2011.. عام البشائر والمخاطر في مجال إنتاج الطاقة

شهد سلسلة من الاضطرابات الطبيعية والسياسية والسوقية

TT

اهتزت أسواق الطاقة العالمية بشدة خلال العام الماضي بسبب سلسلة من الاضطرابات الطبيعية والسياسية والسوقية والتي من المحتمل أن تؤثر على أشكال إمدادات الطاقة واستهلاكها على مدى عقود.

وأدى تسونامي والزلزال المدمر الذي ضرب شمال اليابان في شهر مارس (آذار) إلى حدوث شلل في محطة فوكوشيما النووية واهتزاز الثقة في سلامة الطاقة النووية في جميع أنحاء العالم. وقد أدت الاضطرابات والثورات في شمال أفريقيا وخفض إنتاج النفط بشكل مؤقت في الشرق الأوسط إلى ارتفاع الأسعار وإثارة تساؤلات حول الاستقرار السياسي في المنطقة المنتجة للنفط.

وفي الوقت نفسه، أدت الاكتشافات الجديدة وزيادة إنتاج الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة وغيرها من الدول إلى هبوط الأسعار، مع وجود تنبؤات بالاعتماد بشكل رئيسي على الغاز الطبيعي كوقود للنقل وكبديل محتمل للفحم في توليد الكهرباء.

ولكن التنقيب عن النفط في الولايات المتحدة ما زال يعاني من الآثار السياسية والتنظيمية للانفجار الذي وقع في بئر نفطية تابعة لشركة «بريتيش بتروليوم» في شهر أبريل (نيسان) 2010، وهو ما أدى إلى تسرب النفط في خليج المكسيك.

وقد أدت واحدة من أكثر الفترات المليئة بالأحداث المتعلقة بالطاقة في الذاكرة الحديثة إلى حدوث تحول في المشهد العالمي الذي يتميز بوجود بشائر على النجاح ووجود مخاطر محتملة في الوقت نفسه. وتحاول هذه الصناعة، وكل العواصم حول العالم، التوصل لطريقة مناسبة لكيفية التخطيط لنظام الطاقة الجديد.

وقد كان هناك تحرك دولي متضافر الجهود في شهر يونيو (حزيران) للاعتماد على مخزونات النفط لتحقيق الاستقرار في الأسعار العالمية ردا على الاضطرابات الموجودة في ليبيا، وهو ما يعد إشارة قوية إلى منظمة الدول المصدرة للنفط على أنها لم تعد قادرة على تحديد أسعار النفط.

وقال راجندرا باشوري، وهو المدير العام لمعهد الطاقة والموارد في نيودلهي ورئيس الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ في الهند «يشهد قطاع الطاقة تحولا كبيرا على الصعيد العالمي. وهناك مخاوف جديدة ناشئة عن كارثة فوكوشيما النووية والتسرب النفطي في منصة (ديب ووتر هوريزون) من أن يؤدي التوسع في إمدادات الطاقة إلى وجود مخاطر أكبر. ولذلك، تعيد العديد من البلدان النظر في استراتيجيات إمدادات الطاقة».

تهدف ألمانيا، على سبيل المثال، إلى التخلص من استخدام الطاقة النووية على أراضيها بحلول عام 2022 - توفر الطاقة النووية اليوم 23 في المائة من الكهرباء في البلاد. وتقوم الحكومة بوضع خطط لزيادة الكهرباء المولدة من المصادر المتجددة من 18 في المائة الآن إلى 35 في المائة من إجمالي الطاقة بحلول عام 2020. تحوم الكثير من الشكوك حول القدرة على تحقيق ذلك، ولكن الدولة قد تبنت برنامجا طموحا في مجال الطاقة للحد من الطلب على الطاقة النووية.

وتلقى مستقبل الطاقة النووية ضربة موجعة أخرى في شهر سبتمبر (أيلول) عندما أعلنت شركة «سيمنس» التي تعد أكبر شركة هندسية في أوروبا أنها لن تقوم ببناء أي محطات جديدة للطاقة النووية في أي مكان في العالم. وقال بيتر لوشر، رئيس مجلس إدارة الشركة، إن الشركة على وشك وضع خطط لإنهاء التعاون مع شركة «روساتوم» الروسية الحكومية للطاقة الذرية فيما يتعلق ببناء العشرات من محطات الطاقة النووية في جميع أنحاء روسيا على مدى العقدين المقبلين. وقال لوشر أيضا إن شركته تخطط لتوسيع نشاطها بشكل كبير في مجال تكنولوجيات الطاقة المتجددة.

