اليونان على شفا الإفلاس.. ومنطقة اليورو تتجه لاعتماد خطة الإنقاذ الثانية

وسط اقتراحات بمضاعفة برنامج الاستقرار إلى تريليوني يورو وإعفاء 50% من الديون

TT

قبل تصويت النواب الألمان يوم الخميس على الإجراءات المتفق عليها في يوليو (تموز) من جانب قادة منطقة اليورو، أفادت تقارير حول اجتماع عقد في واشنطن مطلع الأسبوع لمسؤولين ماليين (وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية) في دول مجموعة العشرين التي تضم كبرى الاقتصادات المتقدمة والصاعدة في العالم، بأن صناع السياسة في أوروبا يبحثون مجموعة أخرى من الإجراءات للتصدي للأزمة.

وقد تشمل هذه الإجراءات زيادة قيمة برنامج الاستقرار بـ4 أمثال لتصل إلى نحو تريليوني يورو، فضلا عن شطب 50 في المائة من ديون أثينا وإعادة رسملة البنوك. وكانت أسواق الأسهم العالمية انتعشت هذا الأسبوع على خلفية الآمال بأن زعماء أوروبا يعدون اتفاقا جديدة لمواجهة الأزمة قبل اجتماع قادة مجموعة العشرين في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وأكد رئيس الوزراء اليوناني، جورج باباندريو، أمس، الثلاثاء، أن بلاده تبذل «جهودا خارقة» لخفض ديونها، وذلك قبل اجتماعه بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لإجراء محادثات عاجلة حول معالجة أزمة منطقة اليورو.

وفي تصريحات أدلى بها في مؤتمر نظمه اتحاد الموظفين الألمان هاجم باباندريو منتقدي اليونان، قال إن استهداف أثينا «بالعقاب والازدراء» ليس بناء. وأضاف: «إذا اقتصرت المشاعر على العقاب والازدراء، فإن هذه الأزمة لن تصبح فرصة بل ستصبح قضية خاسرة. ونحن مصممون على تحقيق النجاح».

وأكدت ميركل بدورها أمام المؤتمر أن الأزمة ليست بسبب العملة المشتركة (اليورو) ولكن بسبب الدين الهائل الذي يرزح تحته عدد من الدول الأعضاء في منطقة اليورو. وقالت ميركل: «نحن لا نعاني من أزمة يورو، ولكن من أزمة ديون». وأكد باباندريو أن السخرية من اليونان ومعاقبتها «يتسببان في مشاعر الإحباط على المستوى السياسي، حيث تبذل جهود خارقة لتحقيق الأهداف الصارمة، كما يتسببان في إحباط لدى اليونانيين الذين يقدمون هذه التضحيات المؤلمة ويطبقون التغييرات الصعبة».

إلا أنه أضاف أن «إجراء هذه التغيرات الكبيرة سيستغرق أعواما»، مضيفا: «نحن لا نطلب سوى احترام هذه الحقائق». وتأتي تصريحات باباندريو وسط تزايد التكهنات بأن اليونان قد تعلن إفلاسها مع اقتراب موعد الدفعة الثانية من مساعدات الدين المقررة بموجب صفقة الإنقاذ التي أبرمتها مع الاتحاد الأوروبي في مايو (أيار) الماضي، وفي حين يقوم مسؤولو صندوق النقد الدولي بمراجعة الأوضاع المالية للبلاد.

وتقول أثينا إن هذه الدفعة التي تبلغ قيمتها 8 مليارات يورو (11 مليار دولار) ضرورية لكي تستمر في دفع فواتيرها.

وأكد وزير المالية اليوناني، إيفانغيلوس فينيزيلوس، أمس، الثلاثاء، في أثينا، أن الفواتير ستدفع «في موعدها» في أكتوبر (تشرين الأول)، مكررا التطمينات بأن بلاده لن تعلن إفلاسها. وأضاف: «سيتقرر (الإفراج عن الدفعة المالية) في أكتوبر، وسيتم تحديد الإنفاق في الوقت المحدد وطبقا لاحتياجاتنا». ويقول مسؤولون إن اليونان قد تعلن عن عدد من صفقات الخصخصة هذا الأسبوع مع تزايد الضغوط على البلد الذي يرزح تحت ديون ثقيلة من الدائنين الذين يطالبونه بتحقيق أهداف مالية صعبة. وأكد باباندريو: «أستطيع أن أضمن أن اليونان ستفي بجميع التزاماتها. وأعدكم بأننا، نحن اليونانيين، سنكافح ونعود إلى تحقيق النمو والازدهار بعد هذه الفترة المؤلمة». وأشار إلى أن القرارات التي اتخذها القادة الأوروبيون في 21 يوليو لتوسيع حجم صندوق الاتحاد الأوروبي للإنقاذ هي «خطوات في الاتجاه الصحيح» وستعطي اليونان «فسحة للتنفس» إلى حين تبدأ الإصلاحات في إعطاء ثمارها. وسجلت البورصات ارتفاعا كبيرا، أمس، الثلاثاء، بعد تزايد الآمال بأن يتمكن القادة الأوروبيون من السيطرة على الأزمة التي تهدد مشروع العملة الأوروبية الموحدة.

