بيرنانكي قد يلجأ لاستبدال محفظة السندات قصيرة الأجل لتهدئة الأسواق وتحفيز الاقتصاد

الذهب يتجه نحو 2300 دولار.. والقلق السمة الغالبة على المستثمرين

بن بيرنانكي («نيويورك تايمز»)
TT

الذهب يتجه نحو رحلة صعود صاروخية جديدة قد تأخذه فوق حاجز 2000 دولار للأوقية (الأونصة) حسب معلومات نشرة المال والأعمال الأميركية التي تصدر في كاليفورنيا. وقالت النشرة إن شائعات تنتشر بشكل واسع في دهاليز «وول ستريت» وواشنطن حول خطة سرية لرئيس بنك الاحتياط الفيدرالي «البنك المركزي الأميركي» خفض أسعار الفائدة الأميركية عبر أسلوب الاستبدال بأوراق السندات الأميركية قصيرة الأجل التي يملكها في محفظته سندات طويلة الأجل في محاولة لخفض أسعار الفائدة على جميع أنواع القروض. وحسب تقرير النشرة الأميركية الذي اطلعت عليه «الشرق الأوسط» فإن بيرنانكي ربما يطرح هذا الاحتمال في اجتماع لجنة السوق المفتوحة المقرر في 20 سبتمبر (أيلول) الجاري. وقال محللون إنه في حال اتخاذ رئيس البنك الفيدرالي لمثل هذا الإجراء فإن أسعار الذهب ستقفز بسرعة كبيرة وربما يصل سعر الأوقية إلى 2300 دولار قبل نهاية العام. ويسعى مصرف الاحتياط إلى تحفيز النمو الاقتصادي الأميركي وحقن الأسواق المضطربة بمهدئ جديد وسط موجة الذعر التي سيطرت على الأسواق طوال الشهور الماضية. ولا تنصب المخاوف حول الاقتصاد الأميركي فحسب ولكن تتركز حول اليونان والديون الأوروبية التي عجزت بروكسل وصندوق النقد عن معالجتها.

ولا يبدو أن البورصة قد استقرت على حال، فيوم تلو الآخر تشهد البورصات تقلبات حادة بمقدار مئات النقاط. وشهدت خلال الأسبوع الماضي تراجعا بنسبة 3 في المائة خلال التسعين دقيقة الأولى من التداول صباح يوم الثلاثاء، ثم أغلقت يوم الأربعاء على ارتفاع يقارب 3 في المائة ومن ثم انخفضت بنحو 3 في المائة يوم الجمعة. كل ذلك عقب صعود وهبوط مستمر بنسبة 4 في المائة في أسبوع واحد خلال شهر أغسطس (آب) الماضي.

وبدأ المتداولون الأسبوع أمس بمباعث قلق جديدة بشأن احتمالات تخلف الحكومة اليونانية عن سداد ديونها والفوضى التي ستشهدها المصارف الأوروبية. ودعا كل هذا القلق والتوتر الخبراء إلى التساؤل ما إذا كان هناك قوى جديدة في البورصة تتسبب في اضطراب وتقلب دائم ومستمر في عملية التداول. بات تغير الأسعار أكثر شيوعا عما كان في الماضي، حيث ازدادت التقلبات التي تشهدها أسعار الأسهم أكثر من أي وقت مضى وتتراوح بين 3 و4 في المائة بحسب تحليل جاء في صحيفة «نيويورك تايمز» عن تغيرات الأسعار في مؤشر «ستاندرد أند بورز 500» منذ عام 1962.

يرى بعض الخبراء الذين تحدثوا لصحيفة «نيويورك تايمز»، التذبذب والتقلب باعتباره مشكلة لأنه يثير مخاوف المستثمرين ويبعدهم عن البورصات ويجعل الشركات تتردد في طرح أسهمها للاكتتاب العام وتقوض الثقة في الاقتصاد وتؤدي إلى حدوث المزيد من الانخفاض في الأسهم.

لكن هناك وجهة نظر أخرى تقول إن تقلب البورصات يُعزى إلى الشعور بالشك تجاه مسار الاقتصاد ويمكن للمستثمرين الأذكياء استغلال هذه التقلبات أو تجميد نشاطهم إلى حين حدوث توازن في السوق.

ويقول مايكل شمانسك، رئيس تقلب مؤشر الولايات المتحدة في «باركليز كابيتال»: «إن الأمر ليس جيدا أو سيئا، إنه يمثل فرصة عظيمة وخطرا في الوقت ذاته». ما الذي يحدث.. الارتفاع في القفزات الكبيرة؟ من الصعب معرفة ذلك على وجه اليقين، لكن يشير محللو السوق إلى أنواع جديدة من التداول المعدل عن طريق الكومبيوتر والاضطراب غير العادي الذي يشهده الاقتصاد العالمي بدءا من الاعتراض على خطة الإنقاذ الثانية لليونان ووصولا إلى خفض تصنيف الدين الأميركي.

من المحتمل أيضا أن تشهد البورصات تحركات أسرع اليوم نتيجة سرعة انتشار الأخبار وتسارع خطى التداول وما يصاحبها من ارتفاع وانخفاض في الأسعار وهو ما كان يستغرق أياما في الماضي، بينما لا يستغرق الآن سوى ساعات.

ويقول بعض الخبراء إن الخوف من تقلبات السوق يغذي ذاته، حيث يوضح روبرت شيلر، أستاذ الاقتصاد في جامعة «يال»، أن التقلب الحاد صعودا وهبوطا قد يقوض الثقة في الاقتصاد ويمكن أن يؤدي ضعف الاقتصاد بدوره إلى السياسة الصاخبة وهو ما يزيد في النهاية من التقلبات.

