أوروبا تتجه لإجبار بنوكها على شطب 50% من ديونها على اليونان

وسط مخاوف من أزمة مالية جديدة وضغوط مجموعةالـ 20

وزير الخزانة الأميركي تيموثي غايتنر أثناء وصوله أمس لحضور اجتماعات وزراء مجموعة العشرين في باريس (أ.ب)
TT

فيما تتزايد المخاوف من أن تشعل أزمة السيولة والنقص في الرساميل الحادة التي تعيشها مصارف أوروبا فتيل أزمة مالية عالمية جديدة يتجه قادة أوروبا لوضع حل أكثر عمقا لأزمة ديون اليورو ربما يجبر البنوك الأوروبية على إلغاء 50% على الأقل من ديونها على اليونان. وأطلعت مصادر مصرفية «الشرق الأوسط» على أن الخطة ربما تعلن في اجتماع قمة مجموعة العشرين التي ستعقد لاحقا هذا الشهر في باريس. وقال الخبير الاستثماري لويدز شولتز المدير الشريك في «صندوق إميرجينغ إنفيستمنت بارتنر» في لندن لـ«الشرق الأوسط» إن الأسواق تتوقع أن يتفق قادة أوروبا خلال الأيام المقبلة على إقناع البنوك والشركات الحاملة لسندات الدين اليونانية بإلغاء 50% على الأقل من ديونها لأن التوقعات تشير إلى أن اليونان لن تكون قادرة على تسديد 50% من ديونها على أي حال. وقال لويد إن إلغاء البنوك التجارية الأوروبية لنسبة الـ60% الذي يشاع في الأسواق ليس مؤكدا ولكنه منطقي، حيث إن الجهات المنسقة لخطة الإنقاذ لم تعلن بعد عن حجم مشاركة القطاع الخاص الجديدة في خطة الإنقاذ. مشيرا في هذا الصدد إلى أن ألمانيا التي تواجه تذمرا من مواطنيها تطالب بتحميل القطاع الخاص حصة أكبر من نسبة الـ21 التي أعلن عنها سابقا ضمن خطة إنقاذ اليونان. من جانبها قالت إميلي فان دين هيلغينبرغ، مسؤولة استثمار الحلول العالمية المتوازنة في «بي إن بي إنفيستمينت بارتنرز» في لندن، التي تشرف على 742 مليار دولار: «الجميع توصلوا إلى استنتاج واحد وهو ضرورة عمل إعادة هيكلة أكثر عمقا حتى تصبح اليونان قادرة على الاعتماد على نفسها». وأضافت «إذا لم تتناقص الديون، ستتفاقم المشكلات وستحتاج اليونان إلى حزمة إنقاذ تلو حزمة إنقاذ».

وتتكون خطة إنقاذ اليونان الثانية التي أقرتها «الترويكا» المكونة من كل من المفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي في يوليو (تموز) الماضي وأقرت أخيرا من ثلاث نقاط رئيسية وهي، أولا: تقديم مساعدات مالية مشروطة قيمتها 109.5 مليار يورو (نحو 150 مليار دولار). وثانيا: توسيع صندوق الاستقرار المالي لمنطقة اليورو لرفع رأسماله الحالي إلى 400 مليار يورو (نحو 600 مليار دولار). وثالثا: أن تقوم البنوك والشركات المالية الحاملة لسندات الديون اليونانية بإلغاء 21% من ديونها وإعادة استثمار السندات التي تم أجل استحقاقها في استثمارات جديدة باليونان. وفي مقابل هذه المساعدات تقوم اليونان بتنفيذ خطة تقشف لمدة ثلاث سنوات تخفض فيها الإنفاق وتبيع بعض الأصول الحكومية لتوفر مبلغ 87.5 مليار دولار.

