المدير التنفيذي لـ«مبادلة للطيران»: سنصنع أول طائرة في أبوظبي بحلول 2018

حميد الشمري لـ«الشرق الأوسط»: نطمح لجعل أبوظبي مركزا عالميا لصناعة الطيران

حميد الشمري (تصوير: حاتم عويضة)
TT

في ركن من العالم العربي، وتحديدا في إمارة أبوظبي، شيء، ليس من المبالغة القول إنه استثنائي، بل وخارق للعادة، وحتى تاريخي يحدث. فخارج «الرادار» تفرد صناعة للطيران جناحيها للإقلاع في أبوظبي، وتستعد حتى للتحليق في 2018 بصناعة أول طائرة في المنطقة العربية. يشرف على هذا المسعى الرامي إلى جعل إمارة أبوظبي «مركزا عالميا» لصناعة الطيران المدير التنفيذي لشركة «مبادلة للطيران» حميد الشمري، الذي عندما تستمع إليه وهو يتحدث عن أهداف المشروع تتأكد لماذا اختير ضمن أكثر 500 شخصية تأثيرا في العالم العربي. غير أن المهندس حميد الشمري يؤكد لـ«الشرق الأوسط» بكل تواضع أنه يعمل ضمن مسعى شامل ورؤية أوسع، وأن «مبادلة للطيران» هي إحدى أذرع شركة «مبادلة» المملوكة لحكومة أبوظبي، التي تشمل أذرعا استثمارية في قطاعات أخرى، والتي أنشئت في 2008 ضمن «رؤية إمارة أبوظبي 2030»، التي تهدف إلى تنويع اقتصادها وتخفيض الاعتماد على قطاع النفط في اقتصاد الإمارة من نسبة 65 في المائة الحالية إلى 36 في المائة. ويشدد الشمري على أن هذه المقاربة تستمد فلسفتها من الرؤية الثاقبة لمؤسس دولة الإمارات الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

وتطمح «مبادلة للطيران» أن تكون شريكا ضمن فريق في قطاع الطيران التجاري، وفي المقابل أن تكون لاعبا رئيسيا ومنافسا عالميا في صناعة الطائرات الخاصة. وهي من الشركات النادرة التي تستطيع أن تجمع في غرفة واحدة شركات متنافسة في السوق مثل «بوينغ» و «إيرباص»، و«جي إي» و«رولزرويس». وهذا يرجع إلى الثقة التي تتمتع بها أبوظبي، وأمانها الاستثماري ونموذجها التجاري، كما يؤكد حميد الشمري، الذي التقته «الشرق الأوسط» في لندن، وفي مايلي نص الحوار:

* كيف جاءت فكرة الاستثمار في قطاع الطيران في أبوظبي عبر شركة «مبادلة للطيران».. ولماذا هذا القطاع؟

- شركة «مبادلة» عموما هي شركة مملوكة بالكامل لإمارة أبوظبي، ولديها هدفان رئيسيان؛ الهدف الأول هو تنويع مصادر الدخل في إمارة أبوظبي. والمعلوم أن دولة الإمارات مثل دول الخليج الأخرى تعتمد في اقتصادها على قطاع النفط والغاز. واليوم قطاع النفط والغاز يمثل نحو 65 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي في أبوظبي. وفي 2008، أصدرت إمارة أبوظبي «رؤية أبوظبي 2030». والرؤية كانت واضحة، والهدف محدد، وهو السعي لجعل مساهمة قطاع النفط والغاز في اقتصاد الإمارة بـ36 في المائة فقط، والباقي يجب أن يكون من مصادر دخل أخرى؛ سواء كانت من صناعات ثقيلة أو صناعات تكميلية أو صناعات خدمات أو صناعة سياحية.. وصناعة الطيران كانت واحدة من الصناعات المستهدفة ضمن هذه الرؤية.

