ماذا لو تُركت اليونان تواجه مصير الإفلاس؟

«ميريل لينش» تقدر خسائر «بنوك اليورو» بأكثر من نصف تريليون دولار

رئيس الوزراء اليوناني جورج بابندريو أمام خيارات أحلاها مر (أ.ب)
TT

تباطؤ النمو الاقتصادي في جميع أنحاء أوروبا، وربما في الولايات المتحدة الأميركية، وخسائر فادحة للمصارف الأوروبية الكبرى، وانخفاض في أسواق الأسهم الأوروبية، وإجراءات مشددة على الائتمان، مما يجعل من الصعب على الكثير من المقترضين الحصول على قروض.. هذا هو المشهد الموجود اليوم.

ونتيجة لتنامي المخاوف من عدم قدرة اليونان على سداد الديون الحكومية، بدأ الاقتصاديون في وضع سيناريوهات لما سيترتب على ذلك. ولا يمكن لأي شخص، مهما كان، أن يجزم بما سيحدث، لكن دائما تؤدي الأزمات المالية إلى عواقب غير متوقعة.

ونتيجة لهذه المخاوف، تعمل اليونان، بالتنسيق مع دول أوروبية أخرى، على تجنب التخلف عن دفع الدين، وذلك من خلال تبني مزيد من التدابير التقشفية التي كانت قد وعدت بها في مقابل الحصول على المزيد من الأموال الأوروبية لإنقاذ البلاد من هذه الأزمة ومساعدتها على دفع الديون.

ومع ذلك، يرى بعض الاقتصاديين أن التخلف عن أداء الدين قد أصبح شيئا لا مفر منه، وأن ذلك قد يكون هو أفضل حل بالنسبة لليونان، على الرغم من أن ذلك سيؤدي إلى حدوث صدمة قصيرة الأجل في اليونان، وربما في أوروبا بأكملها، في نهاية المطاف. وبدأ الاقتصاديون يتساءلون عما إذا كانت عواقب التخلف عن أداء الدين أو إعادة هيكلة الديون بصورة أكثر راديكالية سوف تكون أسوأ بالنسبة لليونان من المسار البائس الذي تسير فيه البلاد في الوقت الراهن.

ومن شأن التخلف عن أداء الدين أن يعفي اليونان من ديون ضخمة لا يمكن أن تتحملها البلاد، بغض النظر عن مدى استمرارها في خفض الإنفاق الحكومي الذي تسبب، بالفعل، في انكماش اقتصادها.

في الوقت نفسه، ثمة خوف من المجهول خارج حدود اليونان. وتشير شركة «ميريل لينش» للخدمات التمويلية إلى أن الصدمة التي سيتلقاها النمو الاقتصادي في أوروبا – على الرغم من أنها لن تكون بنفس حدة الصدمة التي أعقبت الأزمة المالية عام 2008 – ستكون موجعة؛ حيث إنه من المتوقع أن ينكمش الناتج الإجمالي بنسبة 1.3% في عام 2012. وعلى الرغم من أن دولا أخرى قد تخلفت عن سداد ديونها السيادية في الآونة الأخيرة دون أن يتسبب ذلك في انتقال الأزمة إلى دول أخرى، فإن المحللين يرون أن الديون اليونانية تتجاوز مثل هذه الديون بكثير؛ لذا فإن النتائج ستكون أكثر خطورة.

جدير بالذكر أن مجموع الدين العام اليوناني قد وصل إلى نحو 370 مليار يورو، أو ما يعادل 500 مليار دولار، في حين أن ديون الأرجنتين، على سبيل المثال، كانت 82 مليار دولار عندما تخلفت عن سداد ديونها عام 2001، كما وصلت الديون الروسية إلى 79 مليار دولار عندما تخلفت روسيا عن سداد ديونها عام 1998. ويرى الاقتصاديون أيضا أن عدم قدرة اليونان على سداد ديونها سوف يضع مزيدا من الضغوط على إيطاليا التي تمثل ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو. وعلى الرغم من قدرة إيطاليا على سداد جميع ديونها، فإنها تناضل من أجل وضع تدابير للتقشف وإيجاد وسيلة لتحفيز النمو الاقتصادي. وعلاوة على ذلك، تصل الديون الحكومية الإيطالية إلى 5 أضعاف الديون اليونانية، ويمكن أن تتزايد المخاوف بشأن قدرة إيطاليا على الوفاء بالتزاماتها في حال تخلف اليونان عن سداد ديونها.

وفي مؤشر جديد على المتاعب التي تواجه إيطاليا، قامت وكالة «ستاندرد أند بورز» للتصنيف الائتماني بتخفيض التصنيف الائتماني لإيطاليا درجة واحدة من (A+) إلى (A)، وعزت ذلك إلى النمو الضعيف للاقتصاد الإيطالي والغموض السياسي الذي أثر بشدة على الاستقرار المالي. وقال بيتر بوفينغر، وهو خبير اقتصادي يقدم المشورة لوزارة المالية الألمانية: «ليست لدينا فكرة عن تأثير التخلف عن سداد الدين على البلدان الأخرى، لا سيما إيطاليا».

