كيف كبد المتداول «الذي ولد يوم الأربعاء» «يو بي إس» خسارة بملياري دولار؟

المصرف السويسري العملاق يواجه تساؤلات محرجة

وجهت شرطة لندن التي تحقق في خسارة بنك «يو بي إس» ملياري دولار في التعاملات الاتهام للمتعامل كويكو أدوبولي بالاحتيال، أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

حتى الأسبوع الماضي فقط كان كويكو أدوبولي، المتداول الشاب الممثل لمصرف كبير، يتمتع بمكانة مرموقة وكان يمتلك شقة فاخرة في أحد الأحياء الراقية في لندن وكانت لديه صديقة. لكن يوم الأربعاء بدأ عالم أدوبولي، وهو اسم يعني «ولد يوم الأربعاء» في لغة بلده الأم غانا، في الانهيار. فبعد استجوابه من قبل شرطة مراقبة الالتزام بالضوابط بشأن تعاملاته في البورصة، راوغ ثم أرسل فيما بعد رسالة «اعتراف» بالبريد الإلكتروني إلى مسؤولي المصرف يخبرهم فيها بأنه ليس لديه ما يريدونه من معلومات.

ويواجه أدوبولي البالغ من العمر 31 عاما تهمة الاحتيال وتهمتين بتزوير الحسابات على خلفية الخسارة التي تسبب فيها لمصرف «يو بي إس» السويسري العملاق، الذي كان يعمل به، والتي تبلغ قيمتها مليارا دولار. ارتدى أدوبولي سترة زرقاء فوق قميص أبيض وبدا متوترا خلال ظهوره لمدة قصيرة في إحدى قاعات محاكم لندن أول من أمس (الجمعة). وكان يتصبب عرقا، لكنه ابتسم قليلا في وجه الصحافيين. ولم يقدم التماسا ورفض محاميه التعقيب.

يعود تاريخ التهم الخاصة بالتزوير الموجهة إليه إلى شهر أكتوبر عام 2008 في خضم الأزمة المالية وبعد نحو عامين من توليه منصب المتداول بمصرف «يو بي إس». وتثير التهمة بشأن الاحتيال الذي مارسه أدوبولي لسنوات أسئلة محرجة حول ضوابط وإشراف المصرف. بعد خفض القيمة الدفترية بما يزيد على 50 مليار دولار في الرهون العقارية المعدومة ذات سعر فائدة مرتفع، تعهد أوزوالد غروبل، الرئيس التنفيذي لمصرف «يو بي إس»، عندما تولى المنصب عام 2009، بتحسين إدارة المصرف للمخاطر.

وصرحت كل من هيئة الخدمات المالية في بريطانيا، التي تقابل لجنة الأوراق المالية والبورصة في الولايات المتحدة، وواضعي الضوابط في السوق السويسرية، يوم الجمعة، بأنهما سيجريان تحقيقا في «إخفاقات المصرف الخاصة بالضوابط».

تقول ليندسي توماس، المديرة التنفيذية في شركة «ساستينابيل ريسكس» لاستشارات إدارة المخاطر، والمديرة السابقة لهيئة الخدمات المالية، في إشارة إلى عودة تاريخ تلك الممارسات المتهم بها أدوبولي إلى عام 2008: «يبدو أن هذا كان شكلا منهجيا للتعاملات».

وقبل أن يتولى أدوبولي منصب متداول المصرف، كان يعمل في مكتب المساندة الخلفي. ويشك المسؤولون التنفيذيون في المصرف بأن معرفته بأنظمة الكومبيوتر في المصرف فضلا عن لوائحه مكنته من التحايل على الضوابط الداخلية التي كانت تتيح رصد ما يقوم به، على حد قول أحد المصادر المطلعة. ورفض ممثلو مصرف «يو بي إس» التعقيب على الأمر.

واستمر مديرو المصرف في فحص عدد كبير من تعاملات أدوبولي بشكل دقيق على مدى نهاية الأسبوع الماضي التي بدأت كمعاملات عملاء خاصة بصناديق التحوط أو ذراع أخرى للمصرف، بحسب قول مصدر مطلع. ومن المتوقع أن يتم عمل تغييرات كبيرة جذرية في قيادات المصرف تصل إلى أعلى المستويات على خلفية هذه الفضيحة. وقد استقال جون هيوز، المدير المباشر لأدوبولي، مؤخرا، بعد انكشاف الممارسات الخاطئة المنسوبة إلى متداوله. ويحقق المصرف كذلك مع موظفين آخرين خاصة الذين كانوا يتولون الإشراف على أدوبولي.

ولدى مصرف «يو بي إس»، الذي يقع مقره في زيوريخ، آلية لاسترداد الأموال، وقال شخص يعرف ذلك الوضع لكن غير مصرح له بالحديث علنا، إنه من «المؤكد» أن يسعى المصرف إلى الحصول على تعويض من أدوبولي وعاملين آخرين في مصرف «يو بي إس». وسوف تؤثر أي مكاسب غير مشروعة حققها على علاوة نهاية العام المستحقة له.

