لبنان يسعى إلى إعادة تمويل سندات تقدر بملياري دولار

اقتصادها يواجه ضغوطا من انتفاضة سوريا وديونها سترتفع إلى 60 مليار دولار بنهاية العام

متعاملون في البورصة اللبنانية في بيروت («الشرق الأوسط)
TT

أكد لبنان أمس الجمعة أنه كلف مصارف «دويتشه بنك» و«فرنسا إنفست» و«ستاندارد تشارترد» لإدارة عملية إعادة تمويل سندات دولية تستحق في العام 2012. وجاء في بيان لوزارة المالية اللبنانية أنها «كلفت دويتشه بنك وفرنسا إنفست بنك وستاندارد تشارترد بنك بإدارة عملية استبدال طوعي لسندات خزينة بالعملات الأجنبية (يوروبوندز) تستحق خلال العام 2012».

ولم تذكر الوزارة قيمة السندات، لكن مصادر مصرفية قالت لـ«رويترز» الشهر الماضي إن البلاد ستسعى في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي لإعادة تمويل دين بقيمة ملياري دولار يستحق السداد العام المقبل. ولبنان من أكثر البلدان المثقلة بالديون في العالم من حيث النسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، ويرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى إعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990. وبلغت نسبة الدين إلى الناتج 135 في المائة في 2011.

وقال وزير المالية اللبناني محمد الصفدي الشهر الماضي إن الدين العام في لبنان سيصل إلى 60 مليار دولار بنهاية 2011 مقارنة مع 52.6 مليار دولار في نهاية يونيو (حزيران) الماضي. ويحذر محللون من أنه إذا لم تتحرك الحكومة لخفض الإنفاق وتعزيز الإيرادات فسيصل الدين إلى 65 مليار دولار خلال ثلاث إلى خمس سنوات.

وتضغط الانتفاضة الشعبية المستمرة منذ سبعة أشهر ضد النظام في سوريا بشكل متصاعد على الاقتصاد في لبنان المجاور، مخلفة آثارا سلبية كبيرة على السياحة والتجارة وتدفق الأموال. ويقول الخبير الاقتصادي سامي نادر لوكالة الصحافة الفرنسية «لم يكن الربيع العربي مفيدا بشكل عام للاقتصاد اللبناني. فقد حرمنا في الواقع من سوقين أساسيين، مصر وسوريا، في وقت تتراجع فيه كل مؤشرات النمو التي تحققت خلال السنوات الخمس الماضية».

وبعد سنوات من تحقيق أرقام قياسية في النمو، خفض صندوق النقد الدولي أخيرا توقعاته حول نسبة النمو في لبنان، ليقدر أنها ستصل إلى 1.5 في المائة في 2011، بعد أن وصلت إلى 7.5 في المائة بين 2007 و2010. وأشار الصندوق إلى أن الوضع السياسي غير المستقر والاضطرابات في سوريا قادت إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي بشكل كبير في لبنان. وشهدت السنوات بين 2007 و2010 معدلات نمو بلغت 7.5 في المائة.

وتؤكد وحدة المعلومات الاقتصادية «إيكونوميك إنتليجنس يونيت» (مركز أبحاث واستشارات يغطي مائتي دولة في العالم)، وجود مؤشرات تدل على تراجع في النصف الأول من عام 2011 في القطاع المصرفي المعروف باستقراره وقطاعي العقارات والسياحة، وهما كذلك عنصران مهمان في الاقتصاد اللبناني. ولطالما كان تاريخ لبنان وسوريا واقتصادهما مترابطين إلى حد بعيد. وتفيد سوريا من انفتاح النظام المصرفي واقتصاد السوق في لبنان، بينما يستفيد هذا الأخير من اليد العاملة السورية المتدنية الأجر.

إلا أن الاضطرابات الجارية حاليا في سوريا تلقي بظلها على لبنان وتسود مخاوف من احتمال تمدد العنف إلى الجوار، مما قد يخيف المستثمرين وربما المغتربين اللبنانيين الذين تعتبر تحويلاتهم المالية عنصرا أساسيا في تنشيط الدورة الاقتصادية.

