اقتصاديون: من مصلحة منطقة اليورو الانفصال عن اليونان

وسط احتمال إثارة الموضوع مجددا من زعماء أوروبيين

TT

رغم أن رئيس الوزراء اليوناني قد كسب، أمس، صوت الثقة، وأن اليونان قد تخلت عن إجراء استفتاء، فإن حكومة الوحدة الوطنية الجديدة، التي من المرتقب أن تتشكل غدا (الاثنين) سيكون أمامها طريق طويلا لإقناع قادة اليورو بإلغاء قرار تعليق المساعدات لليونان، الذي اتخذ يوم الأربعاء الماضي.

وتواجه اليونان استحقاقات متعددة، أولها مصادقة البرلمان على خطة المساعدة الأوروبية الثانية للبلاد، التي أقرت في قمة بروكسل ليلة 26 - 27 أكتوبر (تشرين الأول)، وتفرض حزمة إجراءات تقشف صارمة على أثينا.

وتنص هذه الخطة على منح اليونان قرضا بقيمة 130 مليار يورو وشطب 100 مليار من ديونها لدى المصارف، فضلا عن حزمة إجراءات تقشف صارمة يتحتم على البرلمان إقرارها تلبية لشروط الجهات المقرضة.

أما وزير المال، ايفانغيلوس فينيزيليوس، أحد أعمدة حزب باسوك الاشتراكي بزعامة باباندريو، الذي اختار في الآونة الأخيرة النأي بنفسه عن رئيس الوزراء، وإن كان منحه الثقة في جلسة التصويت، فشدد على أن مصادقة البرلمان على الخطة الأوروبية ستسمح بعودة الحياة السياسية في البلاد إلى طبيعتها، لا سيما بحصولها قبل 15 ديسمبر (كانون الأول) على دفعة مالية تعتبر أساسية لإنقاذها من الإفلاس.

ولكن تشكيل حكومة ائتلافية، وهو مطلب رفعته أساسا الجهات الدائنة لليونان، أملا منها بأن تحقق هذه الحكومة إجماعا وطنيا على خطة الإنقاذ، جريا على ما حصل في كل من البرتغال وآيرلندا، ليس بالأمر السهل في بلد مثل اليونان لديه تقليد عريق من الثنائية الحزبية الحادة.

والخميس أكد رئيس حزب الديمقراطية الجديدة، اليميني المعارض انتونيس ساماراس، رفضه أي تعاون مع باباندريو طالما أن الأخير، الذي أضعفته إلى حد الهزال أزمة الاستفتاء، بقي في منصبه رئيسا للوزراء، مطالبا باستقالته. كما وضع الزعيم المعارض شرطا آخر للمشاركة في حكومة وحدة وطنية، هو تنظيم انتخابات تشريعية بحلول نهاية ديسمبر.

وكان باباندريو جدد في كلمته أمام البرلمان التأكيد على أن إجراء انتخابات تشريعية مبكرة سيكون إذا ما حصل «بمثابة كارثة» على البلاد، معددا سلبيات هذا الأمر، ومنها، على سبيل المثال، إغلاق البرلمان لعدة أسابيع، استعدادا للحملة الانتخابية، في حين أن اليونان في أمس الحاجة إلى إقرار سلسلة تشريعات لتطبيق الإجراءات المنصوص عليها في الخطة الأوروبية.

وبعد طول رفض لإجراءات التقشف التي فرضت على البلاد مقابل حصولها على القروض اللازمة لبقائها على قيد الحياة، حقق اليمين اليوناني خطوة إلى الأمام على هذا الطريق، الخميس، حين كانت الحكومة على وشك الانهيار، بإعلانه القبول بالتصويت لصالح خطة الإنقاذ الأوروبية ولكن بشروط. ويرفض الحزب خصوصا زيادة الضرائب التي أقرتها حكومة باباندريو، ويطالب بإعادة التفاوض على بعضها، وهو ما يدفع ببعض المحللين إلى التشكيك في إمكان أن ينجح أي ائتلاف حكومي في أن يعمر طويلا.

وفي هذا الإطار يقول تاناسيس ديامانتوبولوس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بانتيون بأثينا، إن «ساماراس لم يقم إلا بخطوة خجولة وغير كافية وفي اللحظة الأخيرة، وهي خطوة لا تضمن موافقته على إجراءات التقشف الواردة في الخطة الأوروبية». وليس أمام الحزبين إلا بضعة أيام للتوصل إلى اتفاق قبل أن تحين مواعيد الاستحقاقات الأوروبية الكثيرة، وأولها غدا الاثنين مع اجتماع وزراء مالية دول منطقة اليورو، حيث تعتزم اليونان التفاوض من أجل الحصول «بحلول نهاية فبراير (شباط) على قرض بقيمة 80 مليار يورو في إطار الخطة التي أقرت في بروكسل».

وكان وزير المال اليوناني ايفانغيلوس فينيزيلوس، الذي يعد أقوى المرشحين لرئاسة الوزراء، قد أعلن أول من أمس (الجمعة) أن اليونان تتخلى رسميا عن مشروع إجراء استفتاء حول خطة الإنقاذ الأوروبية لشطب قسم من الدين اليوناني والخروج من الأزمة، وقد أبلغ رسميا هذا القرار إلى مسؤولي منطقة اليورو ونظيره الألماني.

