الخلاف الفرنسي ـ الألماني يتصاعد حول إنقاذ البنوك من التعثر واليونان من الإفلاس

باريس تخشى على تصنيفها.. وألمانيا خائفة على قروضها وتنافسيتها

TT

في الوقت الذي يتصاعد فيه الخلاف بين باريس وبرلين حول سبل معالجة «أزمة الديون»، حذر البنك المركزي الأوروبي، أمس، من أن مشاركة القطاع الخاص في أزمة ديون منطقة اليورو قد تضر بسمعة العملة الموحدة. وهي إشارة فهمت منها الأسواق أن ألمانيا تعارض الخطة الفرنسية التي تجبر البنوك الأوروبية على إعفاء جزء من ديونها لليونان في إطار جهود الإنقاذ. ونسبت «رويترز» إلى مصدر في وزارة المالية الفرنسية قوله أمس، إن باريس تعتقد أن آلية الاستقرار المالي الأوروبية لمنطقة اليورو يجب أن تتحول إلى بنك لزيادة طاقتها، وأن يقبل حملة السندات اليونانية خسائر تزيد على 21 في المائة. وأضاف المصدر «نعتقد أن أفضل طريقة لتعزيز كفاءة آلية الاستقرار المالي هو تحويل الصندوق إلى بنك، وبالتالي من خلال التعاون مع البنك المركزي الأوروبي يمكن أن يعزز فاعليته».

لكن هذه الفرضية غير مؤكدة لأن المركزي الأوروبي أعلن بالفعل رأيا سلبيا بشأنها. ويتفق كثير من المحللين على أن أكثر الطرق فاعلية لزيادة كفاءة الصندوق الذي يضم 440 مليار يورو هو معاملته كبنك مما يؤهله للاقتراض من عمليات التمويل العادية للمركزي الأوروبي. لكن المركزي الأوروبي وألمانيا عارضا بشدة أي دور للبنك المركزي.

وقال المصدر «الفكرة ليست أن يكون لديك تريليونا يورو في الصندوق، بل في زيادة الفاعلية من خلال استخدام مؤسسات أوروبية ودولية أخرى». وقال مسؤولون في منطقة اليورو لـ«رويترز» يوم الأربعاء، إنه سيطلب من البنوك شطب ما بين 30 و50 في المائة من حيازاتها من السندات اليونانية في إطار خطة معدلة لتجنب تخلف اليونان عن سداد الديون بصورة مفاجئة. وقال المصدر الفرنسي، إن «حجم الشطب قد يزيد على 21 في المائة. نناقش المستوى بحيث يكون مقبولا ومستديما».

وتحتاج البنوك الأوروبية لجمع رؤوس أموال إضافية من أجل تأمين نفسها ضد الخسائر التي يتوقع أن تتكبدها جراء أزمة الديون السيادية، أو سيقوم الساسة بهذه المهمة نيابة عنها، هذا ما صرح به الاتحاد الأوروبي يوم الأربعاء.

وبناء على الاقتراحات التي عرضها رئيس المفوضية الأوروبية، خوسيه مانويل باروسو، ستلزم البنوك بتعزيز إجراءاتها الوقائية ضد الخسائر كجزء من خطة لاستعادة ثقتها المتضائلة.

وطالب باروسو أيضا الـ17 دولة الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والتي تستخدم اليورو بزيادة طاقة صندوق إنقاذها المقدر رأسماله بـ440 مليار يورو (600 مليار دولار) لأقصى حد ممكن - في إشارة واضحة إلى أنه يفضل رفع القدرة الإقراضية لصندوق الإنقاذ، بحيث يزيد حجم رأسماله ليصل إلى تريليوني يورو (2.8 تريليون دولار). وقد أيد رفع القدرة الإقراضية للصندوق وزير الخزانة الأميركي، تيموثي غايتنر، لضمان أن الدول الأوروبية المتعثرة تتمتع بإمكانية الحصول على تمويل ميسور التكلفة للعمل على تقليل حجم ديونها. وشددت وزارة الخزانة على تلك النقطة يوم الأربعاء أثناء بيان موجز قبيل اجتماع لوزراء مالية مجموعة العشرين المزمع عقده يومي الجمعة والسبت في باريس، والذي سيحضره الوزير الأميركي غايتنر.

