مصارف لبنان تتفادى الودائع السورية تحسبا للقوانين الدولية

ودائع السوريين تزيد قليلا على 3 مليارات دولار

موظف بالمصرف المركزي اللبناني يخزن عبوات من الليرة اللبنانية (أ.ب)
TT

تبدو المصارف اللبنانية في وضعية حرجة ومعقدة في إدارة التعامل مع الحسابات والودائع السورية، سواء كانت مشمولة بالعقوبات الأميركية والأوروبية أو تعود لتجار وأصحاب أموال عاديين درجوا على إدارة حساباتهم عبر البنوك اللبنانية وفروعها في منطقتي البقاع والشمال المجاورتين للحدود، إضافة إلى الأموال الوافدة تحت ضغط الاضطرابات المتواصلة.

ووفق مصادر مصرفية متابعة، فإن أغلب المصارف اختارت اتباع سياسة الحذر تحسبا لتوسع العقوبات أو تشددها، خصوصا بعد وصول الملف السوري إلى مجلس الأمن. فالمبدأ أن أي عقوبات يقررها مجلس الأمن الدولي تكتسب طابع الإلزامية في لبنان وخارجه بصفتها قرارات دولية، ومن باب التحوط المسبق تميل المصارف إلى تفضيل السلامة على زيادة الودائع أو زيادة الأرباح في هذه المرحلة.

وسبق لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن أعلن أن لبنان سيلتزم بأي عقوبات قد يفرضها مجلس الأمن الدولي على دمشق، في حين أعلن وزير المال محمد الصفدي أثناء زيارته الأخيرة إلى واشنطن، أن «لبنان لن يكون الرئة المالية لسوريا».

وثمة تقديرات بأن مجموع ودائع السوريين في القطاع المصرفي اللبناني تزيد قليلا على 3 مليارات دولار من أصل نحو 113 مليار دولار كإجمالي الودائع في المصارف اللبنانية، منها نحو 20 مليار دولار مدرجة تحت بند «ودائع غير المقيمين»، وهي تسمية تشمل الودائع العربية والأجنبية الوافدة بأسماء عملاء أفراد، كما تشمل الودائع الخاصة بعملاء لبنانيين يعملون في الخارج، ويعتمدون عناوينهم الخارجية.

وفي المقابل تسهم 7 مجموعات مصرفية لبنانية في 7 مصارف سورية خاصة، لكن ملكيتها لا تزيد على 49 في المائة بموجب القوانين السورية. وبعض هذه المصارف سجل تراجعا جزئيا في الودائع والأرباح خلال النصف الأول من العام الحالي، فيما سجل بعضها الآخر نموا إيجابيا. علما بأن النتائج المالية لكل المصارف السورية الخاصة، وعددها 12، سجلت تراجعا في حركة الودائع بلغ متوسطه نحو 16 في المائة. وتم الكشف قبل أيام عن إصدار بعض المصارف مذكرات داخلية تطلب من مديري الفروع الامتناع عن قبول أي ودائع من زبائن سوريين جدد، في حين أن مصارف أخرى أصدرت مذكرات تمنع فتح حسابات للسوريين بغير العملة اللبنانية. مع السماح للزبائن السوريين بإجراء التحويلات بأي عملة أخرى، مثل الليرة اللبنانية واليورو والدرهم الإماراتي والريال السعودي. مع المنع بصرامة مساعدة الزبائن السوريّين في خلق شركات «واجهة»، حيث هناك حاملو أسهم لبنانيّون، إضافة إلى سوريين.

وواقعيا لا تزال المصارف اللبنانية تحت تأثير «رهاب» حالة البنك اللبناني الكندي الذي اتهمته السلطات المالية الأميركية قبل أشهر بتسهيل عمليات غسل أموال لصالح «حزب الله»، وهو من الأطراف الذين تصنفهم الإدارة الأميركية تحت بند «الإرهاب»، وكانت الحصيلة منع العمليات المالية للبنك عبر البنوك الأميركية، ومنع أي مصرف لبناني آخر من معاونته في تنفيذ هذه العمليات، مما أدى إلى قرار المساهمين بخروج البنك بكامله من القطاع المصرفي وعرضه للبيع، والاستعانة ببنك سوسيتيه جنرال في فرنسا لتسهيل حيازته من قبل بنك سوسيتيه جنرال في لبنان الذي يسهم فيه البنك الفرنسي بنسبة 19 في المائة.

