هل تتعلم منطقة اليورو من دروس أميركا الجنوبية؟

الأرجنتين عاشت قبل عقد حالة إفلاس وتهافت المودعون على السحب من البنوك

رئيس الوزراء الإيطالي سلفيو برلسكوني الذي يواجه بلده أزمة مالية حادة يستعد للقاء رئيسة جمهورية الأرجنتين كريستينا فيرنانديز التي عاشت بلادها حالة إفلاس قبل عشر سنوات على هامش قمة كان (أ.ب)
TT

حالة غضب عارم في الشوارع، عمال تمت إقالتهم من وظائفهم، ودائنون يطالبون بأموالهم - تلك هي حال اليونان الآن، ولكن منذ نحو عشرات سنوات مضت، حدث هذا السيناريو في أميركا الجنوبية.

في قصة ربما تقدم درسا لأوروبا، اتخذت واحدة من دول أميركا اللاتينية، وهي أوروغواي، التي كانت على شفا أزمة مالية حادة، رد فعل سريعا ومنظما ومتفقا عليه أدى بها لإنعاش اقتصادها وإنهاء حالة التهافت على سحب الودائع من البنوك. في الوقت نفسه، دخلت دولة أخرى، هي الأرجنتين، في أزمة عجز عن سداد الديون وظلت منبوذة في الأسواق المالية العالمية.

يبدو من غير المحتمل أن تجد اليونان حلا سريعا أو سهلا للخروج من أزمتها، ومن المنتظر أن تعلن إفلاسها إذا لم تحصل على دعم دولي، ولكن قادتها واجهوا صعوبات في اتخاذ إجراءات الإصلاح الفعالة التي يرى القادة الأوروبيون أنها ضرورية لمواجهة الأزمة. وفي ظل حالة الشك التي ما زالت تحيط بحزمة الإنقاذ الأوروبية، يبقى من المحتمل أن تعجز اليونان عن سداد ديونها بالكامل، مما قد ينتهي بها إلى أن تصبح دولة منبوذة مثل الأرجنتين. غير أن قصص الدول الأخرى التي واجهت أزمات أثبتت أنه من الممكن اتخاذ إجراءات صارمة، من ناحية، وتحقيق النمو الاقتصادي من ناحية أخرى.

واليوم، تعتبر دولة أوروغواي الصغيرة، التي يبلغ تعداد سكانها 3.5 مليون نسمة عبر نهر ريو دي لا بلاتا من الأرجنتين، محبوبة في وول ستريت. وبعد عشر سنوات من إجبارها على أن تطلب من الدائنين قبول شطب نسبة 20 في المائة من ديونها، أصبح اقتصادها من بين أسرع الاقتصادات نموا في العالم. وقال كارلوس ستينيري، وهو أحد الاقتصاديين الذين أشرفوا على عملية إدارة ديون أوروغواي في تلك الفترة، إن المسؤولين أجمعوا وقتها على أنه من الضروري استعادة ثقة الشعب بسرعة في مواجهة التهافت على سحب الودائع من البنوك. على المستوى الفني، عجزت أوروغواي. لكنها عملت عن كثب مع مسؤولين من الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي، وأجرت مفاوضات مع حاملي السندات وقامت بخفض الرواتب ومعاشات التقاعد. وقال ستينيري إن الهدف حينها كان ضمان عدم المساس بسمعة أوروغواي. قال: «نحن دولة معروفة بجديتها واحترامها للعقود والاتفاقات والقانون». وأضاف: «لم يكن هناك منطق في أن نمحو هذه السمعة الطيبة. إن مجرد إعلان العجز عن سداد الديون سيأتي لنا بمكاسب، لكننا سنفقد معه كوننا دولة جديرة بالثقة».

وعلى الرغم من ذلك، فإنه حتى الآن، لم يعدُ رد فعل اليونان تجاه أزمتها أن يكون أكثر من حالة شلل سياسي. فلم يتم تسريح أي عامل مدني، كما أن عمليات خصخصة الشركات الحكومية غير الفعالة تسير ببطء، وما زال التهرب الضريبي مستمرا. ولم يسفر قرار رئيس الوزراء جورج باباندريو بإجراء استفتاء على خطة الإنقاذ، ثم تراجعه المفاجئ عن هذا القرار يوم الخميس، إلا عن إضافة المزيد من الشك إلى الدراما الجارية في أوروبا. إنه سيناريو بدأ يحاكي ما حدث في الأرجنتين، التي كان عجزها عن سداد ديون قيمتها 100 مليار دولار في ديسمبر (كانون الأول) عام 2001 هو الأضخم من نوعه في التاريخ.