تحتاج أوروبا إلى «جدار حماية يضم المصادر والقدرة الإقراضية» لضمان أن الأزمة التي بدأت في اليونان لن تلقي بتأثيراتها على الدول الأكبر، مثلما أشارت لايل برينارد، وكيلة وزارة الخزانة للشؤون المالية في البيان الموجز. إن منطقة اليورو على أعتاب الدخول في مرحلة حرجة، وهو ما تجلى في توقعات مستثمرين في الأسواق المالية في إطار اجتماع قمة يعقد يوم 23 أكتوبر (تشرين الأول) واجتماع لقادة مجموعة العشرين مزمع عقده يوم 3 نوفمبر (تشرين الثاني) أن يتبنى المسؤولون الأوروبيون خططا لحل أزمة الدين التي تعصف بالمنطقة.

وفي يوم الأربعاء، سارت سلوفاكيا عكس تيار أزمة منطقة اليورو وأبرمت اتفاقا سياسيا من شأنه أن يضمن التصديق على صندوق الإنقاذ، التصويت السابع عشر والأخير المطلوب. وقابل المسؤولون الأوروبيون، الذين كانوا يراقبون الموقف عن كثب، هذا الإنجاز بمزيج من مشاعر الراحة والإحباط وحولوا انتباههم للبنوك.

ويجب جمع رؤوس أموال إضافية للبنوك الأوروبية أولا من القطاع الخاص، ثم من الحكومات الوطنية، وفقا للاقتراح المطروح. وجاء في سياق الاقتراح أنه لا يجب اللجوء إلى صندوق إنقاذ خاص بمنطقة اليورو إلا حينما يتم إنفاق الأموال التي تم تحصيلها من تلك القنوات أولا. ولا يجب أن يسمح للبنوك بدفع حصص أرباح أو علاوات إلى أن تنتهي من جمع رأس المال الإضافي، بحسب الاقتراح. ولم تحدد الخطة التي تم وضعها يوم الأربعاء رقما لاحتياطيات رأس المال التي ستكون مطلوبة. وتناقض ذلك الإغفال مع الخطط الأكثر تحديدا الرائجة في فرنسا وبين المنظمين الأوروبيين والتي تحدد حدا أدنى من احتياطي رأس المال نسبته 9 في المائة من الأصول. على المستوى الداخلي، رأى المفوض الأوروبي المسؤول عن الخدمات المالية، ميشيل بارنييه، أن الحد الأدنى الجديد لرأس المال يجب أن تحدده الهيئة المصرفية الأوروبية، وليست المفوضية.

وفي يوم الثلاثاء، أخبر وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه الجمعية الوطنية الفرنسية بأن الكثير من البنوك الفرنسية المعرضة بدرجة كبيرة للتضرر من أزمة الديون السيادية باليونان وغيرها من الدول الأوروبية الجنوبية، وعلى رأسها بنكا «كريدي أغريكول» و«سوسيتيه جنرال» ستتجه إلى زيادة احتياطيات رأسمالها، أولا باستخدام مصادر دخلها أو من خلال الأسواق المالية. وقال إنه يمكن اللجوء إلى الحكومة للحصول على التمويل اللازم فقط كـ«ملاذ أخير»، بحسب «رويترز».

وقال جوبيه إن الخطوة، التي تم الاتفاق عليها مع ألمانيا في إطار المحادثات التي جرت يوم الأحد، تشير إلى أن أفضل إجراء وقائي يمكن أن تتخذه البنوك للتحوط ضد الخسائر، والذي يعرف باسم «رأس المال الأساسي الشريحة 1»، سيزيد ليصل إلى نسبة 9 في المائة أو أكثر بحلول عام 2013، ليسجل ارتفاعا عن نسبة 7 في المائة في الوقت الحالي.

