قياس التنمية الاقتصادية مقارنة بالصين أصبح هوسا قوميا في الهند

بينما لا تكترث الصين بذلك

TT

يبدو أن قياس التنمية الاقتصادية بالنسبة إلى الصين بات هوسا قوميا في الهند. في مناقشة أخيرة لمجلس الوزراء عن إحياء الذكرى الـ20 لتفكيك الهند بعض أركان نظامها الاقتصادي الاشتراكي، طلب أحد الوزراء من رجال أعمال بارزين أن يضعوا نصب أعينهم الأمر الأهم، وهو تحقيق نمو بخطى أسرع من الصين.

قال بالانيبان شيدامبرام، وزير الداخلية الهندي ووزير المالية السابق: «هذا ليس محالا، بدأ الناس يتحدثون عن التقدم على الصين». يبدو أن الهنود يتحدثون بلا انقطاع عن الصين في الأمور كلها، هذه الدولة التي طالما كانت علاقتها بها متوترة، لكنها تعد من كبريات الدول من حيث الاقتصاد في العالم؛ حيث بلغ نموها الاقتصادي السنوي 8% أو أكثر خلال السنوات القليلة الماضية.

امتلأت الصحف الهندية بمقالات تقارن بين الدولتين. ويشير المسؤولون التنفيذيون الهنود إلى الصين كرمز للتنمية والتقدم. ويستشهد المسؤولون الهنود ببكين الشريك أو القدوة النموذج على الرغم من النظر إليها باعتبارها تهديدا. لكن إذا كانت مجاراة الصينيين هي القوة الدافعة للاقتصاد الهندي، يمكن اعتبار هذه المنافسة من طرف واحد.

ويقول مينكسين بي، خبير الاقتصاد الذي وُلد في الصين ويكتب عمودا شهريا في صحيفة «إنديان إكسبريس» القومية اليومية: «الهنود مهووسون بالصين، لكن الصينيين لا يعيرون الهند انتباها». جدير بالذكر أنه لا يوجد أي كاتب عمود هندي معروف يكتب عمودا بانتظام في أحد الإصدارات الصحافية الصينية الكبرى. لا يهتم أكثر الصينيين بكيفية نمو وتغير الهند لأنهم يفضلون مقارنة دولتهم بالولايات المتحدة وأوروبا، على حد قول بي، الأستاذ في جامعة كليرمونت مكينا كوليدج بالقرب من لوس أنجليس. ويوضح أنه حاول تنظيم مؤتمرات عن الهند في الصين، لكنه عانى كثيرا للعثور على خبراء صينيين في الشؤون الهندية.

وعبر ليو يي، صاحب متجر ملابس في بكين، عن مشاعر الكثير من الصينيين الذين تم إجراء مقابلات معهم في بكين وشنغهاي، التي تمثلت في نفي فكرة المقارنة بين البلدين. ويوضح قائلا إن الهند «رائدة» في مجال تكنولوجيا المعلومات، لكنها متأخرة في عدة مجالات.

