تزايد المخاوف حول سلامة القطاع المصرفي في منطقة اليورو

ذعر من احتمال انهيار أحد البنوك البارزة في المنطقة على طريقة «ليمان براذرز» الأميركي

TT

من يذكر انهيار بنك «ليمان براذرز»؟ بالطبع يتذكره الأوروبيون.

في الوقت الذي تسعى فيه أوروبا إلى احتواء أزمة الدين الحكومي، تتمثل مخاوفها الأكبر في احتمال انهيار أحد البنوك البارزة في القارة، الأمر الذي من شأنه أن يولد حالة من الذعر في الأوساط المالية تحاكي تلك التي أثارها إفلاس «ليمان براذرز» في سبتمبر (أيلول) عام 2008.

غير أن التساؤلات تتزايد بشأن قدرة البنوك الأوروبية على الخروج من الأزمة، في الوقت الذي يواجه فيه بعضها صعوبات في الحصول على القروض المطلوبة لإجراء التعاملات اليومية.

ويزداد حذر المؤسسات المالية الأميركية، الساعية إلى تأمين نفسها ضد المخاطر المتزايدة، من منح قروض جديدة قصيرة الأجل في بعض الحالات، كما بدأت تتجنب عقد صفقات مع نظيراتها الأوروبية، وهي الخطوات التي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم مشكلات التمويل التي تعاني منها البنوك الأوروبية بالفعل.

وأجبرت حالات انسحاب مماثلة، على نطاق أوسع، بنك «ليمان براذرز» على إشهار إفلاسه، حيث اتخذت بنوك وصناديق تحوط ومؤسسات مالية أخرى خطوات تهدف من خلالها لتأمين مصالحها، في الوقت الذي أسهمت فيه في حدوث أزمة أكبر في السوق.

ومن المحتمل أن تنتشر حالة الاهتياج في أوروبا عبر المحيط الأطلنطي بسبب الطبيعة المتداخلة للنظام المالي العالمي. إضافة إلى ذلك، فإنها من المحتمل أن تدمر الاقتصادات التي تواجهها صعوبات بالأساس في مناطق أخرى. «هناك احتمال أن تكون تلك الأزمة أسوأ بكثير من أزمة انهيار (ليمان براذرز)»، هكذا تحدث رجل الأعمال والملياردير الشهير جورج سوروس، صاحب إحدى الشركات الكبرى لإدارة صناديق التحوط، مشيرا إلى عدم وجود هيئة أوروبية رسمية شاملة تختص بالتعامل مع أزمة مصرفية بهذه الدرجة من الحدة. وأضاف: «هذا هو السبب وراء كون المشكلة شديدة الخطورة. أنت بحاجة لأزمة لتشكيل الإرادة السياسية لأوروبا من أجل تأسيس مثل هذه الهيئة الرسمية، غير أنه لا يوجد فهم بعد للمهام المفترض أن تنهض بها هذه الهيئة».

انعكس القلق المتزايد على الأسواق المالية يوم أول من أمس، الثلاثاء، مع هبوط قيمة الأسهم في الولايات المتحدة وأوروبا بنسبة واحد في المائة وانخفاض قيمة أسهم البنوك الأوروبية بنسبة 5 في المائة أو أكثر بعد سلسلة انخفاضات حادة خلال الأسابيع الأخيرة.

ووصلت أسهم البنوك الأوروبية الآن إلى أدنى مستوياتها منذ مارس (آذار) 2009، حينما كان النظام المصرفي العالمي لا يزال مزعزعا في أعقاب انهيار بنك «ليمان براذرز».

واستمر المستثمرون أيضا في اللجوء إلى التحوط عن طريق شراء سندات الخزانة الأميركية، حيث وصلت العائدات على السندات البالغ أجلها عامين إلى 1.90 في المائة، وهو أدنى معدل لها، قبل الإغلاق عند 1.98 في المائة. وفضلا عن حالة القلق، ثمة العديد من التحديات المباشرة التي تواجه المسؤولين الأوروبيين، مع محاولتهم تهدئة مخاوف الأسواق بشأن اتساع نطاق انتشار أزمة الدين.

وخلال الأسابيع المقبلة، من المنتظر أن تتفق دول منطقة اليورو الـ17 على اتفاق تم اقتراحه في يوليو (تموز) لتقديم حزمة إنقاذ لليونان مجددا، وربما للبنوك المتضررة في المنطقة. وإلى جانب صعوبة الوصول إلى إجماع الآراء، ربما تعرقل عقبات أخرى مباشرة التوصل إلى اتفاق.

