فندق وبعض المتاجر.. مظاهر رخاء تنبت وسط الفقر في غزة

نسبة البطالة بالقطاع تقدر بنحو 45%

جانب من فندق «المشتل» ذي الـ5 نجوم (رويترز)
TT

وسط الفقر والحرمان المتفشيين في قطاع غزة، بدأت تظهر بعض علامات الرخاء المحدودة لتمنح سكان القطاع الذين أعياهم العنف شيئا من بحبوحة العيش التي تعتبر في جانب كبير من العالم من بديهيات الحياة. شهد القطاع الفلسطيني هذا الصيف افتتاح فندق يتطلع إلى توفير خدمات على مستوى الخمسة نجوم ومنفذ تسوق يتباهى بأن لديه أول سلم كهربائي داخلي بمتجر على مستوى القطاع وسوبر ماركت راقيا. ظهور هذه المرافق لا يعني انتشار الثروة والرخاء في القطاع لأن الواقع غير ذلك. هذه المظاهر تشي برغبة جديدة من رجال الأعمال الأجانب في الاستثمار في غزة وتعكس إمكانات مستقبلية. يقول علي محمد وهو فني هواتف عمره 45 عاما حضر لشراء علبة شوكولاته من متجر «الأندلسية» الذي يشغل ثلاثة أدوار: «سمعت عنه (المتجر) من أصدقائي. واليوم أزوره للمرة الأولى. إنه مدهش». ويقول محمد لـ«رويترز»: «وكأننا لسنا في غزة. الحصار ظاهر في كل مكان في الخارج. الوضع هنا غير ذلك». وتفرض إسرائيل حصارا مطبقا على غزة ردا على هجمات صاروخية متكررة من مسلحين إسلاميين في الأعوام الستة الأخيرة. لكن بعض القيود تم تخفيفها في فترة الاثني عشر شهرا الماضية مما سمح لمتجر «الأندلسية» بالنفاذ إلى حيز الوجود. واستطاع عدد من رجال الأعمال الفلسطينيين وكثير منهم تلقى تعليمه في الخارج إقناع مستثمرين أجانب بضخ أربعة ملايين دولار في المشروع لملء المتجر بسلع تجارية من أنحاء الشرق الأوسط. وتم استيراد بعض السلع من خلال إسرائيل وبعضها أتى تهريبا عبر الأنفاق التي تربط غزة بمصر مما أعطى مرتادي المتجر قدرة غير معتادة على الاختيار من أصناف متعددة تحت سقف واحد. يقول المدير العام للمتجر إيهاب العيسوي الذي توقع استرداد الاستثمارات التي تم ضخها في المتجر خلال ثلاثة أعوام ما لم تفسد أي حرب مع إسرائيل خطط المستثمرين: «أردنا بالأساس بناء مركز تسوق بالمعنى الكامل. وبدأنا بهذا (المنفذ) على سبيل الاختبار». وقال مبتسما: «يجب أن يكون لديك إيمان». ويزور المتجر يوميا ألفا متسوق تقريبا عدد كبير منهم أطفال يستمتعون بالصعود والهبوط على السلم الكهربائي الجديد الذي يعد ثاني سلم متحرك في القطاع والأول في محل تجاري مفتوح للجمهور. الطفل بلال حبوش وعمره عشر سنوات يصف هذا السلم بالمتعة الكبيرة وهو يقبض بيديه على الدرابزين وعيناه تتألقان بالفرحة وكأنه يركب أحدث الألعاب بمدينة «ديزني وورلد» الأميركية. لكن الأسعار المرتفعة بمتجر الأندلسية وسوق «مترو ماركت» المجاور وهو سوبر ماركت يشبه مراكز التسوق الخليجية، يعني أن الصفوة من أهل غزة فقط هم القادرون على التبضع من هذه المنافذ. وقالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إن نحو 1.2 مليون نسمة من سكان القطاع البالغ عددهم 1.5 مليون يحملون صفة لاجئ وإن نسبة البطالة بالقطاع تقدر بنحو 45 في المائة وهي واحدة من أعلى المعدلات عالميا. وقالت «الأونروا» في تقرير نشر في يونيو (حزيران) الماضي إن «مزيج البطالة