لماذا سيؤدي الجفاف الكارثي في تكساس إلى اضطرابات اقتصادية عالمية؟

مثل مناطق كثيرة من العالم تواجه أجزاء من أميركا حالة جفاف خطيرة

تأثير واضح للجفاف في ولاية تكساس الأميركية
TT

توضح خريطة الجفاف التي وضعتها جامعة لندن كوليدج عدد المناطق التي تعاني من الجفاف حول العالم ومنها شرق أفريقيا وكندا وفرنسا وبريطانيا. لكن أكبر منطقة لمراكز الجفاف في تكساس. إنها تتضمن (الخريطة) عددا كبيرا من النقاط الحمراء، في إشارة إلى مواجهة أكثر السنوات جفافا في تاريخ المنطقة. لقد تسببت في معاناة المزارعين وأصحاب المزارع كثيرا، وكذلك أدت إلى اندلاع الكثير من حرائق الغابات المتواصلة وهبوب عاصفة ترابية على مدينة لوبوك التي تقع غرب تكساس الشهر الماضي.

يقول دون كيسي، أحد أصحاب مزارع الماشية في وسط تكساس، الذي باع نحو نصف ماشيته بعد أن تسبب الجفاف في نقص العشب، ومن المحتمل أن يبيع المزيد: «إنه لأمر رهيب. حتى إن بدأت السماء تمطر، فسوف يتطلب استعادة الأرض عافيتها فترة طويلة».

يعاني 70 في المائة من تكساس حاليا من «جفاف استثنائي»، وهو أسوأ تصنيف، بينما تعاني 55 في المائة من أوكلاهوما ومناطق شاسعة من لويزيانا ونيو ميكسيكو وكنساس من الجفاف. وتأثر كذلك شمال المكسيك بالجفاف.

ونظرا لاتساع المساحة التي تعاني الجفاف، يؤثر جفاف الجنوب الغربي بشكل كبير على جميع أنحاء الولايات المتحدة، بل ويمتد التأثير إلى أنحاء العالم، خاصة في قطاعي الغذاء والزراعة. ربما يكون من أكثر التأثيرات بعدا التأثير على أسواق القطن. وتنتج تكساس نحو 50 في المائة من إنتاج الولايات المتحدة من القطن، والولايات المتحدة بدورها تزرع ما يتراوح بين 18 و25 في المائة من إنتاج العالم من القطن، على حد قول دارين هادسون، مدير معهد أبحاث اقتصاد القطن في الجامعة التقنية بتكساس.

مع ذلك، خلال العام الحالي تراجع إنتاج المحاصيل المزروعة على السهول، حيث ينمو الجزء الأكبر من القطن في تكساس، بنحو 60 في المائة، على حد قول هادسون. وقد تخلى المزارعون عن «الأرض الجافة» أو مزروعات القطن «غير المروية».

وانخفضت أسعار القطن العالمية، التي سجلت ارتفاعات تاريخية مؤخرا على حد قول هادسون، لكن يُعزى هذا في المقام الأول إلى أن تباطؤ الاقتصاد وعوامل أخرى وازنت النقص في العرض. وأضاف هادسون: «رغم انخفاض الأسعار، من المرجح أن تشهد مزيدا من التراجع إذا كان المحصول العام الحالي طبيعيا». ونظرا لانخفاض الإنتاج، بدأ المشترون، الذين كانوا سيذهبون إلى تكساس العام الحالي، كالمعتاد، لشراء القطن للأسواق الآسيوية، في البحث عن دول أخرى منتجة للقطن مثل البرازيل وأستراليا. ومع إقامة المشترين لعلاقات جديدة، فمن الممكن أن لا يعودوا إلى تكساس مرة أخرى عندما تعاود الأمطار السقوط.

من المحاصيل الأخرى التي تنتجها تكساس، والتي تأثرت بموجة الجفاف الفول السوداني والذرة والقمح. وكان هناك عجز في إنتاج قرع العسل مع اقتراب عيد القديسين في 31 أكتوبر (تشرين الأول)، والتي تعد من الأعياد التي تشتهر بها الولايات المتحدة. وسوف يمتد تأثير الجفاف إلى محاصيل الأرز في حال ما إذا استمر العام المقبل. ويتأثر قطاع الماشية أيضا، حيث اضطر كثير من أصحاب مزارع الماشية إلى بيع أجزاء كبيرة من ماشيتهم بسبب جفاف العشب وندرة المياه. ويشتري البعض التبن من مزارع تقع على بعد آلاف الأميال، على الرغم من ارتفاع تكاليف الشحن.

