«الاحتياط الأميركي» على أهبة الاستعداد لإنقاذ البنوك الأوروبية

ربما يعود إلى موقع «المقرض الأخير» لأوروبا على الرغم من الانتقاد الألماني لواشنطن

واجهة مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن
TT

بينما حذر «بنك إنجلترا»، البنك المركزي البريطاني، في اجتماعه الأخير في 20 سبتمبر (أيلول) الماضي من أزمة سيولة في البنوك ودعاها إلى التحوط نقديا لمواجهة احتمالات انفجار قنبلة اليورو، يقف بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي على أهبة الاستعداد للعب دور المقرض الأخير للبنوك التجارية الأوروبية. وعلى الرغم من الخلاف المستعر بين برلين وواشنطن حول خطة إنقاذ اليونان والانتقاد اللاذع الذي وجهه وزير المالية الألماني لفكرة مضاعفة صندوق الاستقرار المالي الأوروبي إلى تريليوني دولار التي قدمتها واشنطن - فإن أوروبا بحاجة حقيقية إلى واشنطن لإنقاذها من أزمة الديون التي تحولت إلى أزمة بنوك. وكان بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي قد قاد قبل أسبوعين 4 بنوك مركزية على رأسها «المركزي الأوروبي» لإنقاذ البنوك التجارية في منطقة اليورو من أسوأ أزمة سيولة تواجهها في تاريخها القريب. ومن المحتمل أن تحتاج البنوك التجارية الأوروبية لمساعدة «بنك الاحتياط» خلال الأسابيع المقبلة إذا لم تتمكن الخطط المطروحة من حل كارثة الديون الأوروبية. ومنذ الأزمة المالية العالمية التي كادت تفلس بالعالم، لولا أن «بنك الاحتياط» الأميركي ضخ أكثر من 3 تريليونات دولار في البنوك العالمية، يعود بنك الاحتياط الفيدرالي مجددا ليصبح «مقرض الملاذ الأخير» في العالم. فبعد ثلاث سنوات من انهيار مصرف «ليمان براذرز هولدينغز إنك»، تشهد معدلات الاقتراض بالدولار في سوق المال ارتفاعا، مما سيؤدي بمصرف الاحتياط الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي إلى توفير الدولارات للمؤسسات الأوروبية لمدة ثلاثة أشهر. ويذكر أن أسواق المال الأميركية الرئيسية قللت حجم تعاملاتها من الودائع المصرفية الخاصة بمنطقة اليورو والأوراق التجارية، أو سندات الائتمان قصيرة الأجل، إلى 214 مليار دولار في أغسطس (آب) بدلا من 391 مليار دولار في نهاية العام الماضي، بحسب بيانات «جي بي مورغان تشيس آند كو». ويضع عجز القيادات المالية العالمية عن معالجة نقص التمويل الخطير في البنوك الأوروبية الذي جعلها تعتمد على التمويل قصير الأجل «مصرف الاحتياط الفيدرالي في موقف حرج»، هذا ما قالته كارين شو بيترو، الشريك المدير في «فيدرال فينانشيال أناليتيكس»، شركة البحوث الرقابية الكائنة في واشنطن. وقالت شو تعتبر المقايضات مع أوروبا «لعبة سياسية مفيدة جدا» بالنسبة لمن يوجهون انتقادات لمصرف الاحتياط الفيدرالي.