وفي حالة الأرجنتين، تنحى خمسة رؤساء خلال أسبوعين، ونشبت أعمال شغب مروعة في بيونس آيرس، وخسر الأرجنتينيون مدخراتهم. وفي فترة لاحقة، قدمت الأرجنتين عرضا لحاملي السندات، بأن تدفع نحو 35 سنتا على الدولار. واليوم، ما زالت الحكومة مدينة بمبلغ قيمته نحو 15 مليار دولار للدائنين الأساسيين، كما خسرت القضايا المقامة ضدها في المحاكم الأميركية بسبب عجزها عن سداد الديون المستحقة. ومع استمرار منع الدولة من استغلال أسواق رأس المال الدولية، فإنه بسبب زيادة الطلب على منتجاتها الزراعية، استطاعت الأرجنتين الخروج من ضائقتها المالية. «لا أحد يرشح الأسلوب الأرجنتيني في مواجهة أي أزمة»، هذا ما قاله أرتورو بورزيكانسكي، اقتصادي من أوروغواي وأستاذ تمويل دولي بالجامعة الأميركية. لاجتياز أزمة الدين في رأي المسؤولين الماليين الأوروبيين، لم يكن أمام اليونان أي خيار آخر خلاف اللجوء إلى حزمة الإنقاذ المقدمة من القادة الأوروبيين. ويطالب البرنامج، الذي وضعه قادة منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي، دائني اليونان بتقليل حجم ديونهم بنسبة 50 في المائة - وهي نسبة أكبر من نسبة أوروغواي وأقل من نسبة الأرجنتين.

وحتى إذا ما تم تنفيذ برنامج الإنقاذ على النحو المخطط له، تشير توقعات مسؤولين أوروبيين إلى احتمال أن تمتد الويلات التي تعاني منها لعقود. اليونان يعوقها ارتباطها بعملة اليورو، والتي لا يمكنها خفض قيمتها لجعل صادراتها أقل تكلفة، وربما يكون خروجها من منطقة اليورو أشد إيلاما. وربما تكون برامج التقشف الصارمة التي فرضها دائنو الدولة قد وصلت أيضا إلى أقصى حد لها. وقد توصلت دول أخرى إلى وسائل مختلفة لمواجهة مشكلات الدين. على سبيل المثال، خفضت آيسلندا قيمة عملة الكورونا، مما أدى إلى خفض أسعار الصادرات، في الوقت نفسه، شطبت ديون تحملها بنوك تم تأميمها حديثا في عام 2008. وتم إلغاء استثمارات يقدر حجمها بمليارات الدولارات. لكن الآن، يشهد الاقتصاد نموا، وأصدرت الحكومة بنجاح سندات في يونيو (حزيران)، بعد أقل من ثلاث سنوات من أزمة العجز عن سداد الديون. وفي البلطيق، لجأت لاتفيا إلى خفض ميزانيتها في عام 2009 من أجل التغلب على مشكلة الديون الضخمة وتحسين تصنيفها الائتماني.

وفضلت أوروغواي، التي جاءت أزمة ديونها في عام 2002 في أعقاب انهيار الأرجنتين، إشراك الدائنين وحصلت على قرض قصير الأجل قيمته 1.5 مليار دولار بعد عقد اجتماعات مع وزارة الخزانة الأميركية. وسرعان ما انتهى التهافت على سحب الودائع من البنوك، وقبلت نسبة 93 في المائة من الدائنين الأجانب تقليل حجم ممتلكاتهم من الأوراق المالية بنسبة 20 في المائة، مع مدفوعات ممتدة على مدار خمس سنوات.

ويروي ستينيري، الاقتصادي الذي ساعد في إدارة ديون أوروغواي، أنه بعد مرور خمس سنوات، بدأت الدولة في الحصول على قروض دولية. وسرعان ما حدث انتعاش - طلب آسيوي هائل على فول الصويا واللحوم وغيرها من المنتجات الأخرى التي تنتجها أوروغواي. وقد زاد الناتج الاقتصادي بنحو 7 في المائة سنويا منذ عام 2003.

ولو كان الأوروبيون قد اتخذوا خطوات أسرع من أجل إنقاذ اليونان، لكان من الممكن أن تبرم «صفقة على طريقة أوروغواي، يتكبد معها المستثمرون أقل قدر ممكن من الخسائر ويكون متفقا عليها بالإجماع»، هذا ما قاله بورزيكانسكي، الاقتصادي الأوروغواي. لكن الاقتصاديون يشيرون إلى أن اليونان لن تكون قادرة على الاقتراض في السوق الحرة لمدة عشر سنوات على الأقل، وهناك حالة من القلق من أن يمتد تأثير الأزمة إلى دول أخرى اقتصادياتها متعثرة، مثل إيطاليا وإسبانيا. وقال بورزيكانسكي: «فيما يتعلق بالألم الذي يتجرعه الدائنون والتأثيرات على منطقة اليورو، يبدو أن مشكلة الدين اليوناني المعلقة سيكون لها حل صادم مشابه لحالة الأرجنتين، منه لحالة أوروغواي».

* ساهم بيرنباوم من أثينا في إعداد التقرير.

* خدمة «واشنطن بوست»