعدتها الصناعية، انتقادات العديد من الأميركيين.

لكن الرؤساء التنفيذيين في شركة «بوينغ» قالوا إنهم لن يتراجعوا في موقفهم نظرا لازدهار سوق الطائرات الصينية وأن الاتفاق كان من الأهمية بحيث لا تستطيع الشركة التراجع عنه. حتى وإن كان التكلفة مشاركة تكنولوجيا الملاحة مع الصين.

وتقول لورين بولسينغر، الرئيسة التنفيذية لأنظمة الطيران في جنرال إلكتريك: «لقد دخلنا بكامل ثقلنا ولا نرغب في العودة»، وأشارت إلى أن «الطائرات الجديدة لن تصل إلى هذا المدى، وأن فرصة تطوير طائرات جديدة خيار مطروح أيضا - حتى وإن كانت كل الوظائف ستكون في شنغهاي أو مكان آخر في العالم».

وقالت في مقابلة معها: «نحن لا نبيع الموز لا يمكننا أن نخسر عقدا من الزمن».

لكن رؤساء الشركات الأميركية يتساءلون بشكل خاص عما إذا كانت شركات مثل «جنرال إلكتريك» تخاطر بالتخلي عن المميزات الاستراتيجية بعيدة المدى عندما توافق على صفقات نقل التكنولوجيا لتحقيق مكاسب قصيرة المدى.

لا يزال الرؤساء التنفيذيون في «غوغل» يرون أن ذلك ليس بالأمر الهام، ويؤكدون على أنهم تفاوضوا لنيل حمايات قوية في عقدهم مع شركة صناعة الطيران الصينية. فعلى سبيل المثال تضع الشراكة التي أنشئت بحصص متساوية قيودا حول توظيف الصينيين الذين لديهم خلفية استخباراتية أو عسكرية. كما تخضع لجنة مجلس الإدارة تشرف على امتثال المشروع لسيطرة «جنرال إلكتريك»، وقادرة، في حال النزاع، على إقالة جميع أعضاء المجلس.

وقال جون رايس، نائب رئيس «جنرال إلكتريك» في هونغ كونغ: «نحن لسنا سذجا في هذا الشأن، هل هناك مجازفة؟ هذا أكيد لكن هناك مجازفات في كل دولة».

وقد انتقدت الدراسات التي أجرتها غرفة التجارة الأميركية ما تصفه بشبكة معقدة من السياسات الصينية الرامية إلى امتلاك الكثير من القدرة التقنية من الخارج أملا في تقدم الصين تتجاوز كونها مصدرا للعمالة الرخيصة.

وتشكل الديموغرافيا عاملا مهما بالنسبة للسلطات لتطوير منتجات وتكنولوجيا عالية القيمة. فقد وصل سكان الصين إلى الذروة والأجور آخذة في الارتفاع على عكس نسبة الشباب في سن العمل الآخذة في التراجع.

في الوقت ذاته، من الصعب تجاهل الصين. إذ يتوقع أن تشتري شركات الطيران والشركات الأجنبية العاملة في البلاد خلال السنوات القادمة المئات من الطائرات. وقد كرست الصين طاقاتها الشركة المملوكة للدول لتطوير طائرة تجارية من أجل هذا الغرض.

سيضم المشروع الجديد 300 مهندس، ومصممي برامج وآخرين من الولايات المتحدة. وإذا سار الأمر كما هو مخطط له يمكن لـ«جنرال إلكتريك» أن تتباهى بما حققته في مجال معدات الملاحة الجوية حيث تصنف الآن في المرتبة الرابعة في سوق خدمات الملاحة الجوية الذي تتصدره شركات مثل «هانيويل».

عدد الوظائف التي ستتوافر في الصين ستكون أعلى بكثير ويرى الرئيس التنفيذي لـ«جنرال إلكتريك» أنه سيكون من الصعب تخيل عكس ذلك. وأكدوا أن النموذج الاستعماري - المنتجات التي تصنعها الشركات المتعددة الجنسيات في الدول المتقدمة وبيعها إلى الدول النامية - قد عفا عليه الزمن.

وتضع إدارة أوباما، الساعية إلى توفير فرص عمل في الولايات المتحدة أولوية لتعزيز الصادرات، وهو ما دفعها إلى تكليف قادة الشركات مثل إيملت والرئيس التنفيذي لـ«بوينغ» جيمس ماكنيرني تقديم يد العون في تطوير هذه الاستراتيجية.

ووفق النموذج الإحصائي الذي تستخدمه وزارة التجارة الأميركية فقد دعمت صادرات الولايات المتحدة إلى الصين أكثر من نصف مليون وظيفة. لكن ذلك تراجع نتيجة الواردات من الصين ونتج عنها عجز تجاري بلغ 273 مليار دولار يمثل استنزافا واضحا للوظائف الأميركية.

ويؤكد منتقدو الصين على أنها لا تزال تسيطر على اقتصاد يستغل مميزات شركاء التجارة. ويستشهد هؤلاء المنتقدون بتحكم الصين في سعر الصرف الذي يقولون إنه يحافظ على الصادرات البريطانية رخيصة بالدولار في الوقت الذي يرتفع فيه سعر الصادرات الأميركية إضافة إلى استخدام قوة الحكومة والإعانات لدعم المنتجات الصينية.

وشكك إيملت نفسه، في تعليقات خاصة في روما سرعان ما انتشرت، في مصداقية الصين في تطوير اقتصاد منفتح حقا.

يذكر أن شركة «جنرال إلكتريك» تمارس الأعمال مع الصين منذ عقود وكانت خبراتها متنوعة بقدر نوع المنتجات التي شملها هذا التعاون. وتحارب الشركة على بعض الجبهات لحماية التكنولوجيا الخاصة بها، في الوقت الذي تناضل فيه في جبهات أخرى لجعل المنتجات التي صنعت في الولايات المتحدة تتجاوز قيود الاستيراد الصينية. بيد أن هناك أيضا ما تعتبره الشركة نجاحات حاسمة، مثل المشروعات المشتركة مع الصين في مجال الأدوية الطبية. وكان يبدو أن الشركة تحاول نقل بعض التكنولوجيا الصينية - مثل القطارات السريعة - إلى الولايات المتحدة.

بدا المشهد هذه المرة أكثر تعقيدا عنه عندما زار رايس الصين للمرة الأولى في أواخر الثمانينات توهو يبحث عن إنتاج محلي من أجهزة ضبط الوقت والمكونات البسيطة الأخرى المستخدمة في الأدوات المنزلية التي تم تجميعها في الولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين سارعت دول مثل الصين والهند والبرازيل في تطوير قدراتها لصنع معدات متقدمة.

ويقول رايس: «قبل ثلاثين عاما، كان من السهل بالنسبة للشركات العالمية السفر إلى بعض الأماكن وبيع محرك نفاس أو محرك توربيني، ثم تغادر لشحن المنتج والحصول على المال وتصدير الأرباح إلى حملة الأسهم في بعض الأماكن الأخرى. وما اتضح للصين والكثير من الدول الأخرى أن ذلك ليس مسارا للرفاهية بعيدة المدى، وأن الوسائل القديمة عفا عليها الزمن في كل الدول».

*خدمة « نيويورك تايمز»