وزاد من حذر المصارف ما تردد سابقا عن انتقال نحو 20 مليار دولار من الأموال السورية إلى المصارف اللبنانية، مما دفع رئيس جمعية المصارف الدكتور جوزف طربيه إلى نفي هذه المعلومات بشدة، مبينا أن إجمالي زيادة الودائع في القطاع المصرفي بكامله لم تتجاوز 5 مليارات دولار في النصف الأول من العام الحالي، كما أن الكتلة المالية من القطع الأجنبي في السوق السورية كلها لا تصل إلى هذا الرقم. فضلا عن القيود التي فرضها المصرف المركزي السوري على خروج العملة الأجنبية من السوق.

وفي السياق ذاته، جزم أمين عام جمعية المصارف مكرم صادر بأن المصارف العاملة في لبنان لم تشهد هذه التدفقات النقدية التي جرى الحديث عنها. فالودائع لدى المصارف التجارية العاملة في لبنان ازدادت خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام 3267 مليون دولار حيث ارتفعت من 107.2 مليارات دولار إلى 110.5 مليارات أي بمعدل 3 في المائة فقط. ويعتبر هذا المعدل متواضعا قياسا إلى السنوات القليلة الماضية التي سجلت معدلات فاقت في المتوسط 5 في المائة. كما أن ميزان المدفوعات اللبناني كان قد سجل عجزا قدره 1043 مليون دولار خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري مقارنةً مع فوائض تعدت تباعا للعامين الماضيين 1200 و1650 مليون دولار. أما مجمل الودائع في المصارف السورية العامة والخاصة فتبلغ نحو 28 مليار دولار حصة العملات الأجنبية منها 4.3 مليارات أي ما نسبته 14.3 في المائة.

ومع كل ذلك لا يبدو القلق غائبا عن أذهان المصرفيين، وما يخططون له من أعمال وتوسعات. فالقراءة الهادئة والواعية للأحداث الإقليمية ونذر الأزمات المالية والاقتصادية من أميركا إلى أوروبا إلى آسيا والعالم تقود إلى معطيات تحمل إشارات متناقضة سببها ضبابية المشهد، وما ستؤول إليه الأحداث المتسارعة بما فيها الأحداث المفاجئة، حيث لم يتوقع أحد أن تحصل كل هذه الثورات وكل هذه الاحتجاجات في توقيت متلاحق حتى بدت ككرة ثلج لا يعرف أحد أين مستقرها.

في هذا الصدد ثمة هواجس مشروعة، أوضاع الداخل مربوطة طردا بالتطورات الإقليمية خاصة من مصادر الدول ذات التأثير المباشر، ويوازي ذلك ضرورة إيلاء الأهمية والمتابعة في الحدود القصوى للوحدات المصرفية التابعة في كل من سوريا (7 مصارف لبنانية تسهم في 7 مصارف سورية خاصة)، ومصر (مصرفان لبنانيان يملكان مصرفين مستقلين في السوق المصرية).

وقد سجلت المصارف اللبنانية التي تملك وتدير مصارف مستقلة تابعة في كل من مصر وسوريا نجاحا نسبيا في استيعاب تداعيات الاضطرابات الداخلية الحاصلة في هذين السوقين، لكن الشعور بالقلق لا يزال طاغيا، ويفرض اللجوء إلى سياسات متحفظة عبر تخصيص جزء من الأرباح الإجمالية لتغطية أي خسائر محتملة أو تراجع في الأداء، وعبر تقييد مؤقت لخدمات التمويل والتسليف بانتظار جلاء الصورة النهائية للتطورات.