كان أدوبولي مدير صناديق التداول المالية التي تحقق أرباحا كبيرة في «وول ستريت»، وكان يقوم بتعاملات خاصة بصناديق التداول المالية لصالح عملاء. لكن تفرض مؤسسات مثل «يو بي إس» قيودا وضوابط على هذا النوع من المعاملات.

وهو ما لم يكن يقوم به أدوبولي، بحسب ما قال مصدر مطلع غير مصرح له بالتحدث علنا. وقد عرض هذا المصرف إلى تقلبات كبيرة تتحدد بحسب اتجاه التداول بدلا من خفض المخاطر، رغم أن الأمر كان يسير لصالح أدوبولي أحيانا.

لكن خلال الأيام الماضية تم إعداد عدد من تعاملاته، التي كان كثير منها مشبوها، لتنتقل إلى جهة أخرى مما أثار تساؤلات مكتب المساندة الخلفي في مصرف «يو بي إس». وقضى أدوبولي، ابن أحد المسؤولين السابقين في الأمم المتحدة، سنوات طفولته في الانتقال حول العالم من غانا إلى إسرائيل قبل أن يستقر في مدرسة «كويكر» الداخلية في ويست يوركشاير بإنجلترا.

بعد دراسة علوم الحاسب والتخرج في جامعة نوتنغهام عام 2003، قبل أدوبولي العمل في مصرف «يو بي إس». وأصبح متداولا للمصرف عام 2006 وبزغ نجمه خلال الأزمة المالية التي هزت أركان المؤسسات المالية حول العالم ومنها مصرف «يو بي إس». لكن تكبد المصرف خسائر هائلة واتجه إلى فرض القيود في أنظمة مراقبة الالتزام بالضوابط. وعين المصرف في نهاية عام 2008 فيليب لوفتس، وهو من قدامى العاملين في مصرف «يو بي إس»، ليشرف على المخاطر. وقام المصرف العام الحالي بتعيين مورين ميسكوفيتش، الرئيسة السابقة لإدارة المخاطر في مؤسسة «ستيت ستريت كوروبوريشين»، في منصب مديرة المخاطر الجديدة خلفا للوفتس الذي أصبح الرئيس التنفيذي لـ«يو بي إس» في منطقة الأميركيتين.

لكن رغم الصرامة الزائدة، ازدهرت تعاملات أدوبولي، فمنذ عام 2008 إلى الأسبوع الماضي من المفترض أن عدد تعاملاته غير المحدودة كان لا يحصى، بحسب مصدر مطلع على تلك التعاملات رفض الكشف عن هويته.

كذلك بدت حياة أدوبولي الشخصية ناجحة، حيث كان يعيش في شقة ببناية فاخرة بالقرب من حي بريك لين الشهير الراقي منذ أربعة أشهر فقط. وكان الجيران يتذكرون الحفلات الصاخبة التي كان يقيمها بين الحين والآخر. وتقع الشقة، التي تشير السجلات العامة إلى أن إيجارها يتعدى الألف دولار في الأسبوع، على مقربة من مكتب «يو بي إس» في فينسبيري أفينيو وسط العاصمة البريطانية لندن. والمكتب عبارة عن كيان زجاجي ويشتبه أن يكون المكان الذي قام فيه أدوبولي بتعاملاته غير المشروعة.

جلس أدوبولي يوم الأربعاء في فترة ما بعد الظهيرة على مكتبه وكتب رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى عدد من العاملين في قسم مراقبة الالتزام بالضوابط في المصرف. ووصف مصدران مطلعان الرسالة بأنها «ذات طابع اعترافي». وقد كتب أنه ليس لديه المعلومات التي سألوه عنها وأخبرهم بتفاصيل تتعلق بما فعله. وسرعان ما تم إعادة إرسال الرسالة إلى القسم القانوني بالمصرف الذي أرسل بدوره فريقا صغيرا إلى شقة أدوبولي وأمطروه بوابل من الأسئلة لساعات طويلة أملا في معرفة المزيد. أما في المصرف، فقد بدأ العاملون يفحصون تعاملات أدوبولي وسرعان ما باتت الخسائر الهائلة التي تسبب فيها أدوبولي واضحة.

بدا كبار المسؤولين في مصرف «يو بي إس» في حالة من التأهب واتصلوا بواضعي الضوابط في بريطانيا وسويسرا. وغادر المحامون الممثلون لمصرف «يو بي إس» شقة أدوبولي في وقت متأخر من مساء يوم الأربعاء. كذلك أبلغ المصرف شرطة لندن التي ألقت القبض على أدوبولي في نحو الساعة الثالثة والنصف صباحا من يوم الخميس.

* ساهم كل من نيل ماكفاكور وعزام أحمد وجوليا فاديغير في إعداد هذا التقرير.

* خدمة «نيويورك تايمز»