الشركات الهندية الكبيرة تتجه للاستثمارات الخارجية

نفذت ما يصل إلى 289 عملية استثمار في الخارج مركزة على أفريقيا وأميركا

TT

يتجه كثير من الشركات الهندية المهمة إلى ضخ استثمارات كبيرة خارج الهند، ووفقا لما أفاد به المصرف الاحتياطي الهندي، فإن استثمارات الشركات الهندية خارج البلاد خلال عام 2010 - 2011 بلغت 44 مليار دولار، بزيادة غير مسبوقة قدرها 150 في المائة عن 18 مليار دولار خلال الأشهر الاثني عشر السابقة. وخلال الأشهر الأربعة الأولى (من أبريل/ نيسان حتى يوليو/ تموز) في العام المالي الحالي، بلغت قيمة الاستثمارات الخارجية المباشرة خارج الهند 13.26 مليار دولار.

وفي المقابل، بلغت الاستثمارات المباشرة التي قامت بها شركات أجنبية داخل الهند بين أبريل 2010 ومارس (آذار) 2011 ما قيمته 27 مليار دولار، بتراجع مقداره 25 في المائة عن النسبة المسجلة خلال العام السابق.

وقد ثبتت «تاتا» و«ريلانس إندستريز» أقدامهما في الأسواق الخارجية، التي تأتي منها أكثر من نصف عوائدها. وقامت «ريلانس إندستريز»، التي يرأس مجلس إدارتها الرجل الأغنى في الهند موكيش أمباني، باستثمار 5 مليارات دولار في أفريقيا والولايات المتحدة. ومن المتوقع أن تضاعف «ريلانس إندستريز» من استثماراتها في الخارج خلال أربعة أعوام.

وقامت «ريلانس - إيه دي إيه جي»، التي يديرها ابنه الأصغر أنيل أمباني، باستثمار 3 مليارات دولار عالميا خلال عام 2011، وكان من بينها استثمارات في مشروعات تعدين في إندونيسيا خلال 2011. ومن المتوقع أن ترتفع استثماراته الخارجية بمقدار أكبر من الضعف لتصل إلى 7 مليارات دولار بحلول 2015.

وقامت شركة الاتصالات الهندية الرائدة «بهارتي إيرتل» بإنفاق 8.2 مليار دولار من خلال الاستحواذ على عمليات شركة الاتصالات الشرق أوسطية «زين» في أفريقيا. واستثمرت «راتان تاتا»، التي جذبت مجموعتها 65 في المائة من عوائدها من خارج البلاد، أكثر من مليار دولار دوليا خلال العام الحالي. وستقوم مجموعة «إيسار» باستثمار 6 مليارات دولار في الخارج بحلول 2015.

ووفقا للبيانات الأخيرة الخاصة بالمصرف الاحتياطي الهندي، فقد نفذت الشركات الهندية ما يصل إلى 289 عملية استثمار في الخارج، وتصل قيمة الاستثمار المباشر الخارجي إلى 2.69 مليار دولار أميركي خلال يوليو 2011.

ولكن لماذا تذهب الشركات الهندية إلى الخارج، على الرغم من أن العوائد على الاستثمارات في الداخل أعلى بكثير؟

يرى راجيف كومار، عالم الاقتصاد والأمين العام لاتحاد الغرف التجارية والصناعية الهندي، أن التوسع العالمي يتجاوز كونه توسعا عاديا للعمل التجاري. ويضيف: «يمكن القول إن معدل العائد على الاستثمار في الهند أعلى من معدل العائد على الاستثمار في الخارج. ولذا لا بد من وجود أسباب غير ذلك عن تحول الاستثمارات إلى الخارج.» وثمة مشكلات في الداخل دفعت الشركات الهندية إلى الاستثمار في الخارج، حيث نشهد في الداخل ارتفاعا في معدلات الفائدة والتضخم ومنافسة شديدة في القطاعات المتنوعة، كما يوجد نوع من الجمود وفضائح فساد جعلت الحكومة الهندية في وضع الدفاع، ومثل ذلك كله عائقا أمام الاستثمار وأدى إلى تراجع في النمو الاقتصادي ودفع الكثير من الشركات الهندية إلى البحث عن فرص عمل في أماكن أخرى. وعلى الرغم من أن ضخ استثمارات في الخارج يؤدي إلى تنوع المخاطر ويفتح أسواقا جديدة، فإن تصدير رأس المال مع تراجع الوارد يحرم الاقتصاد الهندي من استثمار يمكن أن يمثل قيمة مضافة ويزيد من مشكلات تقف وراء معدلات التضخم وتقلبات النمو.