ويرى نادر أن «تدفق الأموال سيتأثر هو أيضا قريبا إذا لم يتخذ لبنان تدابير لحماية اقتصاده بما فيها تحفيز النمو وتنشيط الصادرات». ويضيف «في ضوء كل ما يحصل في المنطقة، يجب أن تكون للحكومة رؤية واضحة ومتماسكة حول كيفية إعطاء دفعة للاقتصاد والتعويض عن تراجع النمو». ويبلغ احتياط لبنان من العملات الأجنبية 31 مليار دولار، إلا أن الدين العام تجاوز الخمسين مليار دولار، أي ما يساوي 135 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي، وهي من أعلى النسب في العالم. ويتوقع أن يصل التضخم إلى 5.2 في المائة في 2011، لا سيما في ضوء ارتفاع الأسعار عالميا، وخصوصا أسعار النفط والمواد الغذائية.

وتراجعت خلال الأشهر الماضية حركة التبادل التجاري بين لبنان وسوريا التي تشكل أيضا ممر ترانزيت لجزء من الواردات والصادرات اللبنانية.

ويقول تاجر جملة لبناني إن «زبائننا في سوريا توقفوا عن الشراء لأنهم لا يريدون أن يخسروا السيولة الموجودة بين أيديهم». ويستورد التاجر، الذي رفض الكشف عن اسمه، مواد استهلاكية يكثر الطلب عليها وذات صلاحية محدودة، ونصف زبائنه في سوريا.

وكانت الحكومة السورية قررت في 26 سبتمبر (أيلول) تعليق استيراد المواد التي يزيد رسمها الجمركي على خمسة في المائة، باستثناء بعض السلع الأساسية التي لا تنتجها الصناعة المحلية. وجاء ذلك في إطار إجراءات للحفاظ على مخزون العملات الأجنبية بعد فرض الاتحاد الأوروبي ودول غربية أخرى عقوبات على البلاد بسبب حملة القمع المستمرة ضد حركة الاحتجاج الشعبية. إلا أنها ما لبثت أن ألغت القرار بسبب تأثيره السلبي على الأسواق وارتفاع الأسعار. ويقول التاجر لوكالة الصحافة الفرنسية «حتى بعد أن ألغت السلطات الحظر على استيراد البضائع الأجنبية، جمد الزبائن أعمالهم معنا بسبب جهلهم بما ستؤول إليه الأمور». وبلغت قيمة الصادرات اللبنانية ملياري دولار في النصف الأول من العام 2011، بحسب وحدة المعلومات الاقتصادية، وتعتبر سوريا من أبرز المستوردين من لبنان.

ويقول المدير العام لشركة الشحن «إنتارسبيد» مروان شبلي، إن «قسما كبيرا من السلع التي تشحن إلى بيروت يعاد بيعها إلى وجهات أخرى، وسوريا في طليعة هذه الوجهات». ويشير إلى أن الأعمال في سوريا تراجعت بنسبة خمسين في المائة منذ بداية السنة، كما تراجعت أنشطة الشحن من لبنان برا وجوا وبحرا بنسبة 13 في المائة منذ أغسطس (آب). ويقول «حتى العمليات المصرفية تأثرت، فنحن لا نملك الإمكانات الآن لتحويل أموال إلى مكتبنا في دمشق». أما الحركة السياحية التي سجلت أرقاما قياسية خلال عامي 2009 و2010، فقد تراجعت إلى حد بعيد منذ بداية السنة. وانخفض عدد السياح خلال الأشهر السبعة الأولى من السنة، بحسب أرقام صدرت عن وزارة السياحة في الصيف، بنسبة 25 في المائة تقريبا.

وتوقع وزير السياحة اللبناني فادي عبود في كلمة ألقاها أخيرا في افتتاح مؤتمر سياحي تراجع الحركة السياحية بشكل عام في 2011 بحدود 15 في المائة بالمقارنة مع 2010 إذا استمرت الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة على حالها.