وحتى قبل كارثة فوكوشيما، كان مستقبل الطاقة النووية في الولايات المتحدة متزعزعا بالفعل بسبب ارتفاع تكلفة بناء وتأمين محطات الطاقة النووية هناك، ولأن الولايات المتحدة - على النقيض من ألمانيا ودول أوروبية أخرى - لم تتحرك بقوة للاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة والتي لا تخلف انبعاثات كربونية.

وقال جيسون غروميت، وهو رئيس مركز «بايبارتيزان بولسي سنتر» وهو مركز بحثي غير حزبي في واشنطن: «تأثرت الطاقة النووية تأثيرا سلبيا نتيجة لوقوع حدثين العام الماضي، كان الحدث الأول هو كارثة فوكوشيما، أما الحدث الثاني فهو زيادة المعروض من الغاز الطبيعي وانخفاض سعره، وهو ما أدى إلى تغيير كبير في اقتصاديات الطاقة النووية». وقد وجدت الشركات أن استخدام الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء سيكون أرخص بكثير، كما أن الاستثمار في محطات جديدة لتوليد الطاقة النووية لن يكون له قيمة، لأنها تتكلف 10 مليارات دولار أو أكثر.

ومن الجدير بالذكر أن الغاز الطبيعي يباع اليوم في الولايات المتحدة مقابل 4-5 دولارات لكل ألف قدم مكعب، أو 28.3 متر مكعب، وهو السعر الذي يقل كثيرا عن أعلى سعر وصل له الغاز الطبيعي. وقال غرومت: «لو كانت أسعار الغاز الطبيعي استمرت عند 13 دولارا، لكنا قد أنشأنا عدة محطات نووية في الوقت الراهن».

ولأن الولايات المتحدة لم تتبن سياسة وطنية لتغير المناخ والتي كان من شأنها أن تزيد من معدلات الطلب على مصادر الطاقة غير الملوثة، فإن الاعتماد على مصادر الطاقة البديلة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والحرارة الجوفية والطاقة المائية قليل جدا في الولايات المتحدة مقارنة بأي مكان آخر في العالم. وحتى مصادر الطاقة المتجددة تعرضت هي الأخرى لضربة موجعة في الولايات المتحدة في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي بعد إفلاس شركة «سوليندرا» الأميركية للطاقة الشمسية، وكانت الشركة التي تتخذ من كاليفورنيا مقرا لها قد حصلت على 535 مليون دولار في شكل قروض فيدرالية. واستغل الجمهوريون في الكونغرس إفلاس الشركة لإثارة علامات الاستفهام حول المنهج الذي تتبعه إدارة أوباما لدعم مشاريع الطاقة البديلة.

وفي الآونة الأخيرة، طالب مجلس الطاقة الأميركي بزيادة الإنفاق الحكومي على أبحاث الطاقة النظيفة والتنمية بمقدار ثلاثة أضعاف. وقال المجلس إن قطاع الطاقة في الولايات المتحدة قد أنفق مبالغ صغيرة جدا بالمقارنة بما تنفقه الصناعات الأخرى، مثل شركات الأدوية، لدفع عجلة التكنولوجيا الجديدة.

ومن جانبه، قال بيل غيتس، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي السابق لشركة مايكروسوفت العملاقة، إن الحكومة يجب أن تتخذ خطوة إلى الأمام وتقوم بتوفير المال اللازم للتكنولوجيات غير الناضجة، مشيرا إلى دور البنتاغون في تطوير شبكة الإنترنت والأقمار الصناعية. وقال غيتس في الجلسة التي عقدها مؤخرا مع صحافيين في واشنطن: «هذا هو الوقت الملائم لتحقيق تقدم كبير في مجال الطاقة. هناك تقدم كبير بالفعل في مجالات العلوم، ولكن يتعين على الحكومة أن تكون أكثر انخراطا في مجال البحوث الأساسية».

وفي الوقت نفسه، تتحرك الصين على قدم وساق في مختلف مجالات الطاقة، بما في ذلك الفحم والرياح والطاقة النووية والطاقة الشمسية، حتى تكون قادرة على تلبية النمو الهائل في الطلب على الطاقة. ولا تقوم الصين بزيادة توليد الطاقة المتجددة فقط ولكنها تقوم أيضا ببناء الصناعات القوية لتصدير تكنولوجيا الرياح والطاقة الشمسية ومكوناتها إلى جميع أنحاء العالم.