* لماذا صناعة الطيران؟

- السبب بسيط؛ على مدى تاريخ دولة الإمارات كان لدينا قطاع طيران تجاري وعسكري قوي، فعندما نتحدث عن القوات المسلحة فعندنا نحو 450 طائرة من عدة مصنعين عالميين؛ سواء كانوا من أوروبا أو أميركا أو بعض الدول الآسيوية. ومنطقة الشرق الأوسط تستحوذ على 20 في المائة من مشتريات الطيران التجاري، ولدينا شركات طيران، مثل «طيران الإمارات» و«طيران الاتحاد» و«العربية». وبالتالي فإن هناك فرصة كبيرة للتغلغل في الطيران التجاري والعسكري. ولذا كانت النظرة: لماذا عدم الاشتغال حول هذا القطاع، والطموح هو جعل أبوظبي مركزا عالميا لصناعة الطيران؟

ولهذا كان الهدف هو جعل أبوظبي مركز صناعة طيران عالمي ينافس في صناعة الطيران، لكن مصدره أبوظبي. فقمنا بدراسة ما إذا كانت صناعة الطيران ستفي بمتطلبات إمارة أبوظبي من جانب تنويع مصادر الدخل، وتوفير فرص وظائف عالية الجودة لمواطني الإمارة والمقيمين فيها، والاعتماد على اقتصاد المعرفة. وهنا يجب القول إنه لا يمكنك فقط الاعتماد على اقتصاد يعتمد أساليب قديمة، إنما يجب الاعتماد على التكنولوجيا، فحددنا إيجابيات أبوظبي وكيف بإمكان أبوظبي أن تتغلب على بعض الدول الأخرى المنافسة في هذا المجال، فكان هناك 3 مميزات، وهي: أولا أن صناعة الطيران تعتمد على استثمارات كبيرة، والحمد لله أبوظبي عندها القدرة على تحمل استثمارات كبيرة إذا ما تطلب الأمر. النقطة الإيجابية الثانية لدى أبوظبي أن أجزاء كبيرة في صناعة الطيران تتطلب طاقة كبيرة، وأبوظبي عندها قدرة تنافسية على توفير أسعار طاقة منخفضة.. ليست مجانية إنما منخفضة، مقارنة بدولة مثل الصين، التي تستورد معظم طاقتها، أو الهند أيضا، وحتى أميركا وأوروبا.

الشيء الثالث أن صناعة الطيران فيها أجزاء تعتمد على المكننة والتصنيع الآلي ولا تتطلب يدا عاملة، وهذا بالنسبة لنا مهم جدا فالسكان الأصليون في الإمارات لا يمثلون في أقصى تقدير 18 في المائة من مجموع سكان الإمارات. مما يعني أننا لسنا في حاجة إلى صناعة تحتاج إلى مصانع بآلاف العمال. وأنا أعتقد أن هذه النقاط الثلاث تعطي ميزة تنافسية عالية لأبوظبي، ثم قمنا بتحديد أربع مجالات تحرك، وهي صيانة الطائرات التجارية والعسكرية، وصناعة أجزاء الطائرات من المواد المركبة، والتدريب بكل أنواعه، خاصة تدريب الطيارين، وأخيرا التصنيع الكلي للطائرات.

* التصنيع الكلي للطائرات سيكون بنهاية العشرية المقبلة.. فهل يعني ذلك صناعة أول طائرة في الإمارات، وتحديدا في أبوظبي؟

- نعم، بحلول عام 2018، ولكن ليس تصنيعا 100 في المائة لأنه لا أحد يصنع طائرة 100 في المائة، لكن سيكون هناك تصميم تطوير، وتجميع بعض الأجزاء.

* التركيز سيكون على صناعة الطائرات الصغيرة الخاصة برجال الأعمال «business Jets»؟

- الفكرة أنه إذا كان لديك هدف طموح، فإنه يجب أن يكون مدروسا بشكل جيد. ونحن لدينا شركة إيطالية لتصنع طائرات رجال أعمال اسمها «بياجيو» (piaggio)، ونحن نملك حصة بنحو 31 في المائة بالتشارك مع مجموعة «تاتا» الهندية، والمنظومة الاستثمارية لشركة «فيراري» الإيطالية.