وتأتي حاجة مد أوروبا بالتمويل في الوقت الذي يواجه فيه البنك المركزي الأميركي بالفعل انتقادات بسبب سياسة التحفيز النقدي غير المسبوق الذي نفذه لإنقاذ الاقتصاد الأميركي من براثن الركود. وكتب قادة جمهوريون من بينهم النائب جون بوينر عن ولاية أوهايو والسيناتور ميتش ماكونيل من ولاية كنتاكي إلى رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، بين بيرنانكي، ومجلس المحافظين يوم 19 سبتمبر (أيلول) خطابا يطلبون فيه «معارضة أي تدخل استثنائي إضافي في الاقتصاد الأميركي». وقد انتقد نائب الكونغرس رون بول، وهو نائب جمهوري من تكساس يرغب في القضاء على مصرف الاحتياط الفيدرالي، والسيناتور برنارد ساندرز، النائب المستقل عن ولاية فيرمونت، مقالات انتقدا فيها القروض المقدمة من المصرف للمؤسسات الأجنبية. وقال إدوارد رويس من كاليفورنيا، ثالث أكبر المسؤولين الجمهوريين بلجنة الخدمات المالية التابعة للكونغرس، «لقد حقق مصرف الاحتياط الفيدرالي أرباحا من معظم استثماراته على مر السنين، لكن زيادة حجم تعاملاته وتعاملات الحكومة الأميركية مع البنوك الأجنبية ينذر بمخاطر معنوية». وأضاف: «نحن نحفز أسواق المال الأميركية بشكل فعال على الاستمرار في تمويل هذه البنوك». هذا وقد بدأ ينفد صبر المشرعين الأميركيين بشأن عمليات التمويل المفاجئ بالدولار للبنوك الأجنبية. «وتعتمد المؤسسات المالية بشكل مبالغ فيه على المستثمرين في سوق المال قصيرة الأجل، الذين يتفادون أي تعاملات مع البنوك مع ظهور أولى علامات الخطر»، هذا ما قاله ويليام سي دادلي رئيس فرع مصرف الاحتياط الفيدرالي في نيويورك، يوم 23 سبتمبر (أيلول) في سياق كلمة ألقاها في واشنطن. وأشار إلى أن المراقبين يفتقرون أيضا إلى إمكانية الوصول إلى البيانات الخاصة بعمليات المؤسسات الأجنبية في الولايات المتحدة التي من شأنها أن تسمح لهم بـ«اتخاذ قرارات مستنيرة حول مدى كفاية رأس المال ومخزون السيولة الخاصة بتلك الشركات».

