استلهاما لـ«الربيع العربي».. خريف غضب غربي لإسقاط النظام الرأسمالي «المتوحش»

محتجون يتساءلون: ما الفرق بين النظام الرأسمالي الغربي.. ونظام القذافي مثلا؟

محتجون غاضبون في لندن ضد النظام الرأسمالي قاموا بتغيير اسم الساحة التي تجمعوا فيها إلى «ميدان التحرير» تيمنا بميدان التحرير في مصر.. وكتبوا لافتة تقول: «صندوق النقد الدولي هو مبارك العالم» (أ.ف.ب)
TT

اشتعلت قبل أسابيع حركة الاحتجاج ضد النظام الرأسمالي الغربي «المتوحش» في الولايات المتحدة، وتحديدا في عاصمتها المالية نيويورك بحركة «احتلوا وول ستريت»، شارع المال ورمز هذا النظام الرأسمالي «الظالم»، الذي يشجع الجشع، كما يجمع المحتجون.

هذه الحركة التي بدأت في أميركا تحولت إلى حركة عالمية، عندما نُظمت يوم السبت الماضي حركات احتجاج عالمية في أنحاء عدة من العالم، قال منظموها إنها عمت نحو 800 مدينة في نحو 70 بلدا في كل جهات العالم وخاصة في أميركا، وأوروبا وآسيا.

الذين دعوا إلى هذه الحركة الاحتجاجية العالمية أصدروا قبل أيام «مانيفستو» أو بيانا تبناه ودعمه الكثير من الكتاب والمفكرين، وإن كان فيهم الكثير ممن يحسبون على اليسار، من بينهم نعومي تشومسكي، ونعومي كلاين، فإن فيهم أيضا ممن يحسبون على اليمين والمؤمنين بالرأسمالية واقتصاد السوق، لكنهم فقدوا ثقتهم فيها بعد أن «اختطفها» النظام الحالي وحولها وترك على وجهها ندوبا لم يعد بالإمكان السكوت عنها. في هذا «المانيفستو»، الذي أعاد إلى الذاكرة «المانيفستو الشيوعي» الذي أطلقه كارل ماركس، وزميله فريدريك انجلز عام 1848، تمت الدعوة في البيان إلى «دمقرطة» النظام المالي العالمي الحالي، والإشارة إلى «الربيع العربي» كمصدر إلهام.. وكأن الذين يقفون وراء البيان يرفعون شعار «الشعب يريد إسقاط النظام الرأسمالي الغربي على غرار «الشعب يريد إسقاط نظام بن علي ومبارك والقذافي والأسد وصالح»! تماما مثل احتجاجات الربيع العربي ليس للحركة الاحتجاجية العالمية هذه، أو ما يمكن تسميتها بـ«خريف الغضب» ضد النظام الرأسمالي «المتوحش» و«الظالم» زعيم، إنما ناشطون غاضبون ملوا وسئموا من «جور وظلم» هذا النظام غير العادل، الذي يخدم الغني ويسحق الفقير، والذي يغدق على «القطط السمان» من المصرفيين الكبار، الذين تسببوا في الأزمة المالية العالمية بجشعهم ومضارباتهم، التي أدت إلى انهيار بنوك، واضطرت الحكومات، خاصة في الغرب، إلى إنقاذها. وبينما تحمل المواطن البسيط، دافع الضرائب، فاتورة عمليات الإنقاذ هذه التي بلغت مئات المليارات من الدولارات (أكثر من 80 مليار دولار مثلا في بريطانيا لإنقاذ بنوك «نورذر روك» و«رويال بنك أوف سكوتلند» و«لويدز تي إس بي»)، فإن المتسببين في الأزمة من المصرفيين استمروا في الحصول على علاواتهم ومرتباتهم الضخمة على الرغم من أن البنوك التي تم إنقاذها لم تكن تحقق أرباحا، بل بالعكس تتكبد خسائر ضخمة. ومثل احتجاجات «الربيع العربي»، يتم الحشد للاحتجاجات العالمية ضد الرأسمالية عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وخاصة «فيسبوك».

