اليوم تبدأ قمة الـ20 في فرنسا ...الزعماء أمام أجندة صعبة وأزمة يونانية

وسط تضاؤل النفوذ الاميركي وصعود الهيمنة الصينية

TT

سوف يصل الرئيس الصيني هو جينتاو إلى (كان) في فرنسا هذا الأسبوع، للبحث في التماس مقدم من أوروبا بالحصول على حزمة إنقاذ قيمتها عشرات المليارات من الدولارات لمساعدتها في الخروج من أزمة الديون التي تعصف بها. ومن المنتظر وصول الرئيس أوباما وعلى وجهه ابتسامة مصافحا الحاضرين بحرارة، وحاملا معه مطلبه الخاص وهو أن تنظم اليونان إجراءاتها وأن تعالج أوروبا مشكلاتها الاقتصادية، التي أشار إليها بوصفها أحد أكبر المعوقات المؤثرة سلبا على اقتصاد الولايات المتحدة المتدهور بالأساس.

ويعتبر المظهران المتناقضان في الاجتماع الاقتصادي لمجموعة العشرين مثالا قويا على تقلص التأثير الأميركي. وبعيدا عن الفائض النقدي الذي يملكه هو والسلطة التي يمكن أن تقترن به - كافح أوباما من أجل دفع حلفائه لاتخاذ الخطوات التي يرى أنها ضرورية لدعم الاقتصاد العالمي. غير أن الانهيار النسبي للولايات المتحدة كقوة دولية يأتي مقترنا بجانب إيجابي. فعلى مدار عقود، كانت الولايات المتحدة بمثابة الملاذ الأخير. وهو دور أتى بخسائر ضخمة، على المستويين المالي والإنساني.

وربما تؤول الأشهر القليلة القادمة إلى نقطة تحول، لا تتحمل فيها الولايات المتحدة، على الرغم من من كونها ما زالت القوة الرئيسية في العالم، المسؤولية أو العبء الذي كانت تحمله من قبل. وقد تجلى ذلك بشكل واضح في الربيع العربي، حيث لعب الجيش الأميركي في المقام الأول دورا مدعما في ليبيا، والآن في الأزمة المالية الأوروبية، مع تقديم آسيا حزم إنقاذ لدعم الأوروبيين. «لماذا سترغب الولايات المتحدة في أن يكون لها تأثير على حادث تحطم قطار؟»، هذا هو السؤال الذي طرحه جورج فريدمان، الرئيس التنفيذي لشركة تحليل المخاطر الجيوسياسية «ستراتفور». وأضاف: «إذا أراد الصينيون تقديم حزمة إنقاذ قيمتها 150 مليار دولار لدعم المصارف الأوروبية، يجب منح المزيد من السلطات لهم». بصور عدة، يعتبر الموقف تطورا طبيعيا للوعود التي قطعها أوباما على نفسه في حملته الانتخابية عام 2008، حينما تعهد بالابتعاد عن أسلوب إدارة بوش أحادي الجانب. وكرئيس، يشرف أوباما الآن على عملية انسحاب جميع القوات من العراق، وقد أكد الدبلوماسية متعددة الأطراف بكل صورها الفوضوية. ورفض التفكير في فكرة التدخل الأميركي في ليبيا إلى أن صدقت الأمم المتحدة على قرار يؤيد هذا التدخل، ثم تراجع وسمح لفرنسا وبريطانيا بأخذ موقع الصدارة، مع أن الدعم العسكري الأميركي ظل يمثل عنصرا أساسيا في التدخل الدولي في الشأن الليبي.

وقد أدان منتقدو أوباما تدني النفوذ الأميركي، وأشاروا إلى أن أسلوبه قد ساهم في تفاقم تلك المشكلة، من خلال إثبات نهجه عدم صحة الادعاءات بالتفرد الأميركي. ويقول أنصار أوباما إنه يعلن الحقيقة بكل صراحة ويضع استراتيجية واضحة المعالم لما تستطيع الولايات المتحدة القيام به وما لا تستطيع القيام به، وأنه ربما يثبت في النهاية جدوى نهجه في تشخيص المشكلات الاقتصادية الأوروبية وحاجة أوروبا لاتخاذ خطوات حاسمة لعلاج هذه المشكلات. «من الواضح أن أوباما قد نحا بشكل مقصود بعيدا عن الأسلوب أحادي الجانب الذي تبناه بوش خلال سنوات حكمه، واتبع هذا الأسلوب الجديد لأنه الأسلوب الصائب لإدارة السياسة الخارجية، غير أن انتهاجه هذا الأسلوب مرتبط أيضا بتضاؤل حجم التأثير الأميركي»، هذا ما قاله ديفيد جيه روثكوبف، مسؤول بوزارة التجارة في إدارة كلينتون ومؤلف كتاب «إدارة العالم»، الذي يتحدث عن مجلس الأمن القومي. وأضاف: «لم يعد باستطاعتنا كتابة شيكات مثلما كنا نفعل من قبل، كما لم يعد بإمكاننا نشر قواتنا بالصورة التي كنا نقوم بها من قبل». غير أن روثكوبف يتحدث قائلا: «نحن في موقف نشعر فيه بأننا أصبحنا أكثر عرضة للمخاطر ومحملين بأعباء تفوق طاقتنا، لأننا كنا مولعين من قبل بأسلوب اتخاذ الإجراءات أحادية الجانب وغطرسة النصر».

