جوبز عبقري في الهندسة المعمارية أيضا

أحدث ثورة في مفهوم الكومبيوتر الشخصي والهاتف الجوال.. وترك بصمة يصعب محوها في مجال الهندسة المعمارية لمتاجر «أبل»

TT

عندما وصل المهندس المعماري بيتر بوهلين لحضور اجتماعه الأول مع ستيف جوبز كان مرتديا ربطة عنق. يتذكر بوهلين ما حدث قائلا: «ضحك ستيف، فقررت أن لا أرتدي ربطة عنق مجددا». ولذلك بدأ التعاون الذي امتد من المراكز الرئيسية لشركة «بيكسار»، التي تم الانتهاء من إنشائها في عام 2001، إلى أكثر من 30 متجرا لشركة «أبل» (التي يزداد عددها بشكل مطرد) بمختلف أنحاء العالم، وجميعها تحمل تصميمات من ابتكار بوهلين وشركته «بوهلين سيوينسكي جاكسون»، وجوبز نفسه.

وقال بوهلين الأسبوع الماضي، بعد بضعة أيام من وفاة جوبز: «أفضل العملاء، من وجهة نظري، لا يقولون لك إن أي شيء تفعله جيد. إنهم جزء لا يتجزأ من عملية التصميم نفسها. حينما أعود بالذاكرة إلى الوراء، يصعب علي تذكر أي فرد كانت لديه أية فكرة ومتى. هذا هو أفضل أساليب العمل وأكثرها إرضاء، سواء كنت أصمم مبنى كبيرا أم منزلا».

مثلما أدخل جوبز تغييرات على مفهوم الكومبيوتر الشخصي والهاتف الجوال، ترك بصمة يصعب محوها في مجال الهندسة المعمارية، خصوصا النوع المرتبط بمتاجر البيع بالتجزئة، تلك الصناعة التي كانت تشهد حالة ركود في ما مضى.

«لم يقم أحد مطلقا في مجال الهندسة المعمارية التجارية بتصميم منتج في مجال الهندسة المعمارية خصيصا لأجل عميل مثلما فعل بيتر لشركة (أبل)»، هذا ما قاله جيمس تيمبرليك، مشارك مؤسس لشركة «كيران تيمبرليك»، التي تعكف الآن على تصميم مبنى السفارة الأميركية الجديد في لندن. واستكمل قائلا: «معظم أعمال الهندسة المعمارية التجارية لا تركز بدرجة كبيرة على التفاصيل ولا تخضع للقدر الكافي من المراجعة، كما لا يتم تخصيص ميزانية كافية لها. إنها تبدو ممثلة في بنايات ضخمة قبيحة الشكل تؤذي العين على نحو يشوه المناظر الطبيعية في أميركا.

بالمقارنة، تبدو التصميمات التي نفذها بوهلين وزملاؤه لحساب شركة «أبل» أنيقة وذات سمات مميزة وجذابة وتوظف تقنيات عالية، فضلا عن كونها باهظة التكلفة. ومن أوجه كثيرة تعتبر الهندسة المعمارية الخاصة بمتاجر التجزئة أكبر صندوق يتم فيه لف منتج لشركة «أبل»، واشتهر جوبز باهتمامه الشديد بأدق التفاصيل في العرض التقديمي لمنتج خاص بشركة «أبل» وخبرة العميل.

وقد أصبح الاستخدام المكثف للزجاج في هياكل مثل مبنى شركة «أبل» الذي يتخذ شكل مكعب زجاجي في «فيفث أفينيو»، بين شارعي 58 و59 في مانهاتن، ومبنى متجرها الذي على شكل أسطوانة في مقاطعة بودونغ بشنغهاي، ومركزها التجاري الشاهق في «آبر ويست سايد» بولاية مانهاتن، مميزا جدا إلى حد أن «أبل» تسعى للحصول على براءة اختراع للعناصر الزجاجية. وقد حازت شركة «بوهلين» على 42 جائزة عن التصميمات التي نفذتها لشركة «أبل»، وحصل بوهلين نفسه على الميدالية الذهبية من المعهد الأميركي للمهندسين المعماريين في عام 2010.

وخلال سنوات عملهما معا بدا أنه قد حدث بين جوبز وبوهلين، الذي يبلغ عمره الآن 74 عاما، نوع نادر من الانسجام.

كان جوبز «شخصا اجتماعيا جدا»، هكذا قال تيمبرليك. وعقب قائلا: «على النقيض من بيتر، فهو ليس فرانك لويد رايت أو فيليب جونسون. إنه لا يدخل الغرفة ويلعب دور الآمر الناهي. إذا دخلت اجتماعا خاصا بالتصميم تجده أقرب إلى محادثة عائلية».

علم فريق يقوده كارل باكوس في شركة «بوهلين سيوينسكي جاكسون» مبكرا أن جوبز يحب أن تطرح عليه بدائل مختلفة. «كم أحب أن تطرح عليه خيارات، وعادة ما كان يقدم اقتراحات تنم عن نفاذ حاد في البصيرة»، هكذا يسترجع باكوس الذي يعيش في كاليفورنيا ويركز طوال الوقت على عمل شركة «أبل». ويواصل قائلا: «استمتعنا جميعا بالتعاون في ما بيننا».

ظهرت فكرة استخدام الزجاج كشكل معماري مميز لمتاجر «أبل» لأول مرة في سلالم متجرها في سوهو، الكائن في مبنى تاريخي.