وأوضح شولتز لـ«الشرق الأوسط» أن إلغاء البنوك لنسبة 21% من ديونها الذي أعلن سابقا ليس منطقيا لأنه لن يحل أزمة الديون اليونانية التي تحتاج إلى معالجة حاسمة وسريعة حتى لا تتحول إلى أزمة مصرفية أوروبية تشعل فتيل أزمة مالية عالمية جديدة». وقال شولتز إن البنوك الأوروبية تعيش الآن وضعا حرجا بسبب أزمة ديون اليورو، حيث لا تتوفر على السيولة الكافية والرساميل. مشيرا في هذا الصدد إلى أن البنوك الأوروبية أصبحت لا تثق في بعضها البعض في عمليات منح القروض بين البنوك مثلما كان في السابق، كما أن هنالك انخفاضا كبيرا في عمليات الإقراض للشركات. وشبه وضع البنوك الأوروبية في الوقت الراهن بما مرت به البنوك الأميركية في عام 2008، حينما فجرت عملية إفلاس مصرف «ليمان برازرز» أزمة المال العالمية.

ويذكر أن صندوق النقد الدولي قدر خسائر البنوك الأوروبية من أزمة ديون اليورو منذ العام الماضي 2010 بنحو 300 مليار يورو (نحو 416 مليار دولار). وقال الصندوق إنها بحاجة عاجلة إلى إعادة رسملة تقدر بنحو 274 مليار دولار. ورغم أن دول منطقة اليورو تقر ضرورة رسملة البنوك، فإن هنالك خلافا كبيرا بين ألمانيا وفرنسا حول من سيدفع أموال الرسملة. وفيما تقول ألمانيا إنه يجب على البنوك أن تبحث عن رساميل من مصادرها الخاصة والمساهمين ثم تلجأ إلى دولها وتصبح أموال صندوق الاستقرار الأوروبي الملاذ الأخير، ترى فرنسا أن يقوم صندوق الاستقرار برسملة البنوك.

ويحدث هذا الخلاف وسط تفاقم أزمة السيولة في البنوك الأوروبية. وكان البنك المركزي الأوروبي قد طلب من أربعة بنوك مركزية كبرى وهي بنك الاحتياط الفيدرالي المركزي الأميركي، والبنك المركزي الياباني، وبنك إنجلترا، والبنك المركزي السويسري، التدخل قبل أسابيع لتوفير السيولة للبنوك التجارية التي واجهت نقصا في الدولارات لمقابلة التزاماتها وتمويل العمليات التجارية. من جانبه قال بنك «غولدمان ساكس» في مذكرة داخلية لعملائه أمس إن 50 مصرفا من أصل 91 بنكا أوروبيا قد تفشل في اجتياز اختبار تحمل معدل الكفاية الرأسمالية وتواجه فجوة في رأس المال قدرها 139 مليار يورو.

وتواجه دول منطقة اليورو الغنية وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا خيارين أحلاهما مر وهي: إما التضحية بالأموال لإنقاذ اليونان وإما ترك اليونان للإفلاس وتحمل تبعات إنقاذ بنوكها التي تحمل محافظها أغلبية ديون اليونان. وتشير مقايضات مخاطر الائتمان إلى أن احتمال تخلف الحكومة اليونانية عن الوفاء بالتزاماتها المالية على مدى خمس سنوات يزيد على 90 في المائة. وفي حال الإفلاس فإن المستثمرين سوف يستعيدون 32 في المائة من قيمة السندات التي يملكونها بحسب «سي إم إيه غروب» والتي تجمع الأسعار من متداولين في السوق غير الرسمية التي تتم فيها عملية الشراء بالتفاوض بين الأطراف المباشرة. ويبدو أن عملية الإنقاذ واحتمالات الإفلاس ليس متوقفة على اليونان، فهنالك احتمال أن تتخلف البرتغال عن سداد ديونها بنسبة 62 في المائة واحتمال تخلف أيرلندا بنسبة 47 في المائة، واحتمال تخلف ألمانيا بنسبة 8 في المائة. وبحسب «سي إم إيه غروب» فإن احتمال استعادة جميع المقرضين لدول منطقة اليورو ديونهم تراجعت بنسبة 40 في المائة.