وكان ديباك بارخ، رئيس مؤسسة تمويل التنمية السكنية، محددا عند ذكره الأسباب التي تقف وراء هذا الارتفاع المفاجئ في الاستثمارات الخارجية للشركات الهندية. ويقول بارخ: «في الوقت السابق، بدا الاستثمار خارج البلاد نوعا من تنويع المخاطر، ولكن المأزق الحالي (في الإدارة) يجعل من الضروري بالنسبة إلى الشركات البحث عن أماكن أخرى.» ويضيف: «أعتقد أن سمعتنا كدولة للاستثمار تلقت ضربة بسبب وضعية الإدارة لدينا، ولا أعتقد أن هناك خلافا بشأن ذلك. يجب أن تتحمل الحكومة الهندية المسؤولية عن عجزها عن إيجاد مناخ جاذب للاستثمار». والأكثر أهمية من ذلك، كما يقول، يتمثل في قضايا الإدارة وسياسة الجمود التي تضرب اقتصادا «يتراجع بشكل واضح خلال الوقت الحالي.» لقد مضى عامان منذ انتخابات 2009، وعلى الرغم من وجود رئيس وزراء اقتصادي، فإن الحكومة عجزت عن تمرير أي تشريع إصلاحي. ويجري إعداد ثمانية تشريعات مهمة استعدادا لطرحها أمام البرلمان. وقد فقدت الحكومة مصداقيتها بعد الكشف المتتالي عن مخالفات اقتصادية، لا سيما في قطاع الاتصالات. ولا يقتصر الأمر على بعض المخالفات، حيث عُلقت بعض القرارات السياسية المهمة بسبب وجود بعض الوزراء غير المستعدين لتحدي سلطات رئيس الوزراء.

وقال الاقتصادي بيبك ديبروي، ملخصا مناخ العمل غير الجاذب: «تدخل الهند مرحلة تراجع. نحن نعود إلى نظام الرقابة. لا توجد قدسية للتعاقدات، ويمكن إلغاء التصريحات بعد ذلك. ويوجد مناخ فيه رقابة حكومية مبالغ فيها.» وكتب أنوبام غوبتا، المحلل لدى «إتش دي إف سي للأوراق المالية»: على الرغم من الفرص الكبيرة داخل الهند، فإن الشركات تتجه إلى الخارج على الرغم من أن ذلك يعود إلى طموحات عالمية للشركات الهندية. ويوجد سبب آخر وراء ذلك يتمثل في المناخ التنافسي المحتدم، الذي لم تلطف منه البيئة التنظيمية غير المتوقعة.» ويشعر المستثمرون الأجانب داخل الهند بالتردد في الدخول للأسواق الهندية بعدما رأوا مصير مشروع «بوسكو» لصناعة الصلب الكوري الجنوبي الذي أرجأ لستة أعوام ومشروع «فيدانتا للموارد» الذي تعرض لعمليات إرجاء كثيرة. ويقول براشانت رويا، الرئيس التنفيذي لمجموعة «إيسار»: «تأتي الموافقات سريعا في الخارج»، وفيما تنتظر محطة الكهرباء التابعة للمجموعة موافقات داخل الهند، تدرس المجموعة تنويع قاعدة أصولها خارج السوق الهندية. وقامت أخيرا بشراء معمل التكرير «ستانلو»، كما اشترت المجموعة منجم حديد خام في مينيسوتا داخل الولايات المتحدة ومنجم فحم في فيرجينيا الغربية ومصنع صلب في زيمبابوي.

ويوافق موكيش أمباني، رئيس مجلس إدارة «ريلانس إندستريز» على ذلك. ولا تزال صفقة قيمتها 7 مليارات دولار مع «بريتيش بتروليوم» أعلن عنها في فبراير (شباط) 2011 في انتظار الموافقة. وفي الوقت نفسه، تعاني الاستثمارات داخل الهند من معدلات الفائدة المرتفعة. وقد رفع المصرف الاحتياطي الهندي من معدلات الفائدة 10 مرات خلال العام الماضي، ورفع تكلفة القروض بمقدار 3 نقاط مئوية على الأقل. وسيبحث المستثمرون عن أسواق أخرى تدر لهم عوائد مناسبة، ولكنهم سيخلفون وراءهم ملايين من الهنود العاديين الذين يعتمدون على معدل النمو المرتفع والاستثمارات الجديدة في سعيهم للحصول على وظائف جديدة.

وفي دفعة كبيرة للترويج للشركات الهندية في الخارج، سمح المصرف الاحتياطي الهندي قبل شهرين للشركات الهندية والشركات المسجلة باستثمار 400 في المائة من صافي قيمة الشركات الأصلية في الخارج. ويمكنهم زيادة ذلك لأكثر من 400 في المائة بالحصول على موافقة مسبقة من المصرف الاحتياطي الفيدرالي.

وقد قرر المصرف الاحتياطي السماح للشركات الهندية المستثمرة في الخارج بإسقاط رأس المال ومستحقات أخرى مثل قروض ورسوم اكتساب المعرفة الفنية ورسوم إدارية متعلقة بهذه الأنشطة المشتركة والكيانات التابعة المملوكة بالكامل التي يكون لها فيها حصة نسبتها أكثر من 51 في المائة.