ويهرب المستثمرون من البنوك الأوروبية مدفوعين بمخاوف من تكبد البنوك خسائر ضخمة في حال ما إذا عجزت إحدى دول منطقة اليورو مثل اليونان عن سداد ديونها. وقد ولدت أزمة الدين في أوروبا مخاطر ائتمانية تقدر بـ300 مليار يورو (408 مليارات دولار) بالنسبة للبنوك في منطقة اليورو ، حسب ما أشار صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي. وفي مقابل اليورو، تتجه قيمة الدولار نحو أعلى ارتفاع شهري لها منذ نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، مع عجز صناع السياسة الأوروبيين عن احتواء أزمة الدين السيادي في منطقتهم. وقد شهد اليورو تغييرا طفيفا اليوم بقيمة 1.3575 دولار الساعة 3:11 مساء في طوكيو. وارتفع سعر الفائدة السائد بين المصارف في لندن والذي تقول البنوك إن بإمكانها الاقتراض على أساسه لمدة ثلاثة أشهر بالدولار لليوم الثالث عشر في 27 سبتمبر ليصل إلى 0.36522 في المائة، بدلا من 0.36278 في المائة في اليوم السابق، بحسب بيانات من جمعية المصرفيين البريطانيين. وقام البنك المركزي الأوروبي يوم 15 سبتمبر بتنسيق جهوده مع مصرف الاحتياط الفيدرالي وبنوك مركزية أخرى من أجل تقديم قروض بالدولار أجلها ثلاثة أشهر للبنوك لضمان امتلاكها السيولة الكافية حتى نهاية العام. ولا تحمل تعاملات المقايضة التي يديرها مصرف الاحتياط الفيدرالي أي مخاطر مرتبطة بالتعامل في العملات الأجنبية أو مخاطر ائتمان نظرا للضمانات التي يمنحها البنك المركزي الأوروبي. وكان هناك مبلغ قيمته 575 مليون دولار في صورة صفقات مقايضة بارزة مع بنوك مركزية أجنبية، مثلما كشفت بيانات مصرف الاحتياط الفيدرالي في 21 سبتمبر. وأقرض البنك المركزي الأوروبي مبلغا مماثلا لبنكين في منطقة اليورو في وقت مبكر من هذا الشهر من خلال معاملات مدتها سبعة أيام. ويبدأ منح القرض الأول من مجموعة قروض بالدولارات مدتها ثلاثة أشهر مقدمة من البنك المركزي الأوروبي يوم 12 أكتوبر (تشرين الأول). ويضع تسهيل مصرف الاحتياط الفيدرالي «سقفا» حرجا على قيود التمويل يسمح للمستثمرين بتفادي حالة الذعر والتمييز بين البنوك المنتعشة والبنوك المتعثرة، بحسب ما قال لوكالة «بلومبيرغجيروم شنايدر»، رئيس قسم الاستراتيجيات قصيرة الأجل وأسواق المال بشركة «باسيفيك إنفستمنت ماندجمنت» في نيوبورت بيتش بولاية كاليفورنيا. وأضاف شنايدر «يتداخل الخطر الذي ترغب في اجتنابه البنوك، وهو خطر السيولة، مع خطر القدرة على السداد». وتعتبر المقايضات هي «الأساس المتاح الآن لتوفير الدعم للبنوك الأوروبية». وكانت بنوك ومؤسسات أخرى بمنطقة اليورو مدينة بأكثر من 350 مليار دولار لمؤسسات متخصصة في الإقراض في حالات الطوارئ تابعة لمصرف الاحتياط الفيدرالي في فترة الأزمة المالية التي امتدت من 2008 - 2009. وكانت شركة «ديكسيا إس إيه» (دي إي إكس بي)، الكائنة في بروكسل وباريس، أكبر المقترضين من منطقة اليورو، بأخذها قروضا من مصرف الاحتياط الفيدرالي قيمتها 58.5 مليار دولار في يوم 31 ديسمبر (كانون الأول) عام 2008. واقترضت مؤسسة «بي إن بي باريباس» (بي إن بي) المصرفية في باريس مبلغا قيمته 29.3 مليار يورو يوم 18 أبريل (نيسان) عام 2008. واقترض أكبر مقترض في الولايات المتحدة، وهو بنك «مورغان ستانلي» الكائن في نيويورك، مبلغا قيمته 107.3 مليار دولار يوم 29 سبتمبر عام 2008. وقال فيرال أشاريا، أستاذ بكلية ستيرن لإدارة الأعمال بجامعة نيويورك ومؤلف كتب عن الاستقرار المالي: «تواجه البنوك التي تعتمد على مخاطر التمويل قصير الأجل غير المستقر خطر الاضطرار إلى اللجوء للمصادر الرسمية للحصول على المال، حتى يتحسن مستوى سيولتها ورأسمالها». وقال: «على جميع المراقبين الوطنيين التسليم بأن بنوكهم بحاجة إلى جمع رأسمال. والمشرعون ليسوا متحدين على النحو الكافي. ولم تأخذ أي دولة زمام المبادرة لإدراك حقيقة أن المشكلة تخرج عن نطاق السيطرة». وقد اتفقت لجنة بازل للرقابة المصرفية، الممثلة في مجموعة من المراقبين وأصحاب البنوك المركزية من 27 دولة بينها الولايات المتحدة، على المبادئ الأساسية الخاصة بموضوع السيولة؛ ومن المقرر طرح المجموعة الأولى منها في عام 2015. وبينما يعتبر مصرف الاحتياط الفيدرالي ملزما قانونا بإقراض الكيانات المصرفية في المقاطعات التي له أفرع بها، فإن «لديه خيارا» في ما يتعلق بالطريقة التي سيوسع من خلالها نطاق عمليات المقايضة، هذا ما قاله ويليام بول الرئيس السابق لمصرف الاحتياط الفيدرالي بسانت لويس.