وأشار، على سبيل المثال، إلى أن التكاليف الطائلة للحرب الأميركية في العراق – التي تحملتها الولايات المتحدة وحدها – قد أسهمت في حدوث أزمة الدين والعجز في الميزانية التي تحول الآن دون تدخل الولايات المتحدة ماليا لمساعدة أوروبا.

بالطبع، في عام الانتخابات الرئاسية، فإن آخر شيء يرغب أوباما في أن ينظر إليه على أنه يقوم به هو نقل فكرة أن الولايات المتحدة لم تعد قوة مؤثرة، أو أنه لم يعد هناك وجود لفكرة التفرد الأميركي. «هذا هو المكان الذي يرغب الآباء من جميع أنحاء العالم في إرسال أبنائهم للدراسة بالجامعات فيه»، هذا ما قاله مايكل فرومان، نائب سكرتير الأمن القومي للشؤون الاقتصادية الدولية، أثناء اجتماع توجيهي مع مراسلين بالبيت الأبيض يوم الاثنين. وأضاف: «نحن محور الابتكار. لدينا شبكة حلفاء ضخمة حول العالم لا تملكها أي دولة أخرى. إنني مندهش جدا، من مدى تطلع الدول الأخرى، داخل اجتماع مجموعة العشرين وغيره من المحافل الأخرى التي نشارك فيها، لأميركا في ما يتعلق بالقيادة السياسية والفكرية، وأيضا القيادة في اتخاذ الإجراءات، لضمان وسيلة لعلاج المشكلات الدولية القائمة». عند الوصول إلى (كان) يوم الخميس، سوف يحاول أوباما تحقيق التوازن بين القيادة وتحمل الأعباء، من خلال النهوض بدور القيادة، مع عدم تحمل أي عبء إضافي - وخاصة على المستوى المالي - عادة ما تتطلبه تلك القيادة. وأيا كان ما يحتمل أن يقوله الديمقراطيون والجمهوريون بشأن دور الولايات المتحدة في العالم، فمن الواضح أنه يشهد تغيرا ملحوظا. وعلى مدار اليومين الماضيين، ظل المسؤولون الأميركيون يراقبون، وهم في حالة أشبه بانعدام القدرة على التأثير، تهديد الحكومة اليونانية بإلغاء الاتفاق الذي صاغته أوروبا ومولته آسيا لإعادة هيكلة ديون اليونان. وفي يوم الثلاثاء، لم يفعل السكرتير الصحافي للبيت الأبيض، جاي كارني، شيئا سوى أن هز كتفيه في حالة من اللامبالاة حينما سأله المراسلون الصحافيون عما تخطط الولايات المتحدة لاتخاذه حيال مطالبة رئيس الوزراء اليوناني، من خلال اتصال مفاجئ أجراه، بإجراء استفتاء شعبي حول اتفاق دين جديد مع جهات الإقراض الخارجية، وهو الاستفتاء الذي يمكن أن يدفع بأوروبا نحو مزيد من الاضطراب. «إنها مشكلة أوروبية تحتاج لتوجيه واهتمام»، هذا ما قاله كارني. وأضاف: «وهم لديهم القدرة على القيام بذلك».

ويأتي هذا التقلص في التأثير الأميركي في تناقض واضح مع فترة التسعينات من القرن الماضي، حينما قدمت الولايات المتحدة حزم إنقاذ، يقدر حجمها بمليارات الدولارات، لكل من المكسيك وآسيا، فضلا عن الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية، حينما وضعت الولايات المتحدة خطة مارشال. ولكن مع قبول فكرة أن الولايات المتحدة لن تصبح جهة الأمن والتمويل الرئيسية في العالم بعد الآن، تحمل الاستراتيجية الناشئة بعض المخاطر. على سبيل المثال، الصين ملزمة بمحاولة انتزاع امتيازات من أوروبا مقابل أي حزمة إنقاذ تقدمها، وربما ينتهي الأمر بالولايات المتحدة إلى فقدان أوروبا كحليف في الضغط على الصين لاتخاذ إجراءات اقتصادية مهمة خاصة بها، مثل السماح بتعويم عملتها في السوق المفتوحة، الأمر الذي يتمناه صناع السياسة الأوروبيون والأميركيون. وبينما يحتمل أن يكون الميل السياسي لخوض غمار كم هائل من المغامرات العسكرية بالخارج في حالة تضاؤل في واشنطن، يظل الجيش الأميركي أقوى الجيوش في العالم، والذي يزداد احتمال الاستعانة به لدعم حلفاء أميركا، وفي مقدمتهم إسرائيل واليابان وكوريا الجنوبية.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»