الشراكة بهذه الصيغة تمكنك من التعاون مع «تاتا» في الهند وبالتنسيق مع الشركاء في إيطاليا، وشركاء آخرين في صناعة المحركات، وبإمكانك أن تصنع وتجمع طائرة أكبر تكون خاصة برجال الأعمال. في النهاية نحن لا نريد منافسة «بوينغ» أو «إيرباص» في صناعة الطائرات التجارية، وليس ذلك منطقيا، وليس من اهتماماتنا. إنما اهتمامنا هو أنه عندما تطلق «بوينغ» و«إيرباص» طائرات جديدة، نريد أن نكون شريكا رئيسيا بجزء كبير؛ من 10 في المائة إلى 20 في المائة من العملية الإجمالية، بحيث نشارك بالتمويل والتصميم وبالأبحاث والتطوير، وأيضا إدارة عقود الباطن، بمعنى أننا لا نصنع 20 في المائة كاملة، إنما نصنع أجزاء في الخارج؛ سواء في ماليزيا أو الهند أو البرازيل أو المكسيك أو أوروبا، ثم نجمعها ونوصلها لـ«بوينغ» أو «إيرباص»، هذا هو المخطط فيما يخص الطيران التجاري الكبير، يعني أننا نريد أن نكون شريكا رئيسيا لـ«بوينغ» أو «إيرباص» في البرنامج المقبل، إن شاء الله.

* هل الهدف أن تكونوا شركاء أو لاعبا ضمن فريق فيما يخص الطيران التجاري، وتكونوا لاعبا رئيسيا ومنافسا في قطاع الطيران الخاص برجال الأعمال؟

- نعم، بالضبط هذا هو الهدف.

* هل هذا التوجه للطيران الخاص له علاقة بمعدلات النمو التي يسجلها القطاع في منطقة الشرق الأوسط، والتي قدرت بـ25%؟

- هذا القطاع لا ينمو فقط في منطقة الشرق الأوسط، إنما في الهند والصين ومناطق أخرى في العالم. وهدفنا ليس منطقة «الشرق الأوسط» فقط، فمهما كان الطلب في المنطقة؛ فكم من طائرة ستصنع وتباع في الشرق الأوسط؟ هدفنا هو التنافس العالمي، ويجب أن يكون ذلك بالتعاون مع أحد الشركاء الرئيسيين مثل «تاتا»، «بياجيو»، «فيراري».. وشركات أخرى يمكن التعاون معها، مثل «داسو»، «غلف ستريم»، لأن مثل هذه الشركات متخصصة في هذه المجالات.

* هل يعني ذلك أن هدف «مبادلة للطيران» أن تكون لاعبا عالميا وليس إقليميا فقط؟

- نعم.. وخصوصية صناعة الطيران أنها صناعة صغيرة، فمهما كبرت فتبقى صغيرة، ولهذا ليس من مصلحتك أن تنافس محليا، إنما يجب أن تكون لك رؤية عالمية، وأن تتكون لك شراكات. وهدفنا هو تحقيق صناعة طيران عالمية مصدرها أبوظبي، وهذه هي رؤيتنا في وحدة «مبادلة» لصناعة الطيران.

* قطاع الطيران وإن كان يشهد نموا فإنه معرض لتقلبات.. هل أخذتم في عين الاعتبار هذا الجانب، خاصة في ظل الأوضاع المالية العالمية الحالية؟

- بالتأكيد، أخذنا هذا الجانب بعين الاعتبار، وربما لم يكن الكثير من الناس يتوقعون أن تؤثر أزمة مالية في قطاع البنوك والعقارات على قطاع الطيران في 2008. الآن كثير من الدول تراقب الوضع بنظرة أكثر تكاملية من قبل. وبالنسبة لنا فمن أجل تخفيض نسبة المخاطر التي نواجهها، فإننا نعتمد نظام الشراكة مع شركات رئيسية ومصنعين رئيسين ومتعددين. ونحن اليوم الوحيدون، الذين لنا شراكة مع «بوينغ» و«إيرباص» و«جي إي» و«رولزرويس»، وحتى مع المنافسين، مثل «امروك» لصناعة الطائرات العسكرية.

الفكرة عندنا أنه عندما تتنوع مصادر الدخل عندك، فإن تعرضك لمخاطر الهزات المالية يقل.

* يعني ذلك أنكم لا تريدون أن تضعوا بيضكم في سلة واحدة؟

- نعم، بالضبط، ثم هناك تنوع في نشاطنا بما في ذلك تدريب الطيارين.

* ما حجم استثماراتكم إلى الآن؟

- نحن في «مبادلة» لا نعلن مبالغ استثماراتنا، ولكن حجم استثماراتنا كبير، وإذا تبين لنا أي فرصة للاستثمار فسنقوم بذلك، وأعطيك مثالا؛ فقد اعتمدنا مثلا 500 مليون دولار للاستثمار في شركة أبوظبي لتقنيات الطيران وتطويرها، وعندنا استثمارات أخرى بـ500 مليون دولار مرصودة في شركة «استراتا» على ثلاث مراحل. وحتى قبل الاستثمار في «استراتا» كان لنا 3 عقود موقعة مضمونة على مدى 10 سنوات بمليار دولار مع «إيرباص»، وعقد بمليار دولار مع «ايلنا ايرونوتيك» الإيطالية، وعقد بـ700 مليون دولار من شركة «إي إف سي سي» في النمسا، أي المجموع 2.7 مليار دولار.