ويقول ليو: «إن اقتصاد الصين متميز. إذا كانت التنمية الاقتصادية في الصين نموذجا، يمكن القول إنه نموذج تقتدي به الولايات المتحدة أو إنجلترا». ربما يكون من الطبيعي أن يتطلع الصينيون إلى الولايات المتحدة على سلم التنمية؛ حيث إنها الدولة الوحيدة في العالم التي يعد اقتصادها أكبر من الاقتصاد الصيني، على عكس الصين التي تحتل المركز التاسع. وعلى الرغم من أن الصين تعد أكبر شريك للهند، يذهب الجزء الأكبر من صادرات الصين إلى الولايات المتحدة؛ لذا تمثل الصين، بالنسبة إلى الهند، درجة أعلى على سلم التنمية تسعى إلى الوصول إليها. الحضارة الصينية ضاربة بجذورها لآلاف السنين، مثلها مثل الهند، ويزيد عدد سكانها على المليار. ولدى الصين الكثير من الدروس المستفادة التي يمكن أن تقدمها؛ لأنه خلال عهد دينغ شياو بينغ، في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، بدأت المرحلة الانتقالية نحو اقتصاد أكثر انفتاحا وتنافسية قبل الهند بما يزيد على 10 سنوات. قبل تولي دينغ السلطة، كان الاقتصاد الهندي أكبر من الصين بالنسبة للفرد. لكن أيا ما كانت الأسباب، يضع الهنود تقريبا كل جانب من جوانب الحياة في الصين نصب أعينهم. وتتفوق الصين على الهند في البنية التحتية كثيرا، ولدى الصين قوات مسلحة أقوى من الهند. وكذلك تتفوق الصين على الهند في الجامعات؛ حيث كانت للصين استثمارات ضخمة في مؤسساتها. أما فيما يتعلق بصناعة البرمجيات، فالهند متقدمة عن الصين كثيرا. وتتمتع الهند بميزة تاريخية فيما يختص بإجادة اللغة الإنجليزية، لكن الصين تعمل على اللحاق بها.

يمكن رؤية دليل التفاوت بين البلدين من خلال النظر إلى الصحف الكبرى؛ حيث نشرت صحيفة «بيبولز ديلي»، الصينية الناطقة باسم الحزب الشيوعي الحاكم، 24 مقالا فقط عن الهند على موقعها الإلكتروني باللغة الإنجليزية خلال الـ7 أشهر الأولى من العام الحالي، بينما نشرت صحيفة «تايمز أوف إنديا»، وهي كبرى الصحف الهندية الصادرة بالإنجليزية من حيث التوزيع، 57 مقالا عن الصين في شهر يوليو (تموز) بحسب قاعدة بيانات «فاكتيفا». كذلك هناك هوة شاسعة بين البلدين في مجالات أخرى؛ فالمدن الهندية سواء أكانت كبيرة أم صغيرة تعج بالمطاعم الصينية التي تقدم أطباقا من المطبخ الصيني بعد إضفاء الطابع الهندي عليها. على الجانب الآخر لا يوجد سوى بعض المطاعم الهندية في بكين أو شنغهاي، ناهيك عن المدن الصغيرة.

زار الصين أكثر من 160 ألف سائح هندي عام 2009، بحسب الحكومة الصينية، بينما بلغ عدد السياح الصينيين الذين زاروا الهند بالكاد 100 ألف، بحسب الحكومة الهندية.

ذهب باركاش جاغتاب، صاحب شركة هندية صغيرة في مدينة بيون التي تقع غرب الهند، إلى الصين 5 مرات. ويحب، مثل الكثير من الهنود، الطعام الصيني، ويثني على اجتهاد الصينيين ومثابرتهم. ويقول: «إنهم أكثر انضباطا.. هنا في بلدنا لا ينظرون على المدى الطويل، بل نظرتهم قاصرة سواء أكانوا أصحاب عمل أم عمالا. علينا أن نغير ثقافة العمل».

توضح كلمات جاغتاب وجهة نظر كثير من الهنود التي تفيد بأن الصين تفوقت على بلدهم إلى حد كبير؛ لأن نظام الحزب الواحد أكثر «انضباطا» من النظام الديمقراطي الذي يتسم بالحيوية والفوضى في آن واحد في الهند. ونشرت صحيفة «إكونوميكس تايمز»، التي تعتبر من كبريات الصحف الاقتصادية في الهند، في بداية يوليو على موقعها الإلكتروني عرض صور بعنوان «كيف شيدت الصين ذلك كله بينما لم تفعل الهند؟». وكان هذا العرض يشمل مجموعة من الصور لمشاريع البنية التحتية في الصين، ومنها جسر طوله 26 ميلا يربط بين كينغداو وهوانغدوا عن طريق خليج جياوزو على الساحل الشمالي الشرقي.