وعلى الرغم من الحالة الضبابية التي تحيط بالطاقة النووية ونهوض الغاز الطبيعي والنفط من جديد، يصر باشوري على أن النمو في سوق الطاقة المتجددة سوف يكون واحدا من السمات المميزة لمستقبل الطاقة، وأضاف «وصلت الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة في عام 2010 إلى 211 مليار دولار. وفي عدد من التطبيقات، نجد أن الطاقة المتجددة متاحة بالفعل بتكاليف يمكنها أن تنافس مصادر الطاقة التقليدية».

وقال باشوري إن التوقعات تشير إلى أن مصادر الطاقة المتجددة سوف تشكل 17 في المائة من إمدادات الطاقة الأولية في العالم بحلول عام 2030، وسوف ترتفع هذه النسبة لتصل إلى أكثر من 27 في المائة بحلول عام 2050. (تقول وكالة الطاقة الدولية إن 19 في المائة من الطاقة في العالم تأتي من وقود غير أحفوري اليوم).

وهناك سيناريوهات أكثر تفاؤلا تتوقع أن تشكل مصادر الطاقة المتجددة 43 في المائة من إجمالي مصادر الطاقة في العالم بحلول عام 2030 ونحو 77 في المائة بحلول عام 2050. ومع ذلك، حذر باشوري من أنه لن يمكن تحقيق أقل تلك الأهداف ما لم تعمل الدول منفردة ومجتمعة على اعتماد سياسات تحث على التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري والاستعاضة عنه بمصادر الطاقة النظيفة.

ولكن ما الهدف من وراء ذلك؟ لم تتوصل المفاوضات الدولية بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في التوصل إلى حلول مثمرة وبناءة في السنوات الأخيرة، ولكن البرد القارس والحر الشديد في مختلف أنحاء العالم، وسط مزيد من الأدلة على الاحترار العالمي، يمكن أن يعمل على حدوث تقدم في المحادثات المقبلة وتجميع صانعي السياسات حول هدف واحد.

وفي كتابه «الضالة المنشودة»، قال مؤرخ الطاقة دانيال يرغين إن الطلب على الطاقة من شأنه أن ينمو بمقدار 70 في المائة ليصل إلى 80 في المائة على مدى العقدين المقبلين، وأنه سيتم تلبية هذا الطلب عن طريق النفط والغاز والفحم – وهي المصادر التي يتم استخدامها بشكل أكثر كفاءة. وأشار يرغين إلى أن شركات صناعة السيارات، مدفوعة بارتفاع أسعار الوقود في أوروبا، تقوم بتصنيع سيارات وشاحنات خفيفة أكثر كفاءة من حيث استخدام الطاقة مما كانت عليه في الماضي.

وخلال الصيف الجاري، توصلت إدارة أوباما إلى اتفاق مع شركات السيارات لزيادة الاقتصاد في استهلاك الوقود في السيارات المباعة حديثا في الولايات المتحدة بحيث يكفي غالون واحد من الوقود لقيادة السيارة لمسافة 50 ميلا، أي إن 4.7 لتر من الوقود تكون كافية للسيارة لكي تقطع مسافة 100 كيلومتر، بحلول عام 2025، وهو نفس معدل السيارات التي ستباع في أوروبا واليابان والصين في ذلك الوقت.

ومع ذلك، قال يرغين إنه من المتوقع أن يتضاعف عدد السيارات على الطرق بحلول منتصف القرن الحالي، أي إن عدد السيارات سيرتفع من مليار سيارة اليوم إلى ملياري سيارة بحلول منتصف القرن الحالي، وهو ما سيمثل عبئا ثقيلا على إمدادات الوقود وشبكات الطرق والغلاف الجوي.

ويعد يرغين أقل تفاؤلا من باشوري فيما يتعلق بالطاقة النظيفة، حيث توقع أن تشكل مصادر الطاقة التي تنتج انبعاثات كربونية أكثر من 80 في المائة من الطاقة العالمية بعد 20 عاما من الآن، لكنه أشار إلى أن هناك تطورات مشجعة في مجال تكنولوجيا الطاقة البديلة.

وتساءل يرغين في كتابه قائلا: «أي مزيج هذا من الطاقة الذي سيكون قادرا على تلبية احتياجات العالم من الطاقة بدون حدوث أزمة ومواجهة؟» هذا هو ما لم نشاهده حتى الآن وسيستغرق الأمر وقتا طويلا حتى يتم التوصل إلى تقنيات مبتكرة بسبب حجم وتعقيد شبكة إمدادات الطاقة العالمية. وأضاف يرغين أن التنافس على الاستثمار في الطاقة سيكون على أشده بين النفط والغاز والفحم من جهة وبين الرياح والطاقة الشمسية والوقود الحيوي من جهة أخرى.

* خدمة «نيويورك تايمز»