بعد اليونان.. أنظار المستثمرين تتجه نحو إيطاليا

ديونها 1.9 تريليون يورو.. والفائدة على إقراضها بلغت 6.5%

مستقبل رئيس الوزراء الإيطالي برلسكوني في المحك بعد أن دخلت ديون إيطاليا المنطقة الحمراء (إ.ب.أ)
TT

لم تنجح الجهود الأوروبية لحل أزمة الديون السيادية في تهدئة مخاوف السوق الأوروبية، ويشير الشك في اليونان إلى استمرار حالة التقلب خلال الأسبوع الحالي. من بين المؤشرات الجديدة: ارتفاع أسعار الفائدة على السندات الإيطالية إلى أعلى معدلاتها منذ تبني الدولة لعملة اليورو. من المؤشرات الأخرى: الضغوط من أجل إصلاح النظام المصرفي الأوروبي. في الوقت الذي لا تصل فيه هذه الضغوط إلى المستويات التي صاحبت الأزمة المالية عام 2008، عندما أصيبت بعض الأسواق في الولايات المتحدة بالشلل التام، إلا أنها كافية لإثارة القلق، على حد قول محللين. وحتى إن كان يعني توصل اليونان إلى اتفاق، يوم الأحد، بشأن تشكيل حكومة ائتلافية تفادي فشل آخر خطة إنقاذ خاصة بدول منطقة اليورو، لا يزال المستثمرون يطالبون بالمزيد من الثقة في قدرة أوروبا على تمويل خطة الإنقاذ التي تهