لهذه الأسباب.. حائزا جائزة نوبل للاقتصاد منزعجان

حصل عليها هذا العام الأميركيان توماس سارجنت وكريستوفر سيمز

حائزا جائزة نوبل للاقتصاد هذا العام كريستوفر سيمز (يسار) وتوماس سارجنت (أ.ب)
TT

قد تكون جائزة نوبل هي من أكثر الجوائز لفتا للانتباه. عندما أصبح ثيودور روزفلت أول أميركي يفوز بها عام 1906، كان لديه بالفعل منبر بارز هو البيت الأبيض وكان يشير إليه بطرب. مع ذلك لا يعتاد توماس سارجنت من جامعة نيويورك، وكريستوفر سيمز من جامعة برنستون اللذان حصلا على جائزة نوبل للاقتصاد يوم الاثنين الماضي على أضواء وسائل الإعلام. ولم يستمتعا بالجائزة تماما الأسبوع الماضي.

شعر الأستاذ سارجنت بالحيرة عندما سأله ممثل جائزة نوبل عن شعوره بعد اعتماده خبير اقتصاد في وقت يعاني فيه العالم من ركود اقتصادي. وقال: «أنا لا أعرف الكثير عن هذا الأمر، فأنا أكاديمي ينظر إلى الأرقام في محاولة لفهم ما الذي يحدث، لذا لا أعرف ماذا أقول».

لم يرق للأستاذ سيمز الحديث هو الآخر، فقد طلب منه خلال مؤتمر صحافي في جامعة برنستون التعليق على عمليات الإنقاذ المالي في الولايات المتحدة، فقال: «تتطلب الإجابة عن أسئلة من هذا النوع تفكيرا متأنيا وتحليلا عميقا للبيانات. لن تكون الإجابات بسيطة». لم يعتد سيمز أو سارجنت على الحديث دون تفكير متأن عميق، لذا يقول سيمز: «لا تتوقع منا قول الكثير». مع ذلك الصحافة تعادي وتكره الفراغ، لذا تحدثت بعض الصحف عن آراء الحائزين على جائزة نوبل. ونشر مقال رأي في صحيفة «وول ستريت جورنال» يوم الثلاثاء تحت عنوان «جائزة نوبل تذهب إلى معارضي النظرية الكينزية» مما يضع الأستاذين الجامعيين في معسكر المعارضين لفلسفة التدخل الخاصة بعالم الاقتصاد البريطاني جون مينارد كينز. وجاء في المقال إن الاثنين تسببا في «صدوع وشروخ في دروع المدافعين عن النظرية». وكذلك أشار المقال إلى أنهما «يختلفان مع رواج النظرية الكينزية ومتفقان مع توجهات الحكومة التي هيمنت على السياسة الاقتصادية العالمية عام 2008».

إنه خطاب مقنع، لكنه لا يعبر عن أفكار سيمز، كما قال لي في مكالمة هاتفية الأسبوع الماضي، حيث أوضح أنه لا يعبر عن آراء الأستاذ سارجنت ولم يحدث سوى تبادل بعض الرسائل بالبريد الإلكتروني.

لا يريد الأستاذ سيمز أن يوضع في إطار تصنيفي محدد، حيث قال: «أنا لست من معارضي النظرية الكينزية»، مضيفا أنه كان يدعو بحماس إلى «نماذج كينزية جديدة تتعلق بالاقتصاد الشامل لأنها تمثل الوضع الذي تجتمع فيه النظرية والبيانات وصناعة القرار». وقال: «لا يوجد أي معنى في الوقوف على الهامش وانتقادها. إذا لم تكن تحب طريقة عملها، ينبغي أن تقدم ما هو أفضل».

ويحاول سيمز سارجنت العمل على نهج تجريبي للاقتصاد الشامل باستخدام وسائل إحصائية رسمية، وليست من الضروري أن تكون فكرية في حد ذاتها، على حد قوله. وأثنى الأستاذ سيمز على برامج الحوافز المالية التي وضعتها إدارة أوباما، رغم أنها تستند إلى النظرية الكينزية في الإنفاق الذي يسير عكس الدورة الاقتصادية. وقال: «ربما نحن بحاجة الآن إلى سياسة مالية توسعية».

مع ذلك انتقد الرؤية التقليدية للنظرية الكينزية لعدم كفاءتها من حيث «البعد المؤقت» بما يعني أنها لا تركز على عواقب استمرار العجز على المدى الطويل. وقال: «عواقب هذا على الصرامة في المستقبل مهمة للغاية. الجدل السياسي الدائر حاليا لا يفيد».