في الواقع، سيتوقف الأمر، في أعقاب تخلف اليونان عن سداد الديون بصورة جزئية، على قدرة الزعماء الأوروبيين على إقامة جدار لمنع عدم انتشار الأضرار على نطاق واسع. وعلى وجه الخصوص، يجب على آلية الاستقرار المالي الأوروبية، التي تبلغ 440 مليار يورو، أن تكون في وضع يمكّنها من شراء السندات الأوروبية وتقديم قروض عاجلة للدول التي تحتاج لضخ الأموال في المصارف التي تحتاج لرأس المال بشدة. وسيكون إنقاذ المصارف شيئا حاسما إذا تخلفت اليونان عن سداد الديون أو إذا أعادت هيكلة الديون بصورة كبيرة؛ حيث ستضطر المصارف إلى قبول خسارة أكبر على أرصدتها، مقارنة بالخسائر المعتدلة نسبيا، التي تبلغ 21%، والتي يطلب منها الآن قبولها كجزء من خطة الإنقاذ الثانية المقدمة لليونان في شهر يونيو (حزيران) بقيمة 109 مليارات يورو.

وقد أصدرت «ميريل لينش» تقريرا في الآونة الأخيرة عن تأثير عدوى انتقال الوضع في اليونان إلى البلدان الأوروبية الأخرى، وأظهر التقرير أن إجمالي خسائر المصارف الأوروبية قد يصل إلى 543 مليار دولار، وستكون المصارف الفرنسية والألمانية هي الأكثر تضررا؛ لأنها هي أكبر المصارف التي تستحوذ على الديون اليونانية.

وسيكون تخلف اليونان عن سداد الديون مكلفا أيضا للمصرف المركزي الأوروبي، وهو الكيان الأوروبي الذي يعادل الاحتياطي الفيدرالي. ولكي يكون المصرف المركزي الأوروبي قادرا على تقديم المساعدة لليونان، يتعين عليه شراء نحو 40 مليار يورو من السندات اليونانية بأسعار أعلى بكثير من أسعار التداول الآن. وإذا اضطر المصرف المركزي لتكبد خسارة كبيرة في السندات اليونانية، فسوف يكون بحاجة أيضا إلى ضخ رؤوس أموال جديدة به، وفي هذه الحالة، من المحتمل أن يقع العبء الأكبر على ألمانيا. ويقول محللون: إن خطورة الأزمة ستتوقف على ما إذا كانت اليونان ستبقى داخل منطقة اليورو أو ستضطر إلى تركها والعودة إلى الدراخما كعملتها الوطنية.

ويعرض ويليام بيوتر، وهو كبير الاقتصاديين في مؤسسة «سيتي غروب»، اثنين من السيناريوهات المحتملة للتخلف عن دفع الدين، يتمثل أحدهما في أن تجبر اليونان دائني القطاع الخاص على تحمل خسارة في السندات بنسبة تتراوح بين 60% و80%، لكنها ستنجح في البقاء داخل منطقة اليورو.

وهناك إحدى النقاط المجهولة التي تدور حول حقيقة أن اليونان – على عكس البلدان الأخرى التي تخلفت عن سداد ديونها في الماضي – لا تملك عملة خاصة بها. وقال بيوتر: إن النتيجة الأسوأ لتخلف اليونان عن سداد الديون ستحدث إذا قررت اليونان أو اضطرت إلى مغادرة منطقة اليورو. وأضاف بيوتر أن شطب الديون سيصل لنسبة 100%، وستكون العواقب أشد خطورة على الأسواق الدولية.

والشيء الوحيد الذي يمكن أن يعادل هذه المعضلة هو أن خروج اليونان من منطقة اليورو وإعادة تبني الدراخما سيمكِّن اليونان من تخفيض قيمة عملتها مقابل العملة في بقية أوروبا، وهو ما يساعدها على أن تكون أكثر تنافسية، وربما يؤدي ذلك إلى تحفيز النمو الاقتصادي.

أما بالنسبة للوقت الراهن، فيصر المسؤولون اليونانيون على استبعاد التخلف عن أداء الدين أو الخروج من منطقة اليورو أو تخفيض قيمة العملة. وقد أشار مسؤولون يونانيون إلى حقيقة أنه على الرغم من مشاكل العجز المالي في البلاد، فمن المرجح أن تكون اليونان قادرة، بحلول العام المقبل، على تحقيق فائض في الميزانية الأولية، وهذا يعني أنه سيكون هناك فائض بعد خصم معدلات الفائدة المرتفعة التي يتم دفعها على الدين. ودائما ما تتجه الدول إلى اتخاذ خطوة جذرية مثل قطع العلاقات مع المقرضين الدوليين فقط في حال قيامها باتخاذ إجراءات صارمة للتقشف بما يكفي لتحقيق فائض في الميزانية. وقد كان هذا هو الحال في معظم الحالات التي عجزت فيها الدول عن سداد ديونها، بما في ذلك الأرجنتين والإكوادور وإندونيسيا وجامايكا. وقال ديزموند لاشمان، وهو خبير اقتصادي سابق لصندوق النقد الدولي في معهد «أميركان إنتربرايز»: «أعتقد أنه من الأفضل أن تعلن اليونان عن عدم قدرتها على سداد الديون الآن؛ حيث لا يوجد احتمال بأنها ستكون قادرة على سداد ديونها. إذا كان يتعين على اليونان، العاجزة عن دفع ديونها، أن تقوم بإعادة هيكلة الديون، فيجب عليها أن تقوم بذلك الآن».

* خدمة «نيويورك تايمز»