وقد اقترحت الهيئة المصرفية الأوروبية أيضا حدا أدنى نسبته 9 في المائة، بحسب مسؤولين في الاتحاد الأوروبي. ورفضت الهيئة التعليق على الرقم يوم الأربعاء.

وطالبت الوثيقة الصادرة يوم الأربعاء عن المفوضية الأوروبية بـ«نسبة رأسمال أعلى بشكل عارض من رأس المال الأعلى جودة بعد حساب احتمالات تأثره» بأزمة الدين السيادي في البنوك البارزة.

وذكر مسؤول أوروبي أن اقتراح إعادة الرسملة يشير بالأساس إلى أنه من المرجح أن يتعين على البنوك الوفاء بالمتطلبات التي تم تحديدها بموجب معايير «بازل 3» الدولية للبنوك بشكل أسرع مما تم توقعه في بادئ الأمر، مع أن ذلك الأمر سيكون مؤقتا. وبدلا من الوصول إلى مستوى رأس المال المحدد بحلول عام 2019، سيتعين بلوغ ذلك المستوى «في غضون أشهر»، على حد قول المسؤول، الذي تحدث مشترطا عدم الكشف عن هويته.

ونسبت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى برينارد من وزارة الخزانة الأميركية قولها إنه في حين توصلت أوروبا في نهاية المطاف إلى إدراك حقيقة أن بنوكها بحاجة إلى رأسمال إضافي في حالة تدهور الأزمة، «ما زالت هناك حاجة لاتخاذ الكثير من الإجراءات كجزء من خطة شاملة»، لمنع انتقال تأثير أزمة الدين اليونانية أو حدوث تبعات أخرى أسوأ من ذلك. وفي أعقاب إفلاس بنك «ليمان براذرز» في سبتمبر (أيلول) 2008، اتخذت الولايات المتحدة إجراء فوريا لضمان أن بنوكها لديها رأس المال الكافي، وهي خطوة ذكرت برينارد أنها أعادت الثقة من جديد للبنوك وساعدتها في الانتعاش من جديد بشكل سريع.

وقالت برينارد: «في ذلك الوقت، كان ينظر لهذه الخطوة بوصفها محفوفة بالمخاطر، ولكن ثبت أنها العلاج الشافي الذي تحتاجه السوق. ويكمن المنطق نفسه وراء جهود أوروبا».

في يوم الأربعاء، حث باروسو على الإسراع بمنح مبلغ قيمته 8 مليارات يورو لليونان في صورة قروض من جهات الإقراض الدولية، وإلا فإن من المحتمل أن تشهر الحكومة في أثينا إفلاسها في غضون أسابيع.

ومع تأسيس صندوق الإنقاذ المؤقت الخاص بمنطقة اليورو، آلية الاستقرار المالي الأوروبية، كوسيلة قوية لدعم البنوك في جهود إعادة الرسملة، فقد أحدثت قضية الاستعانة بهذا الصندوق من عدمها انقساما بين فرنسا وألمانيا. وطالب باروسو بالإسراع بطرح صندوق إنقاذ منطقة اليورو الدائم - في العام المقبل إذا أمكن - والذي من المفترض أن يحل محل الآلية في عام 2013.

وتخشى فرنسا من احتمال أن تخسر تصنيفها الائتماني AAA، إذا ما تعين عليها أن تضخ في بنوكها مليارات اليوروهات ممثلة في أموال محصلة من دافعي الضرائب. ومن شأن ذلك أن يشكل عقبة سياسية ضخمة بالنسبة للرئيس نيكولا ساركوزي الذي يخوض السباق الانتخابي للرئاسة العام المقبل.

لكن برلين ترفض استخدام الأموال الأوروبية في إعادة رسملة البنوك التي تنافس مؤسساتها المالية.

* أسهمت ليز ألدرمان في إعداد التقرير من باريس