الآمال تخبو بشأن توصل قادة اليورو لحل أزمة الديون

وسط مخاوف من التداعيات على اليورو وارتفاع الفائدة على السندات

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تحاول إقناع البرلمان الألماني بسياساتها تجاه حل أزمة الديون وقد بدا إلى جانبها وزير المالية شويبله أمس
TT

كافح القادة الأوروبيون لمدة عامين من أجل إعادة الأسواق المالية لوضعها الطبيعي، مواجهين أزمة دين يحتمل في النهاية أن تعرض عملة اليورو الأوروبية الموحدة للخطر. غير أن الجهود المضنية التي قاموا بها كشفت عن أن ما اعتقد من قبل أنه وضع طبيعي لم يعد واقعيا. فحتى إذا صمد اليورو، ربما تواجه منطقة اليورو فترة طويلة مشابهة تماما للعامين الماضيين؛ نموا اقتصاديا بطيئا وهبوط مستوى الثقة بين المستثمرين، فضلا عن صراع محكوم عليه بالفشل من جانب دول مثل اليونان من أجل مواكبة الوضع المتغير باستمرار.

ويعقد القادة الأوروبيون اجتماعا آخر لمخاطبة تلك المشكلات، التي تعتبر من بين أبرز المخاطر التي تهدد الاقتصاد العالمي. ويعتبر هذا ثالث اجتماع يعقد منذ نهاية عام 2009، حينما زادت حدة المخاوف من احتمال عجز الحكومة اليونانية عن سداد الديون على سنداتها الحكومية. ولو كانت الاجتماعات السابقة بمثابة دليل إرشادي، فربما ينجح القادة الأوروبيون في التقليل من حجم الأزمة في الوقت الراهن. ولكن مع بدء وزراء مالية من دول اليورو مشاورات في بروكسل يوم الجمعة، بدأت تخبو الآمال في اتخاذ الإجراء الطموح الذي حث عليه مسؤولون أميركيون ومسؤولون من دول أخرى. وربما تكون أفضل الآمال بالنسبة لمشروع اليورو نفسه قد خبت بالمثل.

«اعتقد النظام بأكمله أنه يمكنك أن تحصل على شيء مقابل لا شيء؛ وحصولك على اليورو أمر جيد»، هكذا قال أندريه سابير، محلل في مؤسسة «بروغل» البحثية في بروكسل. خلال معظم فترات العقد الماضي، جعلت العملة المستخدمة كثيرا من المستثمرين يفكرون في أن كل أعضاء منطقة اليورو يمثلون رهانا آمنا. لذلك، فحتى الدول المثقلة بالديون، مثل إيطاليا واليونان، يمكنها اقتراض أموال بمعدلات لا تختلف كثيرا عن تلك التي تقترض بها ألمانيا، ماكينة النمو الاقتصادي الأوروبي. لكن الآن، يعتبر سابير واحدا من بين هؤلاء الذين يشكون في أن أي إجراء يتخذه قادة المنطقة - بخلاف إدخال تغييرات جوهرية في الاتفاقية التي تعزز اليورو - سيؤدي إلى عودة تلك الأيام مجددا.

«هل من الممكن أن يتحسن الوضع من دون اتفاقية جديدة أو عقد جديد؟ هل من الممكن علاج مشكلة الثقة في إطار القواعد الحالية؟ هذا سؤال عادل»، قال سابير.

ذكر تقرير صدر مؤخرا عن صندوق النقد الدولي إن الضغط المالي في دول مثل اليونان والبرتغال وإسبانيا ربما يكون دائما، وسيترك أوروبا مقسمة إلى طبقات اقتصادية. وسوف تكون أصح الطبقات، التي ربما تضم ألمانيا وبعض دول الجوار القوية من الناحية المالية، قادرة على الاقتراض بتكلفة زهيدة والمنافسة بفعالية في الاقتصاد العالمي. وربما تواجه الدول الأخرى أسعار فائدة مشابهة لتلك التي تدفعها دولة نامية وتناضل من أجل البقاء. لقد ارتفعت أسعار الفائدة على السندات الإيطالية والإسبانية إلى أكثر من 5 في المائة، وهو ما يمثل أكثر من ضعفها بالنسبة لألمانيا. وتهدف البرامج المطروحة للمناقشة في بروكسل إلى خفض تلك النسب، غير أن كثيرا من المحللين يشكون في إمكانية أن يعود مجددا نظام الاقتراض بأسعار فائدة منخفضة، الذي كان سائدا وقت بداية ظهور عملة اليورو. خلال العامين المنصرمين، تدنت ثقة المستثمرين في اليونان وآيرلندا والبرتغال بدرجة كبيرة إلى حد أن هذه الدول لم يتسن لها اقتراض أموال بأسعار فائدة معقولة وتعين عليها اللجوء إلى آلية تمويل الطوارئ من دول الجوار وصندوق النقد الدولي.