«كان لدينا مبنى مكون من طابقين، يمثل تحديا كبيرا في دفع الناس للصعود أو الهبوط»، هكذا قال بوهلين. واستكمل قائلا: «لذلك فكرنا في الزجاج. راقت لستيف فكرة السلالم الزجاجية، وقام بتنفيذها. لقد قام بعمل ساحر. أقمنا هذه السلالم التي كانت غاية في الروعة».

نظرا لأن جوبز كان مهووسا بمنتجات «أبل»، فقد دفع بوهلين إلى زيادة درجة صقل الهياكل الزجاجية ونقائها.

«أقنعنا جيمس أوكالاهان بالمشاركة في العمل. وهو مهندس معماري بريطاني ذكي له مكاتب في نيويورك ولندن»، هذا ما قاله بوهلين. واستكمل قائلا: «نحن الآن نثبت دعامات للسلالم من أعلى إلى أسفل».

في أحدث متاجر «أبل»، الكائن في هامبورغ بألمانيا، تسبح السلالم في الفضاء، حيث إنها معلقة فقط من أعلى ومن أسفل. والتركيبات مضمنة في الزجاج، «لذلك ترى منظور الزجاج المصقول الساحر عندما تنظر أعلى الحائط»، هكذا قال بوهلين. وأضاف: «هذا هو نوع التفاصيل التي أرادها ستيف. لقد كنا نسعى للقيام بذلك، عمل المزيد والمزيد بأقل القليل. كانت تلك هي رؤية الهندسة المعمارية منذ أوائل القرن الماضي. قد يقول البعض إن الحداثة تتمثل في فعل المزيد بأقل القليل. أراد ستيف أن نوظف أحدث الوسائل التكنولوجية، مع ضرورة أن تكون مريحة بالنسبة للناس. أحيانا تضيع تلك الفكرة في سياق الحداثة. إنه تحدٍّ شيّق، كيفية المزج بين الجانبين معا».

ظهر استخدام شركة «أبل» للزجاج في الهندسة المعمارية لمتاجر التجزئة كتصميم وعنصر مميز للاسم التجاري في متجرها في «فيفث أفينيو» الذي تم افتتاحه في عام 2006. وكان أول تحدٍّ واجه الموقع هو كيفية جذب العملاء إلى مركز تجاري تحت الأرض كانت تعوزه سمات الجذب كموقع لأحد متاجر التجزئة. وكان الحل هو بناء مبنى من الزجاج الأصلي على شكل مكعب وسلم تغمره الإضاءة الطبيعية.

«توصلنا إلى نتيجة أن هذا أمر لا بد منه. كان مبنى (جنرال موتورز) المتاخم له واجهة ضيقة طويلة، وكان أفضل عناصره مواجها بشكل مباشر لفندق (بلازا). كان كل شيء في المنطقة عموديا. لذلك فكرنا في مربع ضوء. بدا الأمر سهلا، ولكنه في حقيقة الأمر لم يكن كذلك».

تجمعت حشود العملاء قبل 42 ساعة من افتتاح المتجر، وتشكلت الصفوف منذ ذلك الحين، وعادة ما كان يطلب من المختصين بحفظ النظام منع الازدحام. تم الآن تجديد المبنى وتوسيعه. وسعيا لتلبية طلب بوهلين وجوبز الأبدي بعمل المزيد بأقل القليل، سيتم تشييد مبنى مكعب جديد مؤلف من ألواح زجاجية أكبر وبه عناصر ربط مرئية أقل. وعلى الرغم من شهرته والنجاح الذي حققه، فإن بوهلين وشركة «أبل» لم يكررا تجربة المبنى المكعب الزجاجي في مدن أخرى. ويتخذ مبنى متجر «أبل» الجديد في شنغهاي شكل أسطوانة زجاجية، ووُظفت فيه ألواح من الزجاج المنحني. وعلى غرار المبنى مكعب الشكل في فيفث أفينيو، يقود هذا المبنى إلى مساحة كبيرة تحت الأرض، لكن على النقيض، ليست المنطقة المحيطة به مستقيمة، ويقع أكثر المعالم المحلية شهرة، البرج التلفزيوني الشاهق، على زاوية مائلة من ساحة التسوق.

قال بوهلين: «كانت لدينا فكرة تصميم على شكل دائرة. قال ستيف: (لماذا لا تتخذ الساحة المحيطة بالمدخل بالكامل شكل دائرة؟)، قلت إنها فكرة رائعة، لكن الأمر يدخل عن نطاق سيطرتنا. كانت الساحة بالفعل تحت الإنشاء. بطريقة ما، أقنع شركة العقارات بالموافقة على إعداد تصميم جديد وتنفيذه. لا أعلم كيف فعل هذا».

مؤخرا، استخدم بوهلين الزجاج في إنشاء ما يطلق عليه «مراكز التسوق الضخمة»، مثل متجر «آبر ويست سايد» في شارع 66 وبرودواي.

قال: «نحن نقوم بالكثير من تلك الأشياء. الزجاج المصقول. هل يمكن أن يكون التصميم مفصلا بشكل أكثر دقة؟ لست متأكدا. استمررنا في التأكيد على ذلك. كان ستيف عميلا متميزا في هذا الشأن. لم يكن يثبط روح الابتكار التي انطوت عليها رؤيته لما تمثله (أبل) أو ما يمثله هو».

*خدمة «نيويورك تايمز».