«منتدى مرسيليا» للمتوسط ناقش نقطتي تحول تواجه أوروبا اقتصاديا والشرق الأوسط سياسيا واجتماعيا

رئيس مجلس الأعمال السعودي ـ الفرنسي: على الشركات الأجنبية أن تفهم تغير الأمور

TT

أكثر من خمسين محاضرا ومتحدثا و300 مشارك و13 هيئة ومؤسسة وممثلو عشرات الشركات الناشطة في مختلف القطاعات الصناعية والمالية والإنشائية والخدماتية من 15 بلدا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفرنسا وأوروبا بشكل عام، شاركوا في أعمال «منتدى مرسيليا» في دورته الأولى تحت عنوان هو: «الشراكة في الرؤية والازدهار». والمقصود به بين منطقتين متجاورتين يجمع بينهما المتوسط وهما: منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضمت إليها بلدان خليجية حضرت بقوة مثل المملكة السعودية وقطر والإمارات من جهة، وأوروبا، خصوصا المتوسطية، من جهة أخرى.

يومان من المحاضرات والمناقشات واللقاءات اختيرت لهما مدينة مرسيليا المتوسطية المعروفة بكونها نقطة التقاء تاريخية بين شرق المتوسط وجنوبه العربي وغربه وشماله الأوروبي. ولعل أبرز دليل على ذلك، التنوع السكاني الذي تحتضنه مرسيليا وحضور جالية عربية قوية، خصوصا مغاربية فيها. وككل موانئ المتوسط في قديم التاريخ وحديثه، تبدو مرسيليا وهي ثانية مدن فرنسا وأول مرفأ فيها ورابع مرفأ أوروبي، مؤهلة وبشكل طبيعي لاستضافة هذا المنتدى الذي نظمه «المعهد اليورو - متوسطي للأعمال» ومركز الدراسات الاستشرافية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي يرأسه فرنسوا توازي الذي شغل منصب المستشار الدبلوماسي لوزير الخارجية السابق فيليب دوست بلازي ويعمل حاليا مستشارا لمجموعة «أكسا للتأمين».

وأهمية المنتدى الذي تميز كثير من أعماله بالجدية والعمق، خصوصا النقاش الصريح، أنه يأتي على خلفية التحولات الكبيرة الجارية على المقلب الآخر من المتوسط إن في تونس أو مصر أو ليبيا أو سوريا. وتركزت أعمال المنتدى على ستة محاور أساسية: الربيع العربي وفرصه الاقتصادية والمالية، وتحديات التنمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والطاقة والمياه، والمؤسسات المالية في الشرق الأوسط والشراكات الممكنة، ودور التعليم والتأهيل، وأخيرا دور الجالية العربية في أوروبا والمجتمع المدني في توثيق العلاقات بين ضفتي المتوسط.

يقول فرنسوا توازي إن ما يجمع بين الضفتين هو أنهما تجتازان مرحلة استثنائية؛ فمن جهة، تواجه أوروبا أزمة مالية واقتصادية لا تعرف كيفية الخروج منها. ومن جهة ثانية، يعيش العالم العربي أزمة التحولات السياسية التي ستتبعها تحولات اقتصادية واجتماعية. وفي الحالتين، لن يكون الخروج من الأزمة ممكنا من غير انطلاقة اقتصادية؛ إذ إن «أحلام الربيع العربي ستؤول إلى الفشل وعدم الاستقرار وصعود التطرف والتوترات الاجتماعية في غياب نهضة اقتصادية حقيقية». أما على المقلب الأوروبي، فإن هذه النهضة مطلوبة للخروج من الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية. وفي الحالين، ثمة حاجة لتعبئة اللاعبين الاقتصاديين، خصوصا القطاع الخاص. ولذا، فإن كل طرف بحاجة إلى الطرف الآخر. أوروبا بحاجة لجنوب المتوسط وشرقه من أجل استعادة نموها المتباطئ، والجنوب والشرق بحاجة لخبرات أوروبا ودعمها لإنجاح إصلاحاتهما، خصوصا الاقتصادية، مما يحمل المؤسسات الاقتصادية والشركات واللاعبين الاقتصاديين لدى الجانبين مسؤولية خاصة لإنجاح الربيع العربي، وللخروج من حالة المراوحة والانكماش الاقتصادي من جهة ثانية. ولذا، فإن أقصر السبل يقوم على إقامة شراكات حقيقية مفيدة للجانبين عبر حوار وتعاون اللاعبين الاقتصاديين، وهو ما سعى المنتدى لتوفيره بدعوته نخبة متنوعة منهم وتوفير الإطار اللازم لهم، وهو ما تجسده مدينة مرسيليا. ويشدد توازي على أهمية العمل الآن على التعبئة والمبادرة اليوم وعدم التزام حالة الترقب والانتظار.

من هذا المنطلق، غلب على المنتدى الجانب الاقتصادي بالمفهوم الواسع. ورغم وجود عدد من المسؤولين والسياسيين بينهم الوزيرة جانيت بوغراب، وزيرة الدولة الفرنسية لشؤون الشباب، ويوسف عمراني أمين عام «الاتحاد من أجل المتوسط»، ورينو موزوليه رئيس بلدية مرسيليا، والشيخ حمد بن علي آل ثاني نائب رئيس البرنامج القطري للأمن الغذائي، ونحو عشرة سفراء، فإن أهمية المناقشات كمنت في أنها تعرضت لمسائل محسوسة ولم تغرق في التساؤلات والعموميات. واغتنم القادمون من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المناسبة للتحدث بصراحة إلى نظرائهم الأوروبيين.

وقال كامل المنجد رئيس مجلس الأعمال السعودي – الفرنسي، إنه يتعين على الشركات الغربية أن تفهم أن الأمور تغيرت في السعودية؛ إذ لم يعد مقبولا أن تأتي الشركات وتفوز بعقود وتنفذها ثم ترحل. المطلوب اليوم، كما قال، أن يندرج عمل هذه الشركات في إطار الخطط التي تضعها الحكومة لتشارك في التأهيل المهني والتعليمي ونقل المعارف والتقنيات والمساعدة على أن تندرج هذه الأعمال في إطار تأهيل الشباب ومحاربة البطالة، بمعنى أن المطلوب هو «شراكة حقيقية». وقد رد رئيس شركة «أكسا للتأمين» في الشرق الأوسط جان لوران غرانيه على ذلك بتأكيده أن ما تقوم به «أكسا» هو «بناء شراكات على المدى الطويل» في المنطقة وتفضيل «التوظيف المحلي» والمساعدة على تأهيل الشباب في قطاع التأمين بحيث يواكب النمو الاقتصادي ويستجيب للحاجات الجديدة. وخلص غرانيه إلى أن «أكسا» تريد أن تكون «سعودية في السعودية وجزائرية في الجزائر..» وهكذا دواليك.

أما الوزيرة الفرنسية جانيت بوغراب، فقد شددت على أهمية دور الشباب على ضفتي المتوسط وعلى الحاجة إلى إيجاد برامج جامعية تقرب بينهم مثل برنامج «أيراسموس» الخاص بتبادل الطلاب على المستوى الأوروبي، داعية إلى أن يلتئم المنتدى سنويا. وذهب جان رنيه جيان، مدير المكتب المتوسطي للشباب الذي تشارك فيه 16 دولة متوسطية، في الاتجاه عينه؛ حيث اعتبر أن تأهيل الشباب «حاجة أساسية للاستقرار الاجتماعي والسياسي والنهضة الاقتصادية» داعيا لأن يكون أولوية الأولويات على جانبي المتوسط.