أسهمت حرب عام 1962، التي انتهت بسيطرة الصين على جزء من إقليم كشمير، الذي يقع شمال الهند، في تشكيل آراء الهنود. ولا يزال بين الدولتين مشاكل على الحدود؛ حيث تزعم الصين أن جزءا كبيرا من الأراضي التي تسيطر عليها الهند تابعة لها. ويقول راغاف بهال، وهو مسؤول تنفيذي في مجال الإعلام الهندي، ألف كتابا عن النهضة الاقتصادية في البلدين: إن الهنود «عانوا شعورا رهيبا بالإهانة والمذلة»، بسبب حرب 1962، الذي ضاعف من حدته النهضة الاقتصادية الصينية. ويقول مؤلف كتاب «قوة عظمى.. السباق المذهل بين الأرنب الصيني والسلحفاة الهندية»: «هناك شعور بأننا كنا قادرين على تقديم أداء أفضل في هذا السباق». لكنه أضاف أن الهنود استعادوا ثقتهم بأنفسهم مؤخرا نتيجة الاقتصاد القوي للبلاد. ويشير الكثيرون مثل شيدامبرام ومجلة «إكونوميست» إلى أن الهند تستطيع تحقيق نمو بخطى أسرع من الصين عما قريب. ويبلغ حجم الاقتصاد الصيني 5.9 تريليون دولار، أي أكبر من الاقتصاد الهندي بنحو 3 أمثال ونصف المثل، لكن سكان الصين أكبر سنا من سكان الهند. ومع ذلك لا تمثل الهند تهديدا بالنسبة إلى الصين سواء اقتصاديا أو غير ذلك. ويقول بي، الخبير الاقتصادي: إن آراء المسؤولين والرؤساء التنفيذيين الصينيين والكثير من المفكرين في الصين للهند ليست مختلفة كثيرا. ويقول المحافظون من الحزب الشيوعي: «إن الديمقراطية تمثل عائقا أمام التنمية في الهند»، بحسب بي.

على الجانب الآخر، يقول الليبراليون من الصينيين: إن الديمقراطية تجعل الهند أكثر استقرارا، وحكومتها عرضة للمساءلة، وهو انطباع يوضح تجاهل الاضطرابات التي تحدث كثيرا خلال الانتخابات والفساد المتجذر.

لكن يعد افتتان الهند بالنجاح الاقتصادي في الصين نوعا من التبسيط المخل، على حد قول بي. ربما يكون نظام الحزب الواحد في الحكم قد ساعد في بناء بنية تحتية ومصانع على مدى العقود الماضية، لكنه كان مسؤولا أيضا عن إخفاقات كثيرة خلال عهد ماو تسي تونغ، من ضمنها خطة القفزة العظمى والثورة الثقافية عندما عانى الملايين الجوع أو الاضطهاد أو قتلوا.

حتى هذه اللحظة يجاهد قادة الصين لقمع الغضب الشعبي من كارثة القطار السريع الأخيرة التي يرى الكثير من الصينيين أن سببها هو الفساد والمحسوبية في وزارة السكك الحديدية.

يقول بي: «نسبة معرفة كل من الدولتين للأخرى منخفضة نسبيا». لكن، على الأقل، أقر عدد من الذين تم إجراء مقابلات معهم في الصين بالمنافسة الكامنة بين البلدين بالنظر إلى حجمهما ونموهما السريع، ورأوا أن هذه المنافسة صحية.

يقول هو جون، مدرس يبلغ من العمر 40 عاما في شنغهاي: «هناك منافسة بين البلدين، وهذا أمر جيد، فإذا تنافسنا في مجالي التكنولوجيا وتوفير الطاقة، أعتقد أن كلا منا سيستطيع أن يفيد الآخر». وعبر شارياناك غوبتا، طالب يبلغ من العمر 21 عاما في أحد المعاهد الهندية الراقية، عن مشاعر مماثلة بقوله: «بالتأكيد هناك سباق لأن كلينا يتسم بطبيعة تنافسية والعالم سيعتمد على كلينا».

* أسهم زو يان في إعداد هذا التقرير من شنغهاي وجوشوا فرانك من بكين

* خدمة «نيويورك تايمز»