والمثير للضحك إلى حد البكاء، أن العقيد الليبي المخلوع معمر القذافي «الهارب»، ادعى في رسالة صوتية قبل نحو أسبوع، مسؤوليته عن تحريك مظاهرات «وول ستريت» في نيويورك، وقال إنها تأتي في سياق خلق الفوضى في الغرب ردا على إثارة الفوضى في ليبيا، حسب زعمه.

وادعى القذافي في الرسالة الصوتية، أن مظاهرات 10 آلاف أميركي في «وول ستريت» حي المال والأعمال بنيويورك هو وأنصاره من حركوها.

وقال القذافي: «نحن من حركنا المظاهرات في (وول ستريت) والغرب عموما، والفوضى بالفوضى»! البعد التهكمي أو دعنا نقول حتى «الكوميديا السوداء» في الموضوع لا تتوقف هنا فقط، إنما في دلالات استلهام المحتجين ضد الرأسمالية الثورات العربية، التي أطاحت بأنظمة «فاسدة»، فالمحتجون في «وول ستريت» وفي لندن وروما ومدريد ومدن غربية أخرى انتفضوا ضد النظام الرأسمالي الذي لا يرون اختلافا في جوهره التعسفي وغير العادل و«المحاباتي» بينه وبين نظام الزعماء العرب المخلوعين على التوالي؛ التونسي زين العابدين بن علي، والمصري حسني مبارك، والليبي معمر القذافي.. وفي هذا السياق ليس من المبالغة ربما القول إن المصرفيين «المنتفعين» في النظام الرأسمالي الغربي لا يختلف وضعهم عن المنتفعين من أعضاء اللجان الشعبية في نظام القذافي مثلا، أو أعضاء الحزب الوطني في نظام مبارك، أو حزب بن علي والحاشية المقربة من المخلوعين الثلاثة.

واللافت هنا مثلا أن المحتجين الغاضبين في لندن ضد النظام الرأسمالي، المتجمعين قرب بورصة لندن، وبالضبط في كاتدرائية القديس بولس، بعد أن منعتهم الشرطة البريطانية من الاقتراب أكثر من بورصة لندن، قاموا بتغيير اسم الساحة التي تجمعوا فيها ونصبوا خيامهم فيها، إلى اسم «ميدان التحرير»، تيمنا بميدان التحرير في مصر.

وفي مقال نشره في صحيفة «نيويورك تايمز» بعنوان: «صرخة هامة داخل أميركا»، يقول الكاتب نيكولاس كريستوف: «من المثير أن يتفهم الكثير من الأميركيين حالة الغضب والإحباط التي دفعت المصريين للاحتجاج بميدان التحرير، ولكنهم لا يتفهمون مشاعر مماثلة دفعت إخوة لهم في الوطن يشعرون بالإحباط لـ(احتلوا وول ستريت)». ويؤكد الكاتب: «بالطبع توجد اختلافات، فشرطة نيويورك لا ترسل جمالا لتدهس المحتجين (في إشارة لواقعة الجمل في ميدان التحرير بمصر).. بيد أنه جاءت مقابلات أجريتها مع محتجين في «زوكوتي بارك» داخل مانهاتن منسجمة مع مقابلاتي داخل ميدان التحرير بمصر) في وقت سابق من العام الحالي».

ويشير كريستوف في مقاله إلى عدم العدالة في توزيع الثروات في أميركا، حيث يؤكد أن «أغنى 400 أميركي لديهم (مجتمعين) صافي ثروة أكبر من مجموع 150 مليون أميركي». وللإشارة، يركز المحتجون ضد النظام الرأسمالي في الغرب عموما احتجاجاتهم ضد سياسة التقشف التي تتبعها الحكومات الغربية الخاصة، التي يتضرر منها المواطنون البسطاء، ويطالبون بمزيد من العدالة الاجتماعية، وبزيادة الضرائب المفروضة على الأغنياء.

وربما أقصى مثال يمكن ذكره في هذا السياق ما كشفه وارن بافيت، ثاني أغنى رجل في أميركا، وثالث أغنى رجل في العالم، الذي كشف أنه يدفع ضرائب أقل من سكرتيره الخاص! و قد دعا بافيت إلى زيادة الضرائب على الأثرياء في أميركا.