سيناريوهات التراجيديا الإغريقية.. ماذا لو خرجت اليونان من اليورو؟

أثينا أفسدت حفل ساركوزي في «كان» وأحرجت ميركل

باباندريو وحيدا بعد أن خذل أوروبا (إ.ب.أ)
TT

لا أحد يعلم من الذي سيصبح على كرسي رئاسة الوزراء في اليونان، ولكن المرجح أن تشكل حكومة وطنية يرأسها سياسي آخر غير جورج باباندريو الذي لطخ سمعة اليونان وضرب مصداقية منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي أمام قمة العشرين التي تعد أحد أهم المحافل الاقتصادية في العالم. لقد جاء رؤساء الدول العظمى إلى مدينة كان الفرنسية وهم يحملون دفاتر الشيكات لتمويل خطة إنقاذ اليورو، وتحقيق أول انتصار على معوقات النمو الاقتصادي في العالم، لكن للأسف لم يجدوا الخطة وكل ما وجدوه إعلان رئيس الوزراء باباندريو عن الاستفتاء حول بقاء اليونان في منطقة اليورو أم لا، وهو الإعلان الذي قصم ظهر البعير، وقتل الفرصة الذهبية التي عرضت لإنقاذ اليونان من محنة الإفلاس ومساعدة أوروبا على تمويل الإنفاق في الدول المثقلة بالديون. ذهب كل الجهد الذي بذله الرئيس نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أدراج الرياح، وقال زعماء العالم، إنهم ينتظرون إيضاح الموقف الأوروبي، وأن على أوروبا أن تساعد نفسها أولا قبل أن تساعد وفي الخفاء، وقالوا أن مشكلة أوروبا مشكلة قيادة سياسية. وبالتالي فإن خطة إنقاذ اليورو الثانية ستوضع في الثلاجة إلى حين اتضاح الأمر في اليونان، وبدلا من توجه العالم قبل القمة نحو تمويل صندوق الاستقرار المالي الأوروبي، الذي رفع رأسماله من 440 مليار يورو إلى تريليون يورو، للتعامل مع الأزمة الأوروبية يتوجه قادة العالم الآن إلى تسليم ملف دول منطقة اليورو المتعثرة إلى صندوق النقد الدولي، وتعزيز رأسماله ربما بمبالغ تتراوح بين 350 و400 مليار دولار حتى يتمكن من معالجة أزمة اليورو.

ورغم أن تراجيديا اليونان وضعت الكثير من الأسئلة التي تبحث عن إجابة إلى حين انجلاء الغبار على المسرح اليوناني وكيفية تعامل أوروبا مع أزمة الديون مستقبلا سواء بقيت اليونان داخل منطقة اليورو أم لم تبق، ولكن المؤكد أن المواطن اليوناني سيواجه في كل الحالات خلال الشهور المقبلة شتاء باردا ببطن خاوية تتضور من الجوع وربما جسد عارٍ في ظل تعليق المفوضية الأوروبية لكل المساعدات التي كانت تصرف لليونان، بما في ذلك مبلغ الـ8 مليارات يورو التي تمثل الشريحة السادسة. فأوروبا التي كانت مقبلة على اليونان تبدو الآن مدبرة عنها، لقد أبلغت منطقة اليورو حكومة أثينا علنا أن منطقة اليورو ليست بحاجة لليونان. وهذه حقيقة واقعية، فاليونان محتاجة لمنطقة اليورو. ولكن ما هي السيناريوهات المتوقعة لليونان ومنطقة اليورو؟

مهما كانت نتائج تصويت البرلمان في أثينا، وأيا كانت الحكومة التي ستشكل غدا وحتى بعد تأكيد إلغاء الاستفتاء، من الواضح أن منطقة اليورو ستطالب أثينا بتطبيق كامل شروط التقشف والإصلاح التي وردت في خطة الإنقاذ، وسيكون قادة أوروبا قاسين جدا في تعاملهم مع الحكومة الجديدة، ولكن ماذا لو خرجت اليونان من اليورو؟. هنالك الكثير من الاحتمالات، من بينها أن تواصل منطقة اليورو مسيرتها من دون اليونان، لأن الاقتصاد اليوناني اقتصاد صغير غير مؤثر في منطقة اليورو، حيث يبلغ إجمالي الناتج المحلي اليوناني 300 مليار دولار، وهو بالتالي يساوي 10 في المائة من الاقتصاد الألماني. وربما تواصل منطقة اليورو خطة الإنقاذ وتحول الأموال التي كانت ترصدها لإنقاذ اليونان إلى دول أوروبا المتعثرة الأخرى وتعمل على التحول إلى ولايات أوروبية متحدة. وهذا سيناريو متفائل. ولكن بالتأكيد فإن قرار منطقة اليورو وإدارتها من دون اليونان سيكون أسهل ولكن المخاوف تتركز حول أن يفتح خروج اليونان الباب إلى تفكك منطقة اليورو وخروج دول أخرى في ظل الظروف الضاغطة التي تتعرض لها أوروبا.

ولكن ماذا عن مستقبل اليونان خارج منطقة اليورو؟

تقول دراسة أصدرها حديثا مصرف «يو بي إس» السويسري حصلت عليها «الشرق الأوسط» إن خروج اليونان من اليورو سيعني استعادة عملتها القديمة الدراخما، وهو ما يعني أنها تستطيع خفض قيمة سعر صرف الدراخما لرفع تنافسية الصادرات وتشجيع السياحة، حيث تصبح البضائع اليونانية المقيمة بالدراخما أرخص من البضائع الأوروبية المقيمة باليورو. كما ستصبح السياحة في اليونان أرخص من السياحة في دول أوروبا الأخرى. كما أن البنك المركزي اليوناني الذي سينشأ سيعمل على خفض سعر الفائدة على القروض وبالتالي تشجيع عمليات التمويل والاستهلاك المحلي في اليونان. ووفقا لدراسة مصرف «يو بي إس» فإن اليونان تستطيع خفض سعر صرف الدراخما بمعدل 60 في المائة، ولكن تكلفة الاستدانة لتغطية النفقات سترتفع بمعدل 7.0 في المائة، وهو الأمر الذي سيهدد ميزانيات الشركات والبنوك في اليونان.

ويلاحظ أن اليونان داخل منطقة اليورو لا تستطيع السيطرة على سعر الفائدة أو سعر العملة التي يتحكم فيها البنك المركزي الأوروبي. وتوجه منذ مدة انتقادات إلى البنك المركزي الأوروبي بشأن سياسته النقدية التي تراعي مصالح الاقتصادات الكبرى في ألمانيا وفرنسا وتتجاهل المتاعب المالية التي تعيشها الدول المثقلة بالديون مثل اليونان والبرتغال. ويقول اقتصاديون في هذا الصدد إن دول الجنوب في منطقة اليورو تحتاج إلى سياسات نقدية مرنة على صعيد سعر الفائدة وسعر الصرف، خلافا للسياسات النقدية المتشددة التي يطبقها «المركزي الأوروبي». ويذكر أن الكثير من دول العالم التي واجهت حالات إفلاس في السابق مثل الأرجنتين وتركيا طبقت سياسات خفض سعر الصرف وخفض الفائدة ونجحت بعد سنوات قليلة من التقشف في العودة للنمو والانتعاش. هذا على صعيد مكاسب اليونان من الخروج من اليورو. ولكن ماذا ستخسر بالخروج؟ يقدر المصرف السويسري «يو بي إس»، أن الخروج من اليورو سيكلف كل يوناني 11500 يورو في العام الأول، ولكن التكلفة ستتراجع إلى 4000 يورو في العام الثاني. وقدر المصرف أن تخسر اليونان أكثر من نصف حجم اقتصادها في العام الأول، وأن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي اليوناني بنحو 165 مليار دولار من حجمه الحالي البالغ 300 مليار دولار. ولكن خروج اليونان من منطقة اليورو سيعني أنها لن تستطيع تسديد ديونها وبالتالي ستصبح دولة مفلسة وستحتاج إلى صندوق النقد الدولي ليفصل لها برنامجا مثلما حدث في السابق للكثير من دول العالم. وفي هذا يتوقع المصرف السويسري أن تتعرض اليونان لصعوبات اقتصادية جمة، من بينها أن تهاجر الإيداعات من البنوك اليونانية، وأن تتعرض البنوك اليونانية للإفلاس وسيتهافت الأثرياء وأصحاب الشركات على الهجرة إلى الدول الأوروبية. وسيترتب على إفلاس اليونان خسارة البنوك الأوروبية وعلى رأسها البنوك اليونانية لديونها على اليونان، وبالتالي ستمتنع البنوك العالمية من تقديم تمويلات لليونان في المستقبل. ويلاحظ أن الكثير من البنوك الأوروبية بدأت وضع احتياطات لتغطية الديون اليونانية التي شطبت منها نسب تتراوح بين 20 و50 في المائة. وبالتالي فالبنوك تحسبت مسبقا لاحتمال إفلاس اليونان. وهنالك إجماع بين مصرفيين تحدثت معهم «الشرق الأوسط» في لندن على أن اليونان خارج اليورو ستكون دولة منبوذة وستتعرض لشروط قاسية من صندوق النقد الدولي تفوق كثيرا الشروط الميسرة التي وجدتها من حزمة الإنقاذ الأوروبية الثانية.