الفروق في تكاليف الاقتراض «باتت أمرا عاديا في الدول الواقعة تحت ضغط في الوقت الراهن. وربما تزيد على مستواها الحالي في الدول الأخرى»، هذا ما جاء في تقرير أصدره مؤخرا صندوق النقد الدولي بشأن منطقة اليورو.

وفي كل مرحلة من مراحل مواجهة الأزمة، تصرف القادة الأوروبيون كما لو كان يفصلهم قرار واحد سديد أو اثنان فقط عن استعادة ثقة المستثمرين وإنعاش النظام المالي من جديد. غير أن العامين الماضيين قد كشفا النقاب عما يشير إليه مستثمرون ومحللون سياسيون باعتباره مشكلات أساسية تتعلق بالنظام الأساسي لمنطقة اليورو.

على سبيل المثال، أنشئ البنك المركزي الأوروبي لهدف واحد؛ التحكم في معدل التضخم، حيث الاختصاصات الأضيق نطاقا من اختصاصات بنوك مركزية كبرى أخرى مثل مصرف الاحتياط الفيدرالي الأميركي أو بنك إنجلترا. وقد أوضحت أزمة الدين جليا أنه لا توجد أي دولة من بين الدول الـ17 في منطقة اليورو يمكنها الاعتماد على نوع معين من الدعم قدمه مصرف الاحتياط الفيدرالي أثناء الأزمة المالية الأميركية التي بدأت في عام 2007. ومع تقلب النظام المالي الأميركي وتباطؤ النمو الاقتصادي، اتخذ مصرف الاحتياط الفيدرالي خطوات استثنائية من أجل دعم الأسواق الخاصة بأنواع معينة من الأوراق المالية وضخ مئات المليارات من الدولارات في الاقتصاد من خلال صفقات شراء سندات ضخمة.

وأشار الخبير الاقتصادي البلجيكي، بول دي خراو، مؤخرا إلى أن دول منطقة اليورو تصدر سندات بعملة ليس لها أي تأثير لأنها لا تملك بنوكا مركزية. بشكل تقليدي، يمكن أن تعتمد الدول على بنوكها المركزية إذا اقتضت الضرورة القصوى لتوفير الأموال اللازمة لسداد قيمة السندات الحكومية عند استحقاق أجلها. «هناك ضمان خفي على أن البنك المركزي هو مقرض الملاذ الأخير في سوق السندات الحكومية»، هكذا كتب دي خراو. لكن حكومات منطقة اليورو «لا يمكنها أن تضمن لحاملي السندات أنهم سيملكون السيولة الضرورية دائما لدفع قيمة السند وقت استحقاقه». لم يكن ذلك الفارق يشكل أهمية إلى أن بدأت الحكومات في الكفاح من أجل سداد ديونها.

وقد اتخذ البنك المركزي الأوروبي إجراءات استثنائية أثناء الأزمة - من بينها برنامج لمساعدة إسبانيا وإيطاليا من خلال شراء سنداتهما - بعض أعضاء مجلس إدارة البنك المركزي يقولون إنه ينتهك سلطته الرسمية. ورفض قادة البنك المركزي الأوروبي اتخاذ إجراء أكثر توسعا. لكن من دون مشاركة البنك، فإن الجهود الرامية إلى إنشاء برامج إنقاذ ضخمة بالقدر الكافي لحماية اقتصادات رئيسية مثل إيطاليا من العجز عن سداد الديون تبدو غير كافية على نحو لا يدع مجالا للشك. وقد تم إلغاء إجراءات دعم أخرى للنظام المالي في منطقة اليورو.

على سبيل المثال، لم يعد من الممكن افتراض أن السندات الحكومية الأوروبية لا تحمل أي خطر عجز عن السداد، على الرغم من أن مصرفيين ومنظمين قد تعاملوا مع كل تلك السندات باعتبارها خالية من المخاطر. في الوقت نفسه، لم يعد التزام دول منطقة اليورو بالوقوف وراء بعضها البعض مؤكدا. وبعد مرور عامين على بدء الأزمة، تبدو اليونان في خطر بسبب الخلاف حول من سيسدد ديونها.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»