يقول شيلر: «السبب وراء حدوث هذه التقلبات غير مفهوم. يبدو أنه في تلك الفترات نادرة الحدوث من الأداء الاقتصادي السيئ والقلق بشأن الاقتصاد، يحدث تقلب في الأسواق واضطرابات على الساحة السياسية. الأمور السيئة تحدث وهذا يقلقني».

وفحصت صحيفة «نيويورك تايمز» نوعين من البيانات التاريخية هما أسعار مؤشر «ستاندرد أند بورز 500» عند الإغلاق وأعلى النقاط وأكثرها انخفاضا التي وصل إليها المؤشر خلال ساعات التداول. وساهم فحص المعيارين منذ عام 1962 إلى نهاية أغسطس في رسم صورة للسوق واتضح أنها تشهد صعودا وهبوطا بشكل أكبر الآن عما كان في الماضي.

ووجدت الصحيفة أن تقلبات الأسعار بنسبة 4 في المائة أو أكثر منذ بداية القرن الحالي خلال جلسات التداول اليومية كانت أكبر منها خلال الأربعة عقود الأخيرة التي انتهت عام 2000 بستة أمثال. ربما تكون تقلبات الأسعار ملحوظة أكثر لأن فترة التسعينيات كانت تتسم بالهدوء فيما يتعلق بالتداول. على العكس من ذلك، كانت تقلبات الأسعار بنسبة 1 في المائة أو أكثر خلال التداول اليومي أكثر حدوثا في السبعينيات والثمانينيات.

أما بالنسبة إلى أسعار الإغلاق، كلما ازداد حدوث الارتفاعات المفاجئة، كان من الأسهل ملاحظتها ورصدها. شهدت 30 في المائة من أيام التداول منذ بداية عام 2010 تقلبا: صعودا وهبوطا بنسبة تزيد على الواحد في المائة عند الإغلاق مقارنة بنسبة 20 في المائة في التسعينيات. ويتضح هذا التذبذب في تقلبات الأسعار.

ويفحص واضعو القواعد واللوائح المنظمة في لجنة الأوراق المالية والبورصة ما يحدث من تغيرات في الأسواق واستراتيجيات التداول الإلكتروني المرتبطة بالتقلبات. لم تعد السوق قائمة على بورصة واحدة، لكنها ممزقة بين أربع بورصات كبيرة وعدد من المنتديات الصغيرة. ويمثل المتداولون الذين يستخدمون الكومبيوتر بشكل متزايد في التداول بسرعة فائقة نحو 60 في المائة من عملية التداول اليومي.

خلال العقد الأخير، أصبحت صناديق الاستثمار المتداولة (صندوق مطروح للتداول في البورصة) عنصرا كبيرا من عناصر التداول بعد ضخ مئات المليارات من الدولارات بها. يشبه هذا النوع الصناديق الاستثمارية الأخرى، لكن يتم طرحه للتداول يوميا وترتبط قيمته بالمؤشرات أو الأسهم لا شركات الأفراد.

لكن في ظل المشكلات التي تحدث في أميركا وخارجها، لم يحدد المسؤولون حتى هذه اللحظة سبب ما تشهده البورصات من تقلبات سريعة وحادة. ويتساءل بعض المؤرخين الماليين عما إذا كان النمط المعتاد الجديد في الأسواق بات هو التقلب المستمر. يقول أندرو لو، أستاذ المال في كلية سلوان للإدارة: «شهدت السنوات القليلة الماضية القدر الأكبر من التقلبات في التاريخ المسجل». وتأكيدا لكلامه يشير إلى حدوث 10 من 20 ارتفاعا يوميا و11 انخفاضا من 20 منذ بداية عام 1980 وحتى نهاية الشهر الماضي خلال الثلاث سنوات الماضية.

ويقلل بعض المحللين من أهمية التقلبات الحادة بقوله إن المهم هو الحد الذي تصل إليه الأسعار على المدى الطويل لا بشكل يومي. فرغم كل شيء كان مؤشر «ستاندرد أند بورز 500» عند الحد الذي كان عليه منذ عام مضى بعد تأرجحه خلال شهر أغسطس، حيث انتهى إلى هبوط بنسبة أقل من 6 في المائة.

يقول أليك يونغ، المخطط الاستراتيجي للأسهم في مركز «إيكويتي ريسيرش» التابع لمؤسسة «ستاندرد أند بورز»: «كان أفضل ما يمكن للناس القيام به الشهر الماضي هو عدم القيام بأي شيء. لا نعتقد أن قياس درجة الحرارة يوميا أمرا مفيدا لأنك بذلك سوف تكون كمن يتداول بمحفظته المالية إلى أجل غير مسمى».

قد لا تنذر التقلبات بانخفاض في الأسعار حيث أوضحت دراسة أجراها سام ستوفال، المخطط الاستراتيجي في مركز «إكويتي ريسيرش» أن الأسواق منذ عام 1950 تكون هادئة قبل حدوث أعلى مستوى من انخفاض الأسعار. لكنه اكتشف أن التقلبات تزداد بعد أن تبدأ الأسعار في الانخفاض وأن التوتر في الأسواق يمكن أن يستمر في ظل عودة الأسعار إلى الارتفاع.

ويرى بعض مراقبي السوق أن هذا التوتر من توابع الأزمة المالية التي حدثت عام 2008. يقول جيمس آنجل، أستاذ المال في جامعة جورج تاون: «عندما يسود العالم شعور بعدم اليقين، ينتقل هذا الشعور إلى السوق. بعد الصدمات الكبيرة، يتطلب استقرار الأسواق سنوات».