الجامعة العربية تطالب رجال الأعمال بتنفيذ مشاريع بالقدس

سفير فلسطين في القاهرة: لا نريد مالا يرسل إلينا.. بل مشاريع تقام بالمدينة

تسعى فلسطين إلى إنشاء مشروعات جديدة بدلا من الدعم المالي
TT

اقترحت جامعة الدول العربية مبادرة متكاملة لدعم مدينة القدس تتضمن إطلاق دعوة لقيام رجال الأعمال والقطاع الخاص العربي بتبني تمويل مشروع محدد في المدينة المقدسة (بناء مدرسة أو فصل، بناء مستشفى أو تطوير وتدعيم أجهزته، وغيرها)، مع توفير آليات للمتابعة ذات شفافية عالية، والتعاون مع منظمات المجتمع المدني في ظل عدم التزام الدول العربية بسداد حصصها لدعم القدس.

جاء ذلك خلال الاجتماع المشترك للجامعة العربية والسلطة الفلسطينية مع المنظمات العربية المتخصصة ومؤسسات التمويل العربية، الذي عُقد أمس في مقر الجامعة العربية في إطار متابعة تنفيذ القرار الصادر عن القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية بشأن دعم المدينة المقدسة. وطالبت جامعة الدول العربية بأن تستفيد مدينة القدس من مبادرة دعم وتمويل مشاريع القطاع الخاص الصغيرة والمتوسطة في العالم العربي التي أطلقتها القمة العربية الاقتصادية في الكويت عام 2009، وأن تقام شراكات عربية فلسطينية مقدسية في مجالات دعم المشاريع الصغيرة التي تثبت المواطن المقدسي في مدينته، وكذلك دعم القرى والتخوم الفلسطينية المحيطة بمدينة القدس. وتقترح المبادرة قيام الأمانة العامة للجامعة بالتنسيق مع المؤسسات الفلسطينية بإطلاق المبادرات والأفكار غير التقليدية لحشد الدعم للقدس ولتثبيت المقدسيين، وحفز جميع مؤسسات المجتمع المدني والفعاليات أو الأطر العربية بالتبرع للقدس بشكل منتظم ومتواصل من خلال جهود وتبرعات كل أعضاء النقابات والاتحادات والجمعيات والبرلمانات والأحزاب والاتحادات الطلابية وهيئات التدريس، بل من خلال كل مصلى في المساجد في صلاة الجمعة، وكل مصلى في الكنائس في قداس الأحد.

ورأت الجامعة العربية الاستفادة من تجربة الجزائر في ثورة التحرير لتنفيذ ذلك؛ حيث يتكاتف فيها ومعها الجميع وكانت ترفع شعار «نصف علبة سجائر يكفي والنصف الآخر للثورة الجزائرية»، بالإضافة لتجربة شعب جنوب أفريقيا في التصدي للأبارتهيد (سياسة الفصل العنصري).

كما تتضمن إطلاق الدعوات التي تربط كل فلسطيني في كل الأراضي المحتلة أو في الشتات بقضية القدس، من خلال إطلاق دعوة لقيام كل موظف فلسطيني لدى السلطة الفلسطينية أو لدى أي من الدول العربية بالتبرع بنسبة ثابتة من راتبه الشهري لصالح القدس.

كما دعت الجامعة إلى العمل على استصدار فتوى من كبار العلماء وديار الإفتاء العربية والإسلامية بالتبرع دوريا لدعم القدس وأهلها، ولو بقيمة دولار كل شهر.

ودعت المبادرة إلى تفعيل دور منظمات المجتمع المدني في مجال حشد الدعم الدولي والعربي والإسلامي للضغط على المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل للحد من قيودها وممارساتها المخالفة للقانون الدولي التي تضعها أمام العمل التنموي في القدس المحتلة.

وطالبت المبادرة بالعمل على تنسيق جهود المنظمات الحقوقية في القدس لرفع مستوى الوعي لدى أهالي القدس بكافة التدابير والقوانين والأنظمة التي تنظم عمل حكومة الاحتلال بهدف تمكين الفلسطينيين من مواجهة الانتهاكات اليومية لحقوقهم من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

ودعت المبادرة إلى التوسع في تنظيم الأنشطة والفعاليات المتبناة من مؤسسات المجتمع المدني (الدولية والعربية والفلسطينية) الداعمة لمؤسسات القدس التعليمية والصحية والرياضية وغيرها، من خلال الأنشطة والمبادرات المختلفة مثل دعوة أطباء أجانب لإجراء بعض العمليات الجراحية في مستشفيات القدس أو دعوة رموز ثقافية دولية لحضور فعاليات ثقافية في القدس.

ونوهت الجامعة العربية بدور المؤسسات المالية والتنموية العربية والبنك الإسلامي للتنمية في دعم المشاريع التنموية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك مدينة القدس المحتلة، ويعول على هذه المؤسسات كثيرا في دعم المشاريع الفلسطينية في القدس المحتلة، لما تمتلكه هذه المؤسسات من قدرات فنية مميزة وإمكانات مادية عالية، تتيح لها السرعة في الإنجاز والمرونة في الحركة.

