مطالبة «بنك أوف أميركا» بدفع تعويضات بقيمة 50 مليار دولار

تخص إخفاء خسائر مالية في صفقة شراء مصرف «ميريل لينش»

TT

يعاني «بنك أوف أميركا» من مشكلات كبرى جراء الأزمة المالية العالمية، ولعل أهمها تلك الدعوى القضائية المرفوعة من قبل المساهمين في البنك بسبب استحواذه على مصرف الاستثمار «ميريل لينش» للخدمات التمويلية في أعقاب الأزمة المالية العالمية في عام 2008.

وتقول الدعوى إن «بنك أوف أميركا» ومسؤوليه التنفيذيين، بمن في ذلك رئيسه التنفيذي السابق كينيث لويس، قد فشلوا في الكشف عن خسارة «ميريل لينش» لمبلغ 15.31 مليار دولار خلال الأيام التي سبقت والتي تلت عملية الاستحواذ. ويؤكد المدعون أنه لم يتم الكشف عن هذه الخسارة الكبيرة حتى لا يقوم مساهمو البنك بالتصويت ضد الصفقة. وكان «بنك أوف أميركا» قد أعلن عن هذه الخسارة بعد استحواذه على شركة «ميريل لينش». وفي الوقت نفسه، كشف البنك أيضا عن خطة حكومية بقيمة 20 مليار دولار لإنقاذه من الإفلاس، بعد أن هبط سهم البنك بأكثر من 60 في المائة خلال أسبوعين، وهو ما أفقده أكثر من 50 مليار دولار من قيمته السوقية.

وبالإضافة إلى ذلك، تم رفع دعوى قضائية أخرى من قبل لجنة الأوراق المالية والبورصات، تفيد بأن «بنك أوف أميركا» وكينيث لويس والمسؤول المالي السابق جوزيف برايس قد قاموا بتسوية 150 مليون دولار. وقد وافق قاضي المحكمة الفيدرالية في مانهاتن على الصفقة، لكنه قال إنها لم تعاقب الأفراد المعنيين بما فيه الكفاية. وقام «بنك أوف أميركا» بدفع هذا المبلغ من دون إلقاء المسؤولية على لويس أو برايس. ووصف القاضي الحكم بأنه «عدالة غير مدروسة جيدا في أحسن الأحوال». وربما تتحقق رغبة القاضي في فرض مزيد من العقوبات، حيث تلقى مكتب النائب العام في نيويورك دعوى قضائية بشأن هذه المسألة. والأهم من ذلك أنه قد تم رفع دعوى قضائية للمطالبة بتعويضات تبلغ نحو 50 مليار دولار من قبل بعض من أكبر شركات المحاماة، وتقوم المحكمة الفيدرالية في مانهاتن بدراسة هذه الدعوى.

ويؤكد المدعون أن «بنك أوف أميركا» قد شارك بشكل متعمد في خداع مساهمي البنك. ويقول المدعون إن مديري الإدارة العليا للبنك، بمن في ذلك لويس وبرايس، قد بدأوا يدركون الخسائر الكبيرة لشركة «ميريل لينش» في أوائل شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2008، أي قبل أشهر من انتهاء الصفقة.

والتقى برايس بالمحامي العام للبنك، تيموثي مايوبولوس، لمناقشة ما إذا كان يجب الكشف عن الخسارة - التي وصلت إلى نحو 5 مليارات دولار في ذلك الوقت – لمساهمي «بنك أوف أميركا»، أم لا. وخلال شهادته أمام مكتب المدعي العام في نيويورك، قال مايوبولوس إنه كان مع الكشف عن تلك الخسائر في بادئ الأمر، لكنه قرر عكس ذلك. وكانت مؤسسة «ميريل لينش» تخسر ما يتراوح بين 2.1 مليار دولار و9.8 مليار دولار على أساس ربع سنوي خلال الأزمة المالية، ولذا كانت هذه الخسارة متوقعة من جانب مستثمري «ميريل لينش» و«بنك أوف أميركا». وحاول كل من برايس وغيره من كبار المسؤولين التنفيذيين في «بنك أوف أميركا» عدم الكشف عن حجم تلك الخسائر، كما حاول برايس على وجه التحديد تضليل مايوبولوس الذي قال في شهادته إن برايس قد أخبره في الثالث من شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 2008 بأن الخسارة تقدر بـ7 مليارات دولار.

وقال مايوبولوس مرة أخرى إن الكشف عن الخسائر لم يكن ضروريا، في حين أكد المدعون أن برايس قد ضلل مايوبولوس لأن الخسائر في تلك الفترة كانت قد تعدت 10 مليارات دولار.