المرتفعة بشكل مطرد وتدهور الأجور الحقيقية للعاملين يقفان وراء اتساع مستويات الفقر»، لكن القطاع لا يخلو من جيوب ثراء محدودة. وحركة حماس الإسلامية التي تحكم قبضتها على سلطة الحكم تبدو مهتمة بشكل متزايد بانتعاش المشاريع التجارية المحلية كوسيلة لتنويع عائداتها وخلق فرص العمل. ومن الصعب قياس مدى تدخل حماس في المشاريع الخاصة التي ظهرت العام الماضي. لكن الأخيرة لا تستطيع مباشرة نشاطها دون موافقة مسبقة من حماس وربما تحتاج إلى إجراءات أخرى. وهذه المشروعات تدفع لحركة حماس التي ترزح تحت صعوبات مالية بالغة ضرائب الحركة في أشد الحاجة إليها. ويقول عمر شعبان رئيس مركز «بال - ثينك» للأبحاث الذي يتخذ من غزة مقرا: «حماس تتحول من مجرد حركة عسكرية ومؤسسة خيرية إلى.. التطلع لتحقيق الربح»، ويضيف أن «حركة حماس نفسها أصبحت تدرك أهمية بحبوحة العيش وأن الحياة ليست كلها جهاد وشهادة. بدأ أفرادها يرتادون قاعات الفنادق مع عائلاتهم. وهذا جيد. هم يشعرون أن لديهم ما يمكن فقده». وتم افتتاح واحدة من شرفات الفنادق الأكثر تميزا في منطقة الشرق الأوسط مطلع هذا العام في المنطقة الشمالية من القطاع على مقربة من قاعدة تدريب عسكري تابعة لحماس وأحد أكبر مخيمات اللاجئين. وتم تحوير تصميم الفندق الذي تم تخطيطه في الأساس كمبنى مكتبي في تسعينات القرن الماضي إلى فندق بسعة 220 غرفة. وكان المقرر أن تتولى إدارته سلسلة فنادق «موفنبيك». لكن «موفنبيك» انسحبت قبل أن يحط أي ضيف رحاله بالفندق بعدما سيطرت حركة حماس على القطاع سنة 2007 في أعقاب حرب أهلية لم تستمر طويلا. وتجمد المشروع بسبب تضييق إسرائيل الحصار في فترة لاحقة والمصادمات المتكررة بين الجانبين. وأخيرا أزيح الستار عن المشروع هذا العام ووافقت مجموعة «ارك ميد» الإسبانية على إدارة الفندق تحت اسم جديد هو «المشتل». وأرسلت المجموعة اثنين من المديرين المتمرسين لتدريب 70 موظفا محليا. والسياحة ليست خيارا مفتوحا أمام قطاع يعاني محدودية الاتصال مع العالم الخارجي. لكن حفنة من العاملين بمجال المساعدات الدولية والمغتربين الفلسطينيين الذين يزورون ذويهم بالقطاع يقضون المساء في الفندق وتحصل مطاعمه ومقاهيه المطلة على حوض السباحة على مزيد من الحركة من السكان المحليين الأثرياء. وحوض السباحة ذاته خارج نطاق الاستعمال بسبب القوانين المحلية التي تحظر على الرجال والنساء السباحة معا. ودون تغير جذري في الصورة الإقليمية وفي العلاقات بين إسرائيل وسكان غزة يصعب تخيل اتساع قاعدة العملاء المحليين للفندق. يقول الاقتصادي الغزاوي عمر شعبان: «الطبقة الوسطى تنحسر هنا. الناس إما أن يسقطوا في (شراك) الفقر أو عليهم الهرب». ورغم أن الفندق يقوم كالواحة على صفحة القطاع المشرف على البحر، فإن فالواضح أنه غير قادر على الفرار من واقع الحياة في غزة. وقبل أسبوعين فقط قتل هجوم بالصواريخ الإسرائيلية مسلحين إسلاميين اثنين كانا يقودان دراجة نارية على بعد نحو 500 متر من الفندق. إذن، هل هذا الفندق يمثل انتصارا للأمل في أجواء عدائية؟ «الزمن وحده يستطيع الإجابة عن هذا السؤال» قالها المدير الإسباني المتحفظ رفائيل كابينيل.