يمكن أن يؤدي بيع الماشية بسبب الجفاف الذي أصاب الجنوب الغربي إلى ارتفاع أسعار اللحم البقري على مدى السنوات المقبلة، بحسب كيفين غود، المحلل في شركة «كاتل فاكس» التي تجري تحليلا للسوق في مجال الماشية. ونظرا لذبح الكثير من رؤوس الماشية، فمن المحتمل أن ينخفض المعروض في المستقبل.

وقد ابتكر كيسي، أحد أصحاب مزارع الماشية في وسط تكساس، طرقا جديدة لإطعام الرؤوس الباقية؛ نظرا لجفاف العشب الذي تتغذى عليه الماشية، حيث يستخدم نوع من محلج القطن منزوع البذور والألياف، لكن هذا المنتج على وشك النفاد. وفي ظل تناقص إنتاج محاصيل القطن، من الصعب العثور على المزيد من هذا العلف. لذلك يعتزم قضاء ساعات خلال النهار في حرق أشواك الصبار الشوكي، الذي ينمو في أرضه حتى يستخدمه كعلف للماشية. ويقول كيسي إنه من الضروري إعفاء من يقوم بذلك من الغرامات التي تُفرض على حرق الأشياء.

وبحسب تقديرات خبراء الاقتصاد في هيئة مد الحياة الزراعية في تكساس في أغسطس (آب)، بلغت الخسارة التي تكبدها مجال الزراعة في تكساس بسبب الجفاف 5.2 مليار دولار. وازدادت الخسائر منذ ذلك الحين. ويتوقع العلماء أن يزداد الجفاف سوءا نتيجة التغير المناخي. ويقول ديفيد براون، المسؤول في الهيئة القومية للمحيطات والجو، التي يقع مقرها في فورت وورث في تكساس، في رسالة بالبريد الإلكتروني: «في الوقت الذي سيظل فيه الجفاف جزءا من التنوع المناخي الطبيعي في السهول الجنوبية، فمن المحتمل أن يزداد تأثير الجفاف على الاحتباس الحراري العالمي».

وهذا هو الوضع في أماكن أخرى، على حد قول العلماء. ويتوقع بحث أجراه إليانور بورك، اختصاصي في التغيرات المناخية غير الطبيعية في مركز «هيدلي أوف ذا ميت أوفيس» في بريطانيا، أن جنوب أفريقيا وجنوب غربي آسيا والأمازون ومنطقة البحر الأبيض المتوسط سوف تكون أكثر عرضة للجفاف في حال ما إذا ارتفعت درجة حرارة الكرة الأرضية بمقدار 4 درجات سيليزية (7.2 درجة فهرنهايت) وهي درجة مرتفعة.

وقد أوضح تحليل، صدر الأسبوع الماضي، عن الهيئة القومية للمحيطات والجو، أن الجفاف في البحر المتوسط شائع الحدوث خلال فصل الشتاء الذي من المعتاد تساقط أمطار خلاله. ومن أسباب ذلك التغير المناخي الذي سببه البشر.

في جنوب غربي الولايات المتحدة، يعزى الجفاف الحالي إلى «لانينا»، وهو ظاهرة تحدث في المحيط الهادي بين الحين والآخر، التي عادة ما تؤدي إلى حدوث شتاء جاف دافئ في المنطقة.

مع ذلك، يقول جون نيلسين غامون، أحد خبراء المناخ في ولاية تكساس، إن درجات الحرارة خلال الصيف الحالي كانت في أعلى معدلاتها، فقد وصلت درجة الحارة في أوستن على سبيل المثال إلى 100 درجة فهرنهايت (38 درجة سيليزية)، مما أدى إلى جفاف التربة وزاد من الجفاف.

عادت ظاهرة «لانينا»، ويتوقع علماء الحكومة الأميركية حاليا استمرار الجفاف في الجنوب الغربي إلى فبراير (شباط) على الأقل. إنها أخبار رهيبة بالنسبة إلى المزارعين وأصحاب مزارع الماشية، وسوف تؤثر على عدد من القطاعات الاقتصادية الأخرى، مثل السياحة وإنتاج الكهرباء. أسوأ ما في الجفاف بالنسبة إلى كثيرين هو عدم معرفة متى سينتهي. ويقول كيسي: «إن عدم اليقين هو ما يزيد الأمر صعوبة. إذا عرفنا ما الذي سيحدث بالضبط، كان من الممكن أن نتكيف مع الأوضاع».

* خدمة «نيويورك تايمز»