صراع الكبار في قمة الـ20 على إنقاذ اليورو

مصادر لـ«الشرق الأوسط» : دول الخليج لديها مصالح حقيقية في إنقاذ منطقة اليورو

TT

اشتهرت مدينة كان الفرنسية الساحرة الخلابة بالمهرجان السينمائي وبريق النجوم وتألق الجمال ولكنها في الخميس المقبل ستشهد معركة من نوع آخر وهي معركة الاقتصاد والسياسة بين الكبار، حيث تستضيف المدينة الساحرة ليومين، هما يوما الرابع والخامس من نوفمبر (تشرين الثاني)، قمة مجموعة العشرين التي تعد واحدة من أهم القمم في تاريخ المجموعة التي تأسست في نهاية التسعينات وتضم أكبر 20 اقتصادا في العالم من بينها السعودية.

وتنبع أهمية هذه القمة من ضخامة المواضيع المطروحة أمامها، وهي مواضيع تتعلق بإنقاذ اقتصاد اليورو وبالتالي إنقاذ الاقتصاد العالمي من كارثة مالية جديدة، ولكنها لا تقف عند هذه المواضيع فإن أجندة الاجتماع المتشعبة تتناول أربعة محاور رئيسية. وهي أولا: إنعاش الاقتصاد العالمي واستعادة النمو الاقتصادي بعد سنوات الركود التي ضربت الاقتصادات العالمية، خاصة اقتصادات أميركا وأوروبا واليابان. وثانيا: تمويل خطة إنقاذ اليورو التي أقرت يوم الخميس الماضي، خاصة الجزء المتعلق بتمويل صندوق الاستقرار المالي الأوروبي الذي رفع رأس ماله من 440 مليار يورو إلى تريليون يورو (نحو 1.4 تريليون دولار). وثالثا: توسيع رأسمال صندوق النقد الدولي أو إنشاء آلية تمويل داخل الصندوق، حتى يتمكن من المساهمة في إطفاء حرائق ديون اليورو. ورابعا: قضية العملة الصينية «الرينمينبي» أو اليوان وسياسة الصين النقدية التي تقلق العالم، من حيث أن الصين تبطئ في تحرير عملتها، كما تحتفظ بسعر صرف منخفض لليوان، حتى تتمكن من رفع تنافسية صادراتها على حساب الصادرات الأميركية والأوروبية واليابانية.

من بين هذه المحاور الأربعة، فإن المحورين الساخنين هما، زيادة رأس مال صندوق النقد الدولي أو إنشاء آلية لتمويل صندوق الاستقرار المالي الأوروبي الذي يتوفر فيه الآن نحو 200 مليار يورو ويحتاج إلى قرابة 800 مليار في شكل تمويلات جديدة. ولا يعني ذلك أن الصندوق سيستخدم هذه التمويلات عاجلا، ولكنه سيستخدمها على دفعات في شراء سندات الدول الأوروبية المتعثرة ماليا، حتى يخفض نسبة الفائدة على التمويل، خاصة تمويل الإنفاق في إيطاليا وإسبانيا واليونان. أما المحور الثاني فهو محور العملة الصينية أو اليوان الصيني الذي يهدد الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة وأوروبا ويغرق أسواقها بالبضائع الرخيصة ويقلل تنافسية بضائعها في الأسواق المحلية والعالمية. ومن المعروف أن اقتصاد الولايات المتحدة يحتاج إلى خلق فرص وظيفية تخفض معدل البطالة من مستواها المرتفع الحالي (9.00%) كما يحتاج إلى إنعاش القطاعات الصناعية داخليا وإنعاش الصادرات الأميركية في الأسواق العالمية. وحسب دراسة نشرها حديثا معهد «بيترسون إنستتيوت» الأميركي للدراسات المالية والاقتصادية، وهو معهد القريب من الكونغرس الأميركي، فإن اليوان الصيني الذي يحتفظ بقيمة أدنى من سعر صرفه الحقيقي يهدد النمو الأميركي ويضرب تنافسية البضائع الأميركية في الخارج، وبالتالي لا بد من معاقبة الصين على ذلك لمنع اختلال النمو العالمي. من هذا المنطلق أجاز الكونغرس في الشهر الماضي قانونا تجاريا لمعاقبة البضائع الصينية ولكن الرئيس الأميركي لم يوقعه بعد. ويخشى اقتصاديون أن تشهد الفترة المقبلة اندلاع حرب أسعار صرف إذا لم تتمكن الصين من تحرير اليوان ودفعه بشكل أسرع نحو سعره الحقيقي. وفي صعيد حرب الأسعار تدخل البنك المركزي الياباني أول من أمس في أسواق الصرف حيث ضخ أكثر من 7 تريليونات ين (نحو 98.7 مليار دولار) في أسواق الصرف لخفض قيمة الين ورفع معدل تنافسية البضائع الصينية. ويعد هذا من أضخم أحجام التدخلات التي تجريها البنوك في أسواق الصرف العالمية.