وفي يوم الأربعاء، أيدت المحكمة العليا في ألمانيا قانونية حزم إنقاذ برلين، لكنها ذكرت أن أي حزم إنقاذ مستقبلية لدول منطقة اليورو المثقلة بالديون يجب التصديق عليها من قبل لجنة برلمانية. واليوم، الخميس، من المنتظر أن يعرض المسؤولون في فنلندا شروطهم من أجل التصديق على الاتفاق، وربما يتبع ذلك تقدم دول أخرى بطلباتها من أجل ضمان أنها ستسترد قيمة القروض التي ستمنحها.

وعلى الرغم من أنهم لم ينجحوا في تهدئة الاهتياج في الأسواق، فإن القادة الأوروبيين قد اتخذوا سلسلة من الخطوات من أجل تجنب تعرض بنوك أخرى للإفلاس على غرار ذلك ما حدث لبنك «ليمان براذرز». وقد قام البنك المركزي الأوروبي بعرض تسهيلات ائتمانية جديدة للمؤسسات التي تحتاج إلى تمويل، بينما ينتظر أن تقدم حزمة الإنقاذ المقترح منحها لليونان قروضا للدول التي تحتاج إلى إعادة رسملة بنوكها. كذلك، دأب البنك المركزي على شراء سندات من إيطاليا وإسبانيا، إلى جانب دول أوروبية أخرى، لمنع حدوث ارتفاع في أسعار الفائدة. وقد تم شراء العديد من هذه السندات من بنوك أوروبية، على نحو يتيح لها فعليا التخلص من القروض المتعثرة مقابل الحصول على سيولة نقدية.

وعلى الرغم من أن المشكلات في الدول الأصغر، مثل اليونان وآيرلندا، ليست بجديدة، ففي الأسابيع الأخيرة اتسع نطاق المخاوف لتصل إلى عمالقة القطاع المصرفي في دول مثل ألمانيا وفرنسا، التي تشكل أهمية بالنسبة لعمل النظام المالي العالمي، وتربطها صلات وثيقة بنظيراتها الأميركية. الأكثر من ذلك هو أنه قد ظهرت على السطح مخاوف بشأن التوقع المستقبلي لإيطاليا، التي فاق حجم ديونها حجم ديون مقترضين متعثرين آخرين أصغر مثل اليونان.

«يبدو أن القطاع المصرفي العالمي يتعرض للضرر على عدة مستويات»، هذا ما قاله فيليب فينش، خبير في الشؤون المصرفية لدى «يو بي إس» في لندن. وأضاف: «الوضع يتحول من سيئ إلى أسوأ».

في أوروبا، يتمثل موطن القلق في احتمال حدوث انخفاض حاد في قيمة السندات الحكومية التي تملكها البنوك الأوروبية، في حالة عجز الدول التي تعاني من أزمات اقتصادية عن سداد قيمة قروضها. وهذا الاحتمال من شأنه أن يكبد البنوك الأكثر عرضة للمخاطر خسائر فادحة.

نتيجة لذلك، تتردد البنوك في منح قروض لبعضها البعض وتتجه إلى ادخار السيولة النقدية. وقال فينش: «إذا استمر الوضع في التدهور على هذا النحو، فسوف نشهد في نهاية المطاف تدافعا هائلا لإيداع الأموال في المصارف، وأنا قلق بشدة حيال ذلك الأمر».

وقال فينش إن البنوك الأوروبية تحتاج إلى جمع رأسمال جديد لا تقل قيمته عن 150 مليار يورو، حتى لو لم تتكبد خسائر ضخمة جراء أزمة الدين السيادي. ومع ذلك، فإنه في ظل الانخفاض الشديد في أسعار الأسهم، يصعب القيام بذلك، وعرض أي شركة مجموعة أسهم جديدة للبيع من شأنه أن يخفض قيمة الأسهم الحالية.

وقد قللت صناديق أسواق المال الأميركية، التي كثيرا ما كانت مصدر تمويل موثوقا به للبنوك الأوروبية التي تعاني من نقص حاد في رأسمال تعاملاتها مع البنوك الأوروبية - بداية من إسبانيا وإيطاليا والآن أيضا في فرنسا - مما زاد من صعوبة منح البنوك الأوروبية قروضا بالدولارات.

قللت أكبر 10 صناديق أسواق مال في الولايات المتحدة حجم تعاملاتها مع البنوك الأوروبية بنسبة 9 في المائة إضافية في يوليو (تموز)، أو بقيمة 30 مليار دولار، بعد خفضها بنسبة 20 في المائة في يونيو (حزيران)، وفقا لما جاء في تقرير صادر عن معهد التمويل الدولي يوم الاثنين.