* أليس كثيرا على شركة «مبادلة للطيران» هذا التنويع في الاستثمار؛ في التدريب والصيانة والتصنيع؟ أم أنه طموح واقعي ومدروس؟

- نعم هو طموح كبير جدا، لكن أنت هنا لا تشير إلا إلى استثمارات وحدة «مبادلة للطيران»؛ فما بالك بالأذرع الأخرى لشركة «مبادلة» في الاستثمارات المالية والطاقة والرعاية الصحية.

أنت تتحدث اليوم عن استثمارات دولة واستراتيجية دولة، وليس شركة تجارية بسيطة.. أنت تتكلم عن تغيير في استراتيجية دولة ورؤية تمتد إلى 2030.. نحن اليوم في 2011 وتتبقى 19 سنة لتحقيق أهداف الخطة، ولهذا فنحن بحاجة إلى استثمارات كبرى.

* لكم شراكات مع «بوينغ» و«إيرباص» و«رولزرويس» و«جي إي»..؟

- هذه المقاربة مدروسة 100 في المائة، وأحد عوامل النجاح عندنا، وتقليل المخاطرة هو الاعتماد على الشركاء.. ونحن من الشركات النادرة التي تجمع في غرفة واحدة شركات متنافسة في السوق مثل «بوينغ»، و«إيرباص»، و«جي إي» و«رولزرويس». وهذا يرجع إلى الثقة التي تتمتع بها أبوظبي وأمانها الاستثماري ونموذجها التجاري.

* هل الجانب المالي مهم في تعاملكم مع هذه الشركات.. هل الأمان المالي الذي توفره «أبوظبي» يجذب هذه الشركات؟

- علاقتنا دائما تجارية بحتة مع هذه الشركات، ولا نتعامل معها من منطلق أن حكومة أبوظبي تدعمنا. و«مبادلة» شركة تجارية ذات هدف استثماري ربحي ومستدام. وإذا كنا لا نستطيع تحقيق هذه المعادلة، فلا ندخل في أي شراكة. فنحن غير معنيين باستثمارات تصب عليها الحكومات أموالا، وليس لها أي مردود.

* ماذا عن موضوع نقل التكنولوجيا؛ ألا يثير هذا مخاوف الشركات الشريكة لكم، خاصة الغربية؟

- نحن في نموذج تعاملنا مع هذه الشركات لسنا معنيين أو مهتمين بالتكنولوجيا السابقة، أي تكنولوجيا العشر سنوات الماضية، إنما تكنولوجيا العشر سنوات المقبلة. فنحن ننطلق من تعاون يخدمنا ويخدم شركاءنا للسنوات العشر المقبلة. ونحن نؤكد دائما على المشاركة في التطوير والتخطيط والرؤية.

وفي هذا الجانب العالم ينظر لنا بأقل ريبة مقارنة بالصين مثلا.

* ما علاقتكم بالأذرع الأخرى لشركة «مبادلة»؛ كالصحة والطاقة؟

- علاقة تكاملية واعتمادية كبيرة بيننا، فعندما يريد قطاع الطيران في «مبادلة» مثلا التحول إلى الوقود الحيوي؛ فعلى من نعتمد؟ بالتأكيد على «مصدر»، أو مثلا إذا كنا محتاجين في «مبادلة للطيران» إلى اتصالات على طائراتنا، فسنعتمد على قمر صناعي للاتصالات.. والأمر ينسحب على قطاع الصحة. وكذلك عن الطاقة، فيمكن الاعتماد على «دولفين» لتوفير طاقة.

وهذا التعاون أحد أساليب تقليل المخاطر وتنويع مصادر الدخل في «مبادلة» نفسها. وفي هذا الجانب، فإذا حدثت أزمة في قطاع الطيران العالمي، لا قدر الله، فبإمكانك الاعتماد على قطاع النفط، أو قطاعات أخرى. وحتى من الناحية الإدارية، فإننا ضمن إدارة واحدة وفريق عمل واحد.