ولم يصادق سوى 8 من دول منطقة اليورو الـ17 على تأسيس الصندوق الذي تم الاتفاق عليه في قمة يوليو. وفي ألمانيا يتوقع أن يوافق البرلمان على خطة التوسيع التي تعتبر اختبارا سياسيا كبيرا لميركل وسط تهديدات من ائتلافها، اليمين الوسط، بالخروج من الائتلاف. وأكدت ميركل أن تمرير الخطة في البرلمان «مهم للغاية». ومع خطر إعلان اليونان إفلاسها وتباطؤ الاقتصاد الألماني فإن أنظار أوروبا والعالم تتوجه إلى برلين، أكبر قوة اقتصادية في أوروبا، لأخذ اليورو إلى بر الأمان.

ورفضت ميركل دعوات أوروبا بطرح خطط جديدة لتحفيز الاقتصاد لدعم الطلب وأن تعتمد الإنفاق وسيلة للخروج من الأزمة. وقالت: «هذه فكرة خاطئة»، مضيفة أنه لا يمكن حل أزمة الديون باستدانة المزيد من الأموال.

ونسبت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى مسؤولين أوروبيين قولهم إنهم يعملون على التوصل إلى خطة من شأنها زيادة أموال الإنقاذ، لكن ليس إلى الحد الذي كانت تسهم به تلك الدول. وكان رد فعل المسؤولين الألمان تجاه هذه الخطة المقترحة متحفظا، فهم يحاولون توجيه الرأي العام نحو إقرار خطة مساعدة بتمويل أقل وافقوا عليها في يوليو الماضي، ناهيك عن إقناعهم بمبادرات جديدة.

وفي الوقت الذي يعود فيه وزراء مالية الدول الأوروبية والمصارف المركزية بها إلى أوروبا بعد اجتماعات عقدوها في واشنطن نهاية الأسبوع الماضي، كانت الأسواق تتطلع إلى خطة تتمكن من منع مشاكل اليونان عن التأثير على باقي دول القارة وتضمن عدم وقوع إيطاليا أو إسبانيا ضحية لأزمة الديون. وارتفعت المؤشرات الرئيسية في البورصات الأوروبية يوم أول من أمس، الاثنين، ويعود ذلك إلى توقعات بالعمل على اتخاذ إجراءات حاسمة لحل المشكلة.

لن تغني زيادة تمويل خطة الإنقاذ عن الحاجة إلى عمل تغييرات أخرى مثل تقوية القطاع المصرفي وتحسين اتخاذ القرار من قبل الاتحاد الأوروبي، على حد قول نيكولاس فيرون، زميل مؤسسة «بروغيل» في بروكسيل، لكنه أوضح أن هذا سيساعد في تحقيق ذلك. ويوضح فيرون، الذي أدلى بشهادته أمام اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ بواشنطن الأسبوع الماضي بشأن أزمة الديون، قائلا: «لا أعتقد أن إجراء واحدا يمكن أن يحل المشكلة، لكنه يمكن أن يحدث فارقا في توجهات السوق».

على الجانب الآخر، يبدو أن فنلندا تقترب من حل هذا الجمود الذي يهدد تنفيذ خطة الإنقاذ المالي الحالية. وقال وزير الشؤون الأوروبية الفنلندي، ألكسندر ستاب، إن البرلمان الفنلندي سيقر الخطة التي وافق عليها القادة في يوليو الماضي. وتقترب فنلندا من التوصل إلى حل للخلاف الخاص بطلبها ضمانا مقابل منح اليونان المزيد من المساعدات. ويوضح الخلاف كيف يمكن للمعارضة السياسية في دولة من بين 17 دولة أوروبية تستخدم عملة اليورو أن تحول دون إقرار المبادرة. وقال ستاب في مكالمة هاتفية: «أثق في أننا سنمرر حزمة الإجراءات من البرلمان»، رافضا الإفصاح عن تفاصيل تسوية الخلاف الخاص بأمر الضمان.

وفي بروكسيل أكد المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، أماديو تراديو، أن المناقشات ستدور حول طريقة زيادة فاعلية خطة الإنقاذ المالي تحت اسم «تسهيل الاستقرار المالي الأوروبي». وأوضح أولي رين، مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الاقتصادية والنقدية، خلال اجتماعات في واشنطن، أن دول منطقة اليورو كانت «تفكر في زيادة تمويل» خطة الاستقرار، على حد قول تراديو. وقد شجع مسؤولون أميركيون على تبني هذا الخيار.

على صعيد منفصل، حاول القادة تبديد الشائعات بأن اليونان ومقرضيها ناقشوا إمكانية خفض المصارف قيمة ما بحوزتهم من سندات الحكومة اليونانية، ربما بنسبة 50 في المائة، من أجل تخفيف عبء الديون الملقى على كاهل الحكومة اليونانية بحيث يصل إلى مستوى يمكن السيطرة عليه.