وكان مساهمو «بنك أوف أميركا» قد صوتوا في الخامس من ديسمبر على استحواذ البنك على مؤسسة «ميريل لينش»، ولكن لم يكن المساهمون يعرفون حجم الخسارة الهائلة التي كانت تعاني منها مؤسسة «ميريل لينش» والتي وصلت الآن إلى 11 مليار دولار. وقال مايوبولوس إنه فوجئ بهذا الرقم عندما علم به في التاسع من شهر ديسمبر خلال اجتماع مجلس الإدارة. وقرر مايوبولوس مقابلة برايس والدخول معه في مناقشة حول هذه الخسارة، لكنه فصل من العمل في اليوم التالي.

وتم الانتهاء من استحواذ البنك على «ميريل لينش» في الأول من شهر يناير (كانون الثاني) عام 2009. وبعد ذلك بأسبوعين، كشف «بنك أوف أميركا» لأول مرة أن شركة «ميريل لينش» قد تعرضت لخسارة صافية بعد خصم الضرائب تقدر بـ15.31 مليار دولار.

وفي دفاعه عن تلك الصفقة، قال «بنك أوف أميركا» إن المبلغ الدقيق للخسارة كان غير مؤكد خلال تلك الفترة. وعلاوة على ذلك، لم يكن الكشف عن تلك الخسارة شيئا ضروريا لأن الخسائر التي كانت تتكبدها «ميريل لينش» كانت في حدود الخسائر السابقة، كما تم شطب نحو ملياري دولار كان قد تم الكشف عنها في وقت سابق. ولكن إذا تبين أن برايس قد قام، بموافقة لويس، بإخفاء هذه المعلومات على مايوبولوس حتى لا يتم الكشف عن هذه الخسائر، فيعد هذا سببا كافيا لرفع دعوى قضائية بالاحتيال. والسؤال الآن هو: هل صوت مساهمي «بنك أوف أميركا» ينادي بالموافقة على هذه الصفقة؟ إذا كانت الإجابة بالنفي، فمن الصعب أن نرى ذلك على أنه أي شيء آخر غير كونه معلومات أساسية في القضية.

ويملك المدعون في هذه القضية فائدة إضافية من ارتباط هذا الادعاء بتصويت المساهمين، حيث إنه من الأسهل إثبات أن عملية الاحتيال ترتبط بتصويت المساهمين. ومن السهل جدا إثبات هذه الحالة، كما أن التعويضات المحتملة ستكون هائلة. ويتم حساب التعويضات في مثل هذه الحالات من خلال النظر إلى المبلغ الذي تمت خسارته نتيجة لعملية الاحتيال في الأوراق المالية. وستقوم المحكمة على الأرجح بحساب ذلك عن طريق الرجوع إلى المبلغ الذي تراجعت به أسهم «بنك أوف أميركا» بعد الإعلان عن الخسائر، وهو ما يصل إلى 50 مليار دولار، وهو ما يعد بمثابة حلم لمحامي المدعين.

ويواجه «بنك أوف أميركا» مسؤولية ضخمة في هذه الدعوى، كما أنه يواجه المزيد من المسؤوليات حتى بالنسبة لأولئك الذين قاموا بشراء وبيع الأسهم خلال هذه الفترة وحتى الخامس عشر من شهر يناير. وفي الحكم الصادر بتاريخ 29 يوليو (تموز)، سمح القاضي باستمرار هذه الدعاوي ضد «بنك أوف أميركا» وكل من لويس وبرايس. وكان القاضي قد قال إن المحكمة سوف تواصل دراسة الدعوى القضائية ذات الصلة بالتصويت بالوكالة. وتسير هذه القضية بشكل سريع نسبيا، وسوف يتم النطق بالحكم فيها في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2012. وسوف يحاول «بنك أو أميركا» تسوية الدعوى القضائية التي تطالب بتعويضات تبلغ 50 مليار دولار، وفي هذه الحالة أيضا سيتعين عليه دفع مليارات الدولارات لتسوية هذه القضية. إن فصل الشاهد الرئيسي - وهو مايوبولوس - وطرده من الشركة، سوف يزيد من التكلفة التي سيتحملها البنك بكل تأكيد.

وتظهر هذه القضية كيف يمكن استكمال الإجراءات التنظيمية من خلال اتخاذ إجراءات خاصة. وإذا ما كان النصر حليف المدعين في هذه القضية، فستكون هذه الحالة بمثابة حدث نادر جدا للمديرين والموظفين، لا سيما لويس وبرايس، اللذين يتعين عليهما دفع مبالغ مالية كبيرة من حسابهما الخاص لتسوية هذه القضية. وفي حال حدوث ذلك، فإن الرجلين سينضمان إلى عدد قليل نسبيا من المديرين التنفيذيين الذين تم عقابهم بصورة شخصية من الأزمة المالية. ومهما تكن نتائج هذه القضية، يبدو أنه قد تمت التضحية بمساهمي «بنك أوف أميركا» في ديسمبر 2008 حتى يتم الانتهاء من صفقة الاستحواذ على «ميريل لينش». والآن، فإن «بنك أوف أميركا» هو الذي سيدفع الثمن.

* خدمة «نيويورك تايمز»