قمة العشرين تتفاءل بالعثور على مخرج للدراما اليونانية وتضع إيطاليا في غرفة «العناية الفائقة»

بعد اتخاذها خطوات لتحفيز النمو

TT

انتهت «قمة الأزمة» في مدينة كان وسط أجواء أقل تشاؤما مما بدأت فيه، بعدما تخلت الحكومة اليونانية رسميا عن خيار طرح خطة الإنقاذ الأوروبية لحل مشكلة الديون اليونانية على استفتاء شعبي. ونجحت الضغوط التي مارسها الثنائي الفرنسي - الألماني على رئيس الحكومة جورج باباندريو في ثنيه عن مشروع الاستفتاء والترويج لحكومة اتحاد وطني تنفذ الاتفاق المذكور. غير أن هذا التطور الإيجابي لا يعني، كما قال الرئيس ساركوزي، أن الأزمة «انتهت» مشيرا بذلك إلى الحاجة إلى تنفيذ الاتفاق فعليا. وبالمناسبة عينها، رد ساركوزي على الذين اتهموه والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالتدخل في شؤون اليونان الداخلية وإقامة حكومات وإقالة أخرى، بقوله إنه «لا يعود إليهما» مثل هذا لأمر بل دورهما محصور «في فرض احترام مجموعة من القواعد» التي تحكم عمل منطقة اليورو والتي من دونها لن تبقى العملة الموحدة وستتحكم الفوضى.

وقال مسؤول أوروبي شارك في المؤتمر إن ألمانيا وفرنسا تبدوان «أكثر من أي وقت مضى» على أنهما «المحركان الفعليان» للاتحاد الأوروبي. ومن اليونان، انتقلت الأنظار إلى إيطاليا حيث المخاطر تطل برأسها رغم الخطة الصارمة التي قدمها رئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني إلى القمة والهادفة إلى خفض النفقات وتقليص المديونية، فالتطور البارز الذي عرفته قمة كان هو قبول إيطاليا أن تضع نفسها تحت رقابة صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية لـ«متابعة» تنفيذ الخطة وهو ما أكده الرئيس الفرنسي ورئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو في مؤتمرين صحافيين منفصلين. وبحسب المستشارة الألمانية فإن تقريرا فصليا سيرفع إلى الاتحاد يفصّل مدى التزام روما بالخطة الموضوعة. وفي أي حال، سيعمد برلسكوني إلى طرح الخطة على الاقتراع في مجلس النواب الإيطالي للفوز بدعمه.