وتظل هذه الخطوة جدلية، وقوبلت بمعارضة من المصارف الكبرى، وكذلك المصرف المركزي الأوروبي الذي يمتلك سندات حكومية يونانية تقدر قيمتها بـ60 مليار يورو أي بما يعادل 80.8 مليار دولار. وسوف يتطلب تخلف اليونان عن السداد التنسيق بين المصارف التي تمتلك حصصا كبيرة في الديون اليونانية في وضع خطة إنقاذ. وكما هو الحال غالبا، بدا الخلاف بين رؤى القادة الأوروبيين حول ما يتم مناقشته وعن احتمال دعم الاقتراحات، واضحا.

وقال مارتن كوتهاوس، المتحدث باسم وزير المالية الألماني، إن برلين لم تكن بحاجة إلى زيادة تمويل خطة الإنقاذ عن المقرر. وكانت هناك مخاوف من أن يعرض ضخ المزيد من الأموال التصنيف الائتماني لدول مثل فرنسا إلى الخطر من خلال زيادة التزاماتها المالية.

لكن لم يبد أن المسؤولين الألمان يعارضون زيادة تمويل خطة الإنقاذ من أجل تمويل ضمانات حكومتها. لقد أرادوا فقط تجنب أي مناقشة إلى أن يصوت البرلمان خلال الأسبوع الحالي على مقترح بزيادة حجم التمويل إلى 780 مليار يورو. والجدير بالذكر أن قادة الدول الأوروبية وافقوا في 21 يوليو على تلك الخطة. ويقول بعض المحللين إن هناك ضرورة لزيادة التمويل بمقدار الضعف أو 3 أمثال لإقناع الأسواق بأنها تستطيع التعامل مع أزمة أكبر.

وقال وزير المالية اليوناني، إيفانغيلوس فينيزيلوس، في معرض رده يوم أول من أمس، الاثنين، على الشائعات المستمرة التي تشير إلى تخلف اليونان عن السداد، إن هذا لن يحدث قريبا. وصرح الوزير يوم الأحد الماضي في واشنطن بأن العمل يجري على خطة الحكومة لمبادلة بعض السندات بأوراق مالية ذات أجل أطول.

وسوف يؤدي اتفاق مبادلة الديون إلى خسارة محدودة في القيمة الاسمية للسندات قدرها 21 في المائة. ويُنظر إلى هذا الاتفاق بأنه صفقة جيدة للمستثمرين لأنهم سيحصلون على أوراق أكثر ثباتا في المقابل. ولا يزال على الدائنين اليونانيين التأكيد على رغبتهم في المشاركة. ويريد واضعو السياسة وضع اليونان على الطريق نحو خفض ديونها إلى أقل من 100 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لها خلال العقد الحالي، بحيث تستطيع الاستغناء عن خطط الإنقاذ المالي التي يمولها دافعو الضرائب. وهناك أمل في أن يتحقق ذلك من خلال استعادة النمو الاقتصادي.

مع ذلك تبدو هذه السيناريوهات بعيدة المنال نتيجة الركود الذي وقعت فيه اليونان وإجراءات التقشف التي يطالبها بها الدائنون العالميون. ورفضت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، فكرة تخلف اليونان عن السداد، وصرحت في إحدى المقابلات التلفزيونية يوم الأحد الماضي بأن هذا من شأنه أن يحدث هزة في النظام المالي لا تقل عن أزمة انهيار مصرف «ليمان براذرز» عام 2008. وقالت خلال المقابلة التي أجرتها مع إذاعة «آر إيه دي»: «يمكننا اتخاذ الخطوات التي نستطيع التحكم بها». وأشارت إلى أنه إذا اقتربت اليونان من أزمة مالية ثانية، «فسيكون ذلك بسببنا نحن السياسيين».

وبحسب أحد الخيارات التي تمت مناقشتها، سوف يتيح تمويل خطة الإنقاذ احتواء الخسائر التي تكبدها المصرف المركزي الأوروبي بسبب شرائه سندات الحكومة اليونانية فضلا عن سندات حكومية أخرى على حد قول أحد المسؤولين في الاتحاد الأوروبي الذي رفض ذكر اسمه بسبب حساسية الموضوع. وقال أحد المسؤولين إنه لا يوجد نموذج له الأفضلية، ولا يزال غير واضح بعد ما إذا كان من الممكن اتخاذ هذه الخطوات دون إجراء تغييرات قانونية. ويقول بعض المسؤولين إنهم يعتقدون أن اتخاذ هذه الخطوات قد يكون أمرا عسيرا من الناحية الدستورية، خصوصا في ألمانيا. وقال المسؤول في الاتحاد الأوروبي: «يمكن أن تتطلب زيادة تمويل الخطة تعديلا للاتفاق».