وأكدت ضرورة الاستفادة من الإمكانات المتوافرة لدى مؤسسة بيت مال القدس الشريف، التابعة للجنة القدس، لامتلاكها ترخيصا وصلاحيات للعمل داخل القدس. وشددت على ضرورة توثيق التعاون القائم بين السلطة الفلسطينية ومنظمة اليونيسكو عبر إبرام مذكرة تعاون بينهما، لحماية التراث الثقافي والتاريخي في القدس وذلك تحت مظلة جامعة الدول العربية بحيث يتم من خلالها التدخل الوقائي قبل وقوع الاعتداء على التراث للمقدسات الفلسطينية، وكذلك المساهمة في ترميم وصيانة هذا التراث للحفاظ عليه.

واقترحت الجامعة النظر في العرض على القمة العربية الثقافية المرتقبة، وهو تأسيس وتمويل عدد من المشاريع الثقافية المتخصصة في فلسطين، بما يسهم في رفع الوعي الثقافي لدى شعوب وأهالي القدس وفلسطين والارتقاء بثقافة الطفل الفلسطيني، بما في ذلك إنشاء مراكز متخصصة للصناعات والحرف اليدوية والتقليدية كوسيلة لتحسين الأوضاع الاقتصادية المعيشية، التي من شأنها أيضا المحافظة على الموروث الثقافي والحضاري للشعب الفلسطيني، وتفعيل المشاريع الثقافية التي طرحها وزراء الثقافة العرب بمناسبة الاحتفاء بالقدس عاصمة للثقافة العربية، وهي الأمور التي تمكن من تنفيذ المشاريع والبرامج التي اقترحها الجانب الفلسطيني فيما يتعلق بالنواحي الثقافية.

وقرر الاجتماع تكليف الأمانة العامة ودولة فلسطين بصياغة ورقة من 3 محاور للقمة الاقتصادية والقمة العادية ولمنظمات المجتمع المدني لدعم القدس. وحذر السفير محمد صبيح، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية لشؤون فلسطين والأراضي العربية المحتلة، من أن مدينة القدس تتعرض لهجمة إسرائيلية شرسة تحتاج إلى تحرك عربي عاجل، معتبرا أنها باتت في ساعتها الأخيرة. وقال، خلال الجلسة الافتتاحية للاجتماع المشترك للجامعة العربية والسلطة الفلسطينية مع المنظمات العربية المتخصصة ومؤسسات التمويل العربية في إطار متابعة تنفيذ القرار الصادر عن القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية بشأن المدينة المقدسة: إن «الهجمة الصهيونية» على القدس غير مسبوقة في التاريخ وُضعت لها أموال طائلة تقدر بالمليارات بدعم إعلامي دولي محكم، وإسرائيل تمارس أعتى أنواع التجويع والتخريب وتشجع على انتشار المخدرات في القدس.

وأضاف صبيح: «نريد من خلال هذا الاجتماع الاتفاق على خطوات عملية تُطرح على القمة العربية والتنموية المقبلة، وكل نقابة وحزب ومنظمة تستطيع أن تقدم شيئا للقدس، وكان لنا في قمة سرت اتفاق على خطوات عملية لدعم القدس. واقترح أن يصدر علماء الدين فتوى تحث الناس على التبرع للمدينة المقدسة، كما اقترح أن تخصص 3 أسطر للحديث عن القدس في كل خطبة جمعة، وأن يبدأ موظفو الجامعة العربية بالتبرع بـ1% من رواتبهم من أجل القدس.

واستعرض السفير محمد صبيح القرارات العربية المختلفة بشأن دعم القدس وإيجاد صناديق عربية مخصصة لدعم المدينة وأهلها، مشيرا إلى أنه في القمة العربية في بيروت تقدم وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، بمقترح إقامة صندوق في الجامعة العربية بقيمة 150 مليون دولار لدعم القدس، واعتمدت الفكرة، وأنه يدير هذه الصناديق وصناديق أخرى مخصصة لدعم فلسطين بنك التنمية الإسلامي وبشفافية كبيرة.

وأضاف: لكن لم يصل من الـ150 مليون دولار المذكورة إلا 80 مليون دولار، كما أن قمة سرت بليبيا خصصت 500 مليون دولار لدعم القدس، وحتى هذا الرقم المتواضع لم يصل منه إلا 37.5 مليون دولار، وأردف: «نحن لا نريد كلاما منمقا للإعلام، بل نريد خطوات عملية؛ لأنه دون المال لا تستطيع القدس أن تصمد كثيرا».

وقال صبيح: نظرا لعدم التزام عدد من الدول بتسديد ما هو عليها مطلوب تفعيل دور المنظمات الأهلية، القدس تتعرض لحملة تخريب وتزوير تاريخ، وكل هذا يجري والولايات المتحدة تتخذ موقفا سلبيا من القضية الفلسطينية وقيام الدولة المستقلة.