ورغم المديح العلني الذي وجهه ساركوزي لـ«شجاعة» برلسكوني، فإن مصادر تابعت المناقشات داخل الاجتماعات أفادت أن انتقادات حادة وجهت للأخير لأنه «يعد ولا يفي» وأن «المهم ليس الخطط وإنما تنفيذها على أرض الواقع». وبحسب هذه المصادر، فإن الإجراءات غير المسبوقة بحق إيطاليا غرضها «منع انتشار عدوى أزمة الديون اليونانية» وامتدادها إلى إيطاليا وربما غدا إلى إسبانيا أو حتى فرنسا. ولا سبيل للمقارنة بين ديون البلدين. فديون اليونان لا تزيد على 300 مليار دولار بينما الديون الإيطالية تبلغ 1900 مليار يورو. وإذا ما عبرت الأزمة إلى إيطاليا، فإن صندوق الاستقرار النقدي الأوروبي الذي تجتهد منطقة اليورو لزيادة موارده بدعم من الصين والدول الناشئة لن يكون كافيا، إذ يهدف الأوروبيون إلى رفعه إلى ألف مليار يورو أي ما يعادل نصف المديونية الإيطالية. وفي السياق نفسه، توصل القادة المجتمعون في كان إلى اتفاق على رفع موارد صندوق النقد الدولي لتمكينه من التصدي للأزمة. غير أن دولا على رأسها الولايات المتحدة الأميركية رفضت الالتزام بمبالغ معينة طالما لم ينجح الأوروبيون في تسوية مشكلة مديونيتهم. وبحسب ساركوزي، فإن اجتماعا لوزراء المال سيعقد في شهر فبراير (شباط) المقبل لإقرار الزيادة. ورغم انشغال قادة قمة العشرين بالأزمات الحادة، فإنهم استطاعوا يوم أمس الاهتمام بالقضايا الأساسية التي رسمت للقمة التي صدر عنها بيان موسع من عشر صفحات يفصّل التقدم الذي أحرزه القادة. وفي هذا السياق، أعلنت القمة عن تبنيها خطة تحرك من أجل دفع النمو وتوفير فرص العمل وتعزيز معالجة البعد الاجتماعي للعولمة والحقوق الأساسية للعمال. غير أن البيان اكتفى بالإشارة إلى «تحقيق تقدم» على درب إصلاح النظام المالي العالمي وتوسيع سلة العملات العالمية مع استهداف ضم اليوان «العملة الصينية» إليها. وذكر البيان أن القادة «التزموا» بالسعي للتوصل سريعا إلى نظام جديد يحدد قيمة العملات وفقا لمعايير السوق وليس نسبة للقرارات الحكومية. ويتهم الأميركيون والأوروبيون الصين بالمحافظة على عملة منخفضة لتشجيع صادراتها، ما من شأنه الإضرار بالاقتصاديات الغربية. واتفق المجتمعون على عدد من الإصلاحات الخاصة بالقطاع المالي، ومنها أن يقوم مجلس الاستقرار النقدي الذي أوجد في العام 2009 بوضع لائحة لمجموعة من البنوك الأساسية وتشديد الرقابة عليها حتى تحترم عددا من القواعد التي تمنع تكرار ما حصل مع بنك ليمان براذرز أو غيره. وسيعمد المركز المذكور الذي أنشئ بقرار من العشرين إلى نشر لائحة تضم، كما قال ساركوزي، أسماء 29 مؤسسة مصرفية عبر العالم ستتم مراقبتها بشكل خاص لأن انهيارها يمكن أن يؤثر على النظام المالي العالمي. ومن بين هذه البنوك أربعة فرنسية «باريبا، سوسيتيه جنرال، كريدي أغريكول وبي بي سي أي». وحث المجتمعون كافة الدول على محاربة تبييض الأموال وعلى اتخاذ «التدابير الضرورية» من أجل وقف هذه الممارسات. في سياق متصل، ندد المؤتمرون بالبلدان التي ما زالت تعتبر بمثابة «فردوس ضرائبي» وأصدروا بشأنها لائحة تضم 11 اسما بينها فانواتو وترينداد وباراغوي وبروناي... وأكد الرئيس الفرنسي في مؤتمره الصحافي الختامي أن الدول التي ما زالت تسير على هذا النهج «يجب أن يندد بها على صعيد العالم». وأكد ساركوزي أن قمم العشرين القادمة ستنشر في اجتماعاتها لوائح بهذه الدول «لأن مثل هذه الممارسات لم يعد مسموحا بها». ولم تنص اللائحة على سويسرا وليشتنشتاين بسبب الإجراءات التي اتخذتاها، لكن المجتمعين اعتبروا أن التدابير التي أقرتاها «ليست كافية». وأعلن الرئيس ساركوزي اتفاق القادة على إنشاء «الترويكا الرئاسية» لقيادة مجموعة العشرين وهي تتألف من الرئاسة الحالية والرئاستين السابقة واللاحقة. وأمس نقلت الرئاسة، بمناسبة غداء العمل، إلى المكسيك التي ستترأس المجموعة طيلة عام. فضلا عن ذلك، حقق المجتمعون «تقدما» لجهة فرض رسوم على العمليات المالية بأنواعها. وتتصدر فرنسا وألمانيا هذه الحركة التي انضمت إليها إسبانيا والبرازيل والمفوضية الأوروبية والأمم المتحدة. ويقوم المشروع على أساس أن المؤسسات المالية التي كانت في أساس الأزمة يتعين عليها المساهمة في تدارك نتائجها. وأساس الفكرة أن تخصص الأموال التي يمكن جبايتها والتي تقدر بعشرات المليارات إلى مشاريع التنمية في البلدان الفقيرة التي قدم بيل غيتس كشفا بها في أفريقيا وآسيا «والعالم العربي» وأميركا اللاتينية. غير أن المصادر الفرنسية قالت إن الدول «المتحمسة» لن تنتظر موافقة العشرين بل ستبدأ العمل بهذه الضريبة متى توفرت نواة أساسية. وانكب المؤتمرون على معالجة مشكلة تقلب أسعار المواد الأولية وخصوصا الزراعية، ما من شأنه نسف اقتصادات البلدان التي تعتمد بالدرجة الأولى على صادراتها الزراعية.