وأفاد الوزير اليوناني في بيان بأنه أبلغ رئيس مجموعة «يوروغروب»، جان كلود يونكر، ومفوض الشؤون الاقتصادية، أولي رين، ووزير المال الألماني فولفغانغ شويبله، بتراجع رئيس الوزراء اليوناني، جورج باباندريو، عن فكرة تنظيم استفتاء التي كان أعلنها الخميس. وعلى الرغم من أن اليونان لا تريد الخروج من منطقة اليورو، فإن هناك احتمال أن تتخلى اليورو عن اليونان. ويقول اقتصاديون: «لا توجد أمام اليونان خيارات جيدة خارج منطقة اليورو».

إذ لأول مرة يطرح المسؤولون الأوروبيون بشكل علني وصريح خيار خروج اليونان من منطقة اليورو خلال اليومين الماضيين، وهو خيار قد يعود مجددا إلى الواجهة في المستقبل في ضوء ضخامة الدين اليوناني الذي يفترض ألا يتعدى 120 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي بحلول 2020.

ويرى خبراء اقتصاديون أمثال الأميركي نوريال روبيني، الذي توقع أزمة «القروض لقاء رهن عقاري» عام 2007 في الولايات المتحدة، وهانس - فيرنر سين، رئيس معهد دراسات بارز في ألمانيا، أن من مصلحة أوروبا الانفصال عن اليونان. وذلك حسب ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.

ويشير هؤلاء الخبراء دعما لطرحهم إلى أن أثينا لا تمثل سوى 2 في المائة من مجموع إجمالي الناتج الداخلي لمنطقة اليورو، وأن خروجها لن يخل بتوازن الاتحاد النقدي، بل قد يجنبه الدخول في انكماش اقتصادي جديد.

وهو منطق عبر عنه مؤخرا الوزير الفرنسي للشؤون الأوروبية جان ليونيتي. وقال ليونيتي إن «اليورو وأوروبا يمكنهما الاستمرار» بعد خروج اليونان، مضيفا: «لا يجوز عدم تجرع الدواء بحجة أنه مرّ».

ويوضح أنصار خروج اليونان من منطقة اليورو أن ذلك سيمكنها من العودة إلى عملتها الوطنية (الدراخما) مع خفض قيمتها، مما سيعزز قدرتها التنافسية في مجال التصدير، وسيمكنها من إصدار أوراق مالية وطنية لسد حاجاتها التمويلية.

غير أن هذا التبرير لا يأتي على ذكر العبء الهائل الذي ستتحمله الأسر والشركات اليونانية، إذ سيتحتم عليها استخدام عملة متدنية القيمة لتسديد قروض باليورو، فضلا عن كل ما ستواجهه من تراجع قدرتها الشرائية والارتفاع المحتمل في نسبة البطالة وتضخم هائل.

غير أن الوضع في المقابل لن يكون مشجعا لمنطقة اليورو أيضا التي قد يكون انسحاب هذا العضو منها مقدمة لتفكيكها بعد أكثر من 10 سنوات على إنشائها. وحذر فيليب بروسار مدير شركة «ماكروراما» للدراسات الاقتصادية قائلا: «إنها فكرة ألمانية بأننا سنكون أفضل حالا من دون اليونان».

وتابع: «إن كان ذلك صحيحا، فلماذا قمنا بدعم اليونانيين؟ لم يكن ذلك بدافع الإحسان بالتأكيد، بل لأن هناك تداخلا هائلا بين دول منطقة اليورو»، مع ما يتضمنه ذلك من مخاطر بحصول عمليات انفصال متسلسلة لعدد متزايد من الدول الأعضاء. والخطر الأول يكمن في انتقال العدوى إلى القطاع المالي على غرار الزلزال الذي وقع عام 2008، بعد إفلاس مصرف «ليمان براذرز» الأميركي.

وانكشاف المصارف الأوروبية على الدين اليوناني معروف، غير أن الجهات الأخرى في القطاع المالي لم تعتمد الشفافية، مما قد يثير ظاهرة ارتياب معممة واضطرابات جديدة في الأسواق. كما أن خروج اليونان سيجعل الجميع يتساءلون: من سيكون التالي؟ بحسب ما لفت سوني كابور من مركز ري - ديفاين للدراسات.

ومع التخوف من خروج دول جديدة من اليورو، ستدخل الأسواق في مرحلة ترقب وريبة بحثا عن الحلقة الضعيفة المقبلة في منطقة اليورو على صعيد الديون. وستكون إيطاليا محط الأنظار الأول بهذا الصدد. والقوة الاقتصادية الثالثة في منطقة اليورو تثير حاليا مخاوف كبرى، وهي ترزح تحت عبء دين قدره 1900 مليار يورو (120 في المائة من إجمالي ناتجها الداخلي)، وتعاني من نمو ضعيف منذ سنوات.

ونتيجة هذه الأجواء، قد يتواصل ارتفاع علاوة المخاطرة التي تفرضها الأسواق على روما، مما سيزيد من صعوبة حصول هذا البلد على تمويل. وقال بروسار ملخصا الوضع: «بمعزل عن الارتياح المعنوي أن نقول لأنفسنا إننا تخلصنا من المشكلة اليونانية، فإن السيناريو مكلف للجميع».