لبنان: قرار زيادة الأجور يغضب العمال والنقابات ويرفضه أرباب العمل

رئيس الاتحاد العمالي لـ«الشرق الأوسط»: خضنا معركة حقيقية.. وما تحقق أفضل الممكن

TT

لم يرض القرار الذي اتخذته الحكومة اللبنانية بزيادة الرواتب والأجور منتصف ليل أول من أمس، لا العمال والموظفين ولا الهيئات الاقتصادية وأرباب العمل في لبنان، بحيث خرج الكل غاضبا وملوحا بالتصعيد على الأرض، في حين أكد رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن، أن «الزيادة التي أقرت هي أفضل الممكن، وشملت نحو 85 في المائة من العمال، وجاءت تتويجا لمعركة حقيقية داخل مجلس الوزراء». أما الدولة فليس لديها الآن إيرادات مالية لتغطية تكلفة هذه الزيادة لموظفيها.

وكان مجلس الوزراء قرر في جلسة استثنائية عقدها عصر أول من أمس واستمرت حتى منتصف الليل، رفع الحد الأدنى للأجور إلى من 500 ألف ليرة إلى 700 ألف ليرة لبنانية (466 دولارا أميركيا)، أي بزيادة 200 ألف (133 دولارا) للرواتب التي هي ما دون المليون ليرة و300 ألف ليرة (200 دولار) للرواتب التي هي بين مليون ومليون و800 ألف ليرة. وزيادة بدل النقل 2000 ليرة ليصبح عشرة آلاف ليرة ليوم العمل الواحد بدلا من ثمانية آلاف ليرة، ورفع المنح المدرسية إلى حد أقصى قدره مليون و500 ألف ليرة لبنانية. وهذا ما دفع بالاتحاد العمالي العام إلى تعليق الإضراب الشامل الذي كان مقررا أمس.

لكن وما إن أعلنت هذه الزيادة التي جاءت أقل بكثير مما كان يتوقعه العمال، سارعت اتحادات نقابات موظفي المصارف والقطاع الصحي، وأساتذة التعليم في المدارس الخاصة والرسمية وأساتذة الجامعة اللبنانية، وهيئات التنسيق النقابية، إلى إعلان رفضها «القاطع لقرار الحكومة بتصحيح الرواتب والأجور، برفع الحد الأدنى للأجور إلى 700 ألف ليرة لبنانية، لأنه قرار مذل وتخريبي في آن». ودعت إلى «سلسة تحركات وخطوات تصعيدية لمواجهة هذا القرار وإسقاطه». في حين أعلن ممثلو الهيئات الاقتصادية والصناعية، أن «هذه الزيادة غير مدروسة ومكلفة جدا وستؤدي إلى إقفال مصانع ومؤسسات تجارية وصرف آلاف العمال وزيادة البطالة». ودعوا «كل المؤسسات في القطاع الخاص إلى عدم تطبيق القرار ريثما يعاود النظر فيه»، محذرين «من إطلاق رصاصة الرحمة على القطاع الخاص»، ومطالبين الدولة بـ«إقرار خطة اقتصادية متكاملة تأخذ بعين الاعتبار حقوق أرباب العمل والعمال والاقتصاد اللبناني».

أما رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن، فلم يفاجأ بموقف الهيئات الاقتصادية، وأصحاب المؤسسات الرافض لهذه الزيادة، وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذا الرفض تقليدي وتاريخي، إذ لم يسبق لأرباب العمل أن وافقوا على إعطاء أي زيادة للعمال، ولكن في النتيجة يعود الجميع ويخضعون للتسوية، سواء العمال أو أرباب العمل». وقال «صحيح أن الزيادة التي أقرت ليست كل ما كنا نطمح إليه لأن العامل يستحق أكثر من ذلك، لكن الاتفاق الذي توصلنا إليه هو أفضل الممكن، وكما يقول المثل ما لا يقبل كله لا يرفض جله، وللإنصاف فإن الزيادة أتت بنسبة 40 في المائة لنحو 85 في المائة من عمال لبنان، في حين أن الـ15 في المائة الآخرين الذين يتقاضون أجورا عالية لم يحصلوا على هذه الزيادة، وهؤلاء سنبحث قضيتهم في اجتماعنا غدا (اليوم) مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي». أضاف غصن «لقد خضنا ليلة أمس (الأول) في مجلس الوزراء معركة حقيقية حول تصحيح الأجور، وللأسف كان جزء من هذه المعركة بين أطراف الحكومة، لأن هناك من يريد أن يمرر مشروعا معينا، وهناك أيضا من يريد إعطاء الأولوية لموضوع العمال، فكانت المفاوضات شاقة، وأدى تدخل رئيس مجلس النواب نبيه بري المتكرر إلى تدوير الزوايا، وأسهم دوره الأساسي في إخراج البلد من أزمة كبيرة كان يعد لها من خلال الإضراب الواسع الذي كان مقررا (أمس) وما تحقق ليس بسيطا». وشدد رئيس الاتحاد العمالي العام على أن «الحوار مستمر مع رئيس الحكومة من أجل تفعيل كل أجهزة الدولة بدءا بالبلديات ومصلحة حماية المستهلك، مرورا بوزارات الصحة والاقتصاد والتجارة والتربية وغيرها، من أجل مراقبة السوق بشكل دائم وفعال ولجم أي ارتفاع للأسعار، تلافيا لتآكل هذه الزيادة»، متوقعا سريان مفعول الزيادة «فور نشر مرسومها بالجريدة الرسمية هذا الشهر».

وفيما يبدو أن صرف الزيادة للقطاع الخاص وضعت على نار حامية، لقطع الطريق على إضرابات متوقعة في حال تأخر تنفيذ هذا القرار، فإن الأمور بالنسبة للقطاع العام ستأخذ وقتا أطول، باعتبار أن دفع هذه الزيادة لموظفي الدولة يحتاج إلى قانون يقره مجلس النواب. وأكدت مصادر مقربة من وزير المال محمد الصفدي، أن «مشروع الزيادة للقطاع العام هو مجرد جنين لن يبصر النور ما لم يصدر قانون عن المجلس النيابي». وأعلنت المصادر لـ«الشرق الأوسط»، أن «موظفي الدولة يستفيدون من الزيادة، لكن التنفيذ سيستغرق وقتا طويلا وهو سيمر بمحطات أساسية أهمها صدور قانون خاص بها، والبحث عن الموارد المالية التي تغطي تكلفة هذه الزيادة». وقالت مصادر الصفدي «هناك الكثير من الأفكار المطروحة لزيادة مداخيل الخزينة والتي لحظت في مشروع الموازنة الجديدة، ومنها الاستفادة من الأملاك العامة البحرية المشغولة من الغير، وزيادة الضريبة على القيمة المضافة، وزيادة رسم البنزين ألفي ليرة لبنانية، وزيادة الضريبة على الفوائد بنسبة 3 في المائة، وكذلك الأرباح العقارية، لكن هذه المداخيل المفترضة أدرجت من أجل الإنفاق الاستثماري للبنية البشرية في الصحة والتعليم والخدمات وغيرها». ولفتت إلى أن «مسألة زيادة الأجور وتغطية تكاليفها لم تحتسب في مشروع الموازنة، ولذلك فإنه لا بد من إدخال تعديلات على هذه الموازنة لتلحظ هذه المستجدات».