«لا يزال المستثمرون الأميركيون مهتمين بشدة بعناوين الأخبار الرئيسية القادمة من أوروبا»، هكذا قال أليكس رويفر، المختص بتعقب أسواق التعامل في الائتمان قصير الأجل ببنك «جي بي مورغان تشيس». وأضاف: «عملية بيع أسهم البنوك الأوروبية للتصفية التي شهدناها ستؤكد تلك الحقيقة، ومن المرجح أن يبقى المستثمرون في حالة من الحذر الشديد. إن البنوك الأوروبية لم تكن تقترض بمعدلات كبيرة، كما كانت تبقى لأطول فترة ممكنة دون اقتراض، خلال الأشهر الثلاثة الماضية».

وعلى الرغم من ذلك، فإن المؤسسات الأميركية ما زالت عرضة لمخاطر التأثر بالمشكلات التي يحتمل أن تواجهها نظيراتها الفرنسية. في نهاية الربع الثاني، بلغ إجمالي حجم تعاملات بنك «جي بي مورغان تشيس» عبر الحدود مع فرنسا 49 مليار دولار، في الوقت الذي بلغ فيه حجم تعاملات «سيتي غروب» المهددة بالمخاطر مع فرنسا 44 مليار دولار، في حين بلغ حجم تعاملات «بنك أوف أميركا» المهددة 20 مليار دولار.

وكانت البنوك الفرنسية، التي تمتلك نسبا ضخمة من حجم الدين السيادي لدول عبر أنحاء أوروبا، من بين البنوك الأكثر تضررا، على الرغم من جهود الحكومة الفرنسية لتأمينها. وقد فرضت السلطات حظرا مؤقتا على عمليات البيع على المكشوف الشهر الماضي بعد الانخفاض المفاجئ في قيمة الأسهم في بنك «سوسيتيه جنرال»، البنك الذي كان يعد بالضخامة بحيث لا يمكن توقع أن يواجه خطر الإفلاس والانهيار، إثر شائعات عن احتمال إشهار البنك إفلاسه.

غير أنه لا تزال تنخفض قيمة أسهم «سوسيتيه جنرال» وسط مخاوف من أنها، على غرار «بي إن بي باريباس» وبنوك فرنسية بارزة أخرى، تواجه مشكلات في جمع دولارات لتمويل تعاملاتها الأميركية وتعاملاتها الأخرى بالدولار. ويقول مسؤولون في بنك «سوسيتيه جنرال» إن المخاوف السائدة في السوق لا أساس لها. وقد وصف فريدريد أوديا، الرئيس التنفيذي للبنك، شائعات تقول إن بنك «سوسيتيه جنرال» يواجه مشكلات في جمع أموال بأنها «ضرب من الخيال». وقد أغلقت الأسهم على انخفاض نسبته 6 في المائة، أول من أمس، الثلاثاء، مسجلة 18.93 يورو. ومنذ 3 أشهر مضت، أغلقت قيمة الأسهم عند 40 يورو.

والأكثر من ذلك أن البنوك الفرنسية، كغيرها من البنوك الأوروبية، قادرة على الحصول على تمويل من البنك المركزي الأوروبي عند الضرورة.

في الوقت نفسه، تجلت المشكلات في إسبانيا، أول من أمس، الثلاثاء، حينما سجل أحد أكبر بنوك الادخار في إسبانيا، وهو بنك «كاخا دي أهوروس ديل ميديتيرانيو»، ارتفاعا مروعا في القروض المتعثرة، لتصل إلى 19 في المائة من إجمالي القروض، بعد أن كانت النسبة 9 في المائة في نهاية العام الماضي.

وحتى الآن، يشير احتياطي مخزون اليوروات الذي قد أودعته البنوك في البنك المركزي الأوروبي بأدنى مستويات أسعار الفائدة – الذي بلغ الليلة الماضية 166 مليار يورو – إلى أنه ليس ثمة أي بنك على وشك التعرض لأزمة إفلاس كتلك التي تعرض لها «ليمان براذرز».

ويتمثل الخطر الآن في أن رفض أوروبا إعادة رسملة بنوكها ربما يتحول إلى أزمة أوسع نطاقا. كان لدى دانيال غروس، مدير مركز دراسات السياسة الأوروبية في بروكسل، تفسير صريح لسبب رفض الحكومات الأوروبية حتى الآن إعادة رسملة بنوكها.

قال غروس: «إنها لا تملك المال، والأموال بحوزة أصحاب البنوك». لقد حث صناع السياسة في الولايات المتحدة وبريطانيا، حيث لعب الحقن الإجباري للأسواق برؤوس أموال جديدة، دورا مهما في تخفيف حدة الاضطراب في الأسواق في عام 2008، منذ وقت طويل أوروبا على اتخاذ الإجراء نفسه.

* أسهم في إعداد التقرير ليز ألدرمان من باريس

* خدمة «نيويورك تايمز»