الاقتصاد العالمي بين تراجيديا إغريقية و«رقصة تويست» أميركية

مع قرع طبول التحذير من عودته إلى الركود

TT

لم يجد مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) من رد على القرع المدوي لطبول التحذير من مخاطر تباطؤ بل وحتى عودة الاقتصاد الأميركي إلى الركود ومعه الاقتصاد العالمي، إلا «عملية (رقصة!) تويست» تحفيزية لأول مرة منذ قيامه بعملية مماثلة منذ خمسين عاما. وفي إطار «عملية تويست» هذه، أعلن الاحتياط الاتحادي أول من أمس الأربعاء اعتزامه تحويل سندات الخزانة الحكومية الأميركية قصيرة الأجل إلى سندات طويلة الأجل في إطار الجهود الرامية إلى إنعاش الاقتصاد الأميركي المتعثر. وتبلغ قيمة هذه السندات 400 مليار دولار من بين محفظة السندات الحكومية الأميركية التي تصل قيمتها الإجمالية إلى 1.65 تريليون دولار.

ويعتزم البنك المركزي الأميركي بيع سندات الخزانة هذه التي تستحق السداد خلال 3 سنوات بنهاية يونيو (حزيران) المقبل، ، وشراء سندات تتراوح مدتها بين 6 و30 عاما بالقيمة نفسها.

وقال المجلس إن هذه الخطوة ستخفف الضغوط على أسعار فائدة السندات طويلة الأجل. غير أن هذه الخطوة قوبلت بكثير من التشكيك في مدى نجوعها في دعم الاقتصاد الأميركي.

وكان الاحتياط الفيدرالي الأميركي قام بعملية مماثلة ولأول مرة عام 1961 وأطلق على العملية اسم «دفقة أو وكزة» (NUDGE)، غير أن العملية سرعان ما اشتهرت باسم «عملية تويست» نسبة إلى رقصة « تويست» التي بدأت تشتهر حينها كالنار في الهشيم.

إعلان الاحتياط الأميركي عن عملية «تويست» أول من أمس إلى جانب إبقائها المتوقع على سعر الفائدة الرئيسية عند مستواه القريب من صفر في المائة، وهو المستوى المستمر منذ ديسمبر (كانون الأول) 2008، رافقهما تحذير صريح من أفق مظلم يواجه الاقتصاد الأميركي.

وقال مجلس الاحتياط في بيان له إنه يرى «مخاطر كبيرة تهدد الاقتصاد وتشمل الاختناقات في أسواق المال العالمية».

حبر بيان الاحتياطي الأميركي لم يكن ليجف، أول من أمس، حتى هوت أسعار الأسهم والنفط وازدادت سماء الاقتصاد العالمي تلبدا بسحب الشك.

تأتي خطوة «(رقصة!) التويست» للاحتياط الأميركي، الكوميدية الاستعارة، لكن التراجيدية المعنى، في وقت يتابع فيه العالم على المسرح الأوروبي ما يمكن تسميته بـ«التراجيديا الإغريقية» مع أزمة الديون اليونانية، التي تهدد ليس فقط أصحاب الأدوار الرئيسية في هذه التراجيديا في منطقة اليورو، إنما حتى المتفرجين المتابعين لتطوراتها بقلق في كل أنحاء العالم.

واللافت هنا أن الاتفاق الأوروبي على تأجيل مساعدة اليونان، التي تواجه خطر الإفلاس، من سبتمبر (أيلول) الماضي إلى أكتوبر (تشرين الأول) المقبل أثار انتقادات من أميركا، حيث حذر وزير الخزانة الأميركي تيموثي غايتنر، الذي شارك في اجتماع وزراء مالية أوروبا في مدينة فروتسلاف البولندية الأسبوع الماضي، من أن الانقسامات العميقة في بلدان منطقة اليورو حول أزمة الدين اليونانية تشكل «مخاطر كارثية» على الاقتصاد العالمي.

وجاء الرد الأوروبي سريعا على لسان جان كلود تريشيه مدير البنك المركزي الأوروبي، الذي دعا واشنطن بطريقة دبلوماسية إلى «الكنس» أمام باب بيتها أولا! ودعا ضمنيا «الجمل الأميركي» إلى تركيز نظره على «سنام» أزمته المالية الأكبر بدلا من محاولة توجيه الأنظار إلى «سنام» الأزمة المالية للجمل الأوروبي.

وصرح تريشيه ردا على غايتنر بأن «الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو معا، هما على الأرجح في وضع أفضل من اقتصادات دول كبرى أخرى متطورة».

لكن حتى وإن اختلفت أوروبا وأميركا حول سبل مواجهة أزمة الديون، فإنهما بالتأكيد متفقتان على أن مخاطرها المحدقة ليست عليهما فقط؛ بل على كل العالم.