وأوضح صبيح أن نسبة الفقر في القدس وصلت إلى 70% استنادا إلى إحصاءات أممية، والبطالة وصلت إلى 22%، مؤكدا أن سلطات الاحتلال تعزل القدس عن محيطها وتضيق كثيرا على التجار من خلال الضرائب الباهظة، ومنع حركة نقل السلع، وهذا يتزامن مع صعوبات كبيرة تواجه القطاعين الصحي والتربوي. وأشار إلى أن الاحتلال يريد أن يفرض مناهج إسرائيلية على الطلبة العرب بتزامن مع منع زيادة عدد الصفوف المدرسية، ومنع بناء المدارس. وقال صبيح: إن 34% من أطفال القدس لا يجدون الغذاء المناسب ولا مكان الدراسة المناسب، مما يسهم في زيادة نسبة التسرب من المدارس. وطالب بإقامة علاقات توأمة بين المدن والجامعات والمستشفيات والمدارس المنتشرة في مختلف الأقطار العربية مع المؤسسات المثيلة لها في القدس المحتلة. من جهته، قال سفير فلسطين في القاهرة ومندوبها الدائم لدى الجامعة العربية بركات الفرا: «إنه لم يعد هناك المزيد من الوقت، يجب أن نتحرك لنواجه هذه المأساة؛ لأن هناك مخططا استيطانيا اسمه (عشرين عشرين) تسعى من خلاله إسرائيل إلى بناء 50 ألف وحدة استيطانية في القدس الشرقية». وتابع: إسرائيل تخصص 17.5 مليار دولار لتهويد القدس، وكل ذلك بدعم سخي من رجال الأعمال اليهود، مما يستدعي من الأمة العربية أن تكون على قدر التحديات التي تواجهها القدس، وألا تتخلى عن المدينة والدفاع عنها. وقال: نحن أولى الناس بالقدس؛ لأنها تمثل لنا الكثير دينيا وسياسيا، ولن تستقر الأوضاع دون أن تكون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة. واستعرض السياسات الإسرائيلية في المدينة، المتمثلة بتغيير أسماء الشوارع ومحاصرة المدينة ومنع إقامة مشاريع تنموية عربية لتشغيل الأيدي العاملة العربية، وهدم المنازل، وسحب هويات العرب، ومحاولة طمس كل المعالم العربية في المدينة.

وتابع الفرا: القدس لا يحميها الكلام، ونأمل أن تأخذ المشاريع الخاصة بالقدس طريقها نحو التنفيذ من خلال لجان معينة، ونحن لا نريد مالا يرسل إلينا، بل مشاريع تنفذ في المدينة، وهناك آليات للصرف متفق عليها، لكن من خلال الخطة التي قدمتها دولة فلسطين منعا لأي تضارب.

من جانبها قالت السفيرة سيما بحوث، الأمين العام المساعد للجامعة العربية للشؤون الاجتماعية: إنه يجب إبقاء موضوع القدس على الأجندة الشعبية إلى جانب استخدام الإعلام والإنترنت وموقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» لدعم القدس من أجل خلق آلية إعلامية لدعم المدينة المقدسة، والاستعانة بالمؤسسات الإعلامية والتثقيفية العربية في هذه الآلية.

من جانبه، قال الوزير مفوض خليل أبو عفيفة، مدير المنظمات العربية المتخصصة: إن موازنات المنظمات العربية المتخصصة في منتهى التواضع؛ نظرا لعدم التزام الدول العربية بدفع حصصها، لكن بعض المشاريع يمكن تنفيذها من الاحتياطات الخاصة لكل منظمة.

وتحدث مدير إدارة الشؤون العربية بوزارة الاقتصاد الوطني الفلسطينية، رأفت ريان، عن معالم الخطة الفلسطينية التي تنتظر الدعم العربي لتنفيذها في مدينة القدس المحتلة.

وقال: إسرائيل تعمل بشكل حثيث على أسرلة مدينة القدس وتعمل على تفريغ المدينة من سكانها، وهناك 20 ألف بيت مهدد بالهدم، كما أن معدل الهدم السنوي في المدينة يتجاوز ألف بيت.

وأردف: من هنا مطلوب دعم أهالي المدينة، ويجب ألا نغفل أن الميزانية الإسرائيلية لتهويد المدينة ضخمة للغاية والمبالغ المقرة من القمم العربية والمطلوب دفعها لا تقارن بما تضخه إسرائيل من أموال طائلة. وقال: إذا لم تقوموا بمسؤولياتكم فالقدس ستضيع.

وأضاف ريان: رجل أعمال يهودي واحد اسمه مسكوفيتش ضخ 2.3 مليون دولار لتهويد المدينة، والدعم العربي ما زال محدودا، والمشاريع التي تقدمنا بها تمت دراستها بعناية، وهي لا تلبي بالكامل كل الحاجات، وهذا أقل شيء يمكن أن نقدمه للمدينة.