ولكن حسب خبراء استثمار تحدثت معهم «الشرق الأوسط»، فإن موضوع تمويل صندوق إنقاذ اليورو سيكون من أهم المحاور في القمة، حيث إن هنالك الكثير من التناقضات والخيارات المطروحة بشأن تمويله. في هذا الصدد قال لويد شولتز المدير التنفيذي والشريك في الصندوق الاستثماري «إيميرجينغ غروث إنفستمنت بارتنرز- إي جي آي بي»، الذي يوجد مقره في حي السيتي بلندن، إن قضية تمويل صندوق الاستقرار المالي الأوروبي ستكون من المواضيع المهمة التي ستناقش في قمة الـ20 التي ستعقد في كان يوم الخميس. وقال لويدز في تعليقات لـ«الشرق الأوسط» إن الولايات المتحدة لن تعارض عملية تمويل صندوق الاستقرار الأوروبي عبر إنشاء آلية خاصة داخل الصندوق لإنقاذ أوروبا تكون مفتوحة للمساهمات الدولية، ولكنها قد لا تساهم في عمليات التمويل، لأنها مشغولة حاليا بقضايا إنعاش الاقتصاد الأميركي. ويذكر أن أميركا كانت قد عارضت في قمة الـ20 الماضية مشروعا لتوسيع رأسمال صندوق النقد الدولي وقالت إن الصندوق لا يحتاج إلى رأسمال جديد. وقالت مصادر مصرفية في لندن لـ«الشرق الأوسط» إن الولايات المتحدة تعارض مشروع زيادة رأسمال صندوق النقد في هذا الوقت الذي تعيش فيه وحلفاؤها الأوروبيين ضائقة مالية، لأنه سيفتح الباب أمام الصين للتفاوض حول المناصب الإدارية وتوجيه سياسات الصندوق. ويذكر أن الولايات المتحدة أعادت بناء أوروبا بعد دمار الحرب العالمية الثانية ضمن خطة تمويل ضخمة أطلقت عليها مشروع «مارشال». وأشارت المصادر إلى أن لدى الصين أطماعا في توجيه سياسة الصندوق، وربط عمليات تمويلها لديون أوروبا بشروط قد تمنحها الهيمنة مستقبلا على التجارة في أوروبا.

إلا أن المصرفي والقانوني شولتز استبعد في تعليقاته لـ«الشرق الأوسط» أن تكون عملية توسيع رأس مال الصندوق موضوعا في أجندة اجتماع القمة. وقال إن الولايات المتحدة ستقول لمن يقترح استخدام صندوق النقد لتمويل خطة الإنقاذ الأوروبية، «استخدموا الصندوق ولكننا لن نشارك في التمويل، لأن الولايات المتحدة تريد أن تحل أوروبا أزمتها بنفسها». وقال إن إنشاء آلية في صندوق النقد لتمويل خطة إنقاذ اليورو ستكون أفضل من الاستثمار مباشرة في صندوق الاستقرار المالي الأوروبي. وشرح ذلك بقوله لـ«الشرق الأوسط» إن صندوق النقد لديه الخبرات والفهم العميق والمصداقية للتعامل مع عمليات التمويل مقارنة بصندوق الاستقرار الأوروبي.

وحول ما إذا كانت الصين صاحبة الرصيد العالمي الأكبر (3.2 مليار دولار) ستساهم في عملية التمويل رغم التصريحات التي أطلقها المسؤولون في بكين خلال الأسبوع، قال شولتز أعتقد أن الصين ستستثمر في آلية إنقاذ اليورو إذا أنشئت في صندوق النقد الدولي. وبرر ذلك بقوله إن الصين ترغب في حماية أرصدتها الأجنبية التي يتكون معظمها من أرصدة وموجودات دولارية في وقت يواصل فيه الدولار الانخفاض. وقال إن الاحتمال الأكبر أن يقوم صندوق النقد الدولي بإدارة آلية اليورو أو صندوق إنقاذ اليورو.

وحول ما إذا كانت دول الخليج ستستثمر في تمويل إنقاذ اليورو قال لويدز «هذا سؤال مهم، لأن لديها فوائض مالية ولديها مصلحة حقيقية في إنقاذ منطقة اليورو من هاوية السقوط». وقال إن ركود الاقتصاد العالمي سيحدث في حال لم تحل أزمة اليورو، مشيرا في هذا الصدد إلى أن «الركود ليس بالأمر الجيد بالنسبة لدول الخليج، لأنه سيخفض الطلب على النفط وبالتالي سيخفض الأسعار». وقال في تعليقه لـ«الشرق الأوسط»، إن لدى دول الخليج مصالح حقيقية في إنقاذ منطقة اليورو وأعتقد أن مساهمتهم في إنقاذ أوروبا ستمنحهم سمعة حسنة وشهرة عالمية.

وكانت مصادر مصرفية قد أطلعت «الشرق الأوسط» أن اجتماعا مهما قد عقد في لندن بين ممثلين للحكومة الفرنسية والحكومة القطرية بشأن مناقشة مساهمة قطر في إنقاذ منطقة اليورو. ولكن «الشرق الأوسط» لم تتمكن من الحصول على تفاصيل بشأن المساهمة القطرية المتوقعة. ويذكر أن لدى دول الخليج فوائض مالية ضخمة، أكبرها في السعودية التي وصل حجم رصيدها الأجنبي (موجوداتها الأجنبية) بنهاية سبتمبر (أيلول) إلى أكثر من 2.001 تريليون ريال سعودي. وذلك حسب إحصائيات مؤسسة النقد السعودي (ساما) الصادرة أخيرا.