يستحق الرئيس أوباما الثناء لتقديمه «حلا وسطا رائعا» مثل خفض النفقات وزيادة الضرائب من أجل حل مشكلة عجز الميزانية على المدى الطويل، على حد قول سيمز. وانتقد تزعم أعضاء الكونغرس الجمهوريين محاولات عرقلة زيادة الضرائب التي يرى أكثر خبراء الاقتصاد أنها ضرورية. ويوافق بوجه عام على السياسات النقدية التوفيقية التي يتبناها مصرف الاحتياطي الفيدرالي التي يقودها خريج جامعة برنستون بن برنانكي، الذي وصفه بأنه من «مجددي النظرية الكينزية».

سألت ما إذا كان هناك ما يدعو إلى القول إنها جائزة نوبل لمعارضي «النظرية الكينزية»، فأجاب بـ«نعم»، لكنه أشار إلى أن ذلك بالمعنى التاريخي القديم المشتق من الحجج البالية التي تعود إلى اقتصاد «المدارس المتحاربة» في السبعينات والثمانينات. واستخدم ويليام نوردهاوس من جامعة يال وبول صامويلسون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا هذه العبارة عام 1985. إنهم نصبوا الأستاذ سارجنت في جامعة مينيسوتا كزعيم لـ«مدرسة التوقعات العقلانية» التي كانت مكروهة «من مؤيدي النظرية الكينزية التقليدية».

ما هي نظرية التوقعات العقلانية؟.. أوضح الأستاذ سارجنت في مقال عام 2007 أنها تتناول «الأوضاع الاقتصادية التي تعتمد نتيجتها على ما يتوقع الناس حدوثه». وتعد هذه النظرة حاليا جزء من «التوجه السائد العصري» في عالم الاقتصاد، كما أوضح الأستاذ نوردهاوس في رسالة بالبريد الإلكتروني.

ويقول سارجنت في مقاله: «في الوقت الذي يعتقد فيه أن التوقعات العقلانية مدرسة فكرية في الاقتصاد، من الأفضل النظر إليها كطريقة نمذجة شائعة استخدمت بكثرة في عالم الاقتصاد». وأوضح أن الفكرة تطورت نتيجة عمل الكثير من علماء الاقتصاد من ضمنهم كينز.

فيما يلي الطريقة التي يقول الأستاذ سارجنت إنها طريقة عمل النظرية.. تعتمد قيمة العملة ومعدل انخفاضها بشكل جزئي على المعدل الذي يتوقعه الناس لأن الناس تندفع نحو التخلي عن العملة التي يتوقعون أن قيمتها ستنخفض مما يساهم في حدوث ذلك بالفعل. بنفس الطريقة يعتمد سعر سهم أو سند بشكل ما على توقعات المشترين والبائعين بشأنه في المستقبل.

يقول الأستاذ سيمز في تصريحاته الأولى إن النظرية كانت «آيديولوجية وجدلية». واستخدمت أحيانا للإشارة ضمنا إلى أن تدخل الحكومة في السوق لن يجدي، لأن «الناس يدركون ما تريد فعله. لذا لن يكون للكثير من هذه السياسات أي تأثير».

أما الآن فيقال صراحة إن «التوقعات العقلانية تغرس داخل نموذج كل فرد». مع ذلك أصبحت تلك النظرية مقاربة قديمة ويعمل مع الأستاذ سارجنت على تجاوزها. ويشير إلى أن الجميع لا يستطيعون استيعاب المعلومات الاقتصادية بشكل كامل وسريع وكثيرا ما ينخرطون فيما وصفه بعدم انتباه عقلاني. ويقول على سبيل المثال إن الكثير منا يطلعون على حساباتهم المصرفية أو يستوعبون كل المعلومات التي لها علاقة بالمحافظ الاستثمارية. ودمج هذا السلوك في نماذج اقتصادية هو المحور الذي يركز عليه حاليا كما يفعل الكثير من علماء الاقتصاد السلوكي. وما زال البحث مستمرا في إطار العديد من التصنيفات. وقال ميلتون فريدمان، الحائز على جائزة نوبل عام 1966: «من جانب، نحن جميعا الآن من مؤيدي النظرية الكينزية، لكن من جانب آخر، لم يعد أحد مؤيدا للنظرية الكينزية بالفعل»، أو حتى غير مؤيد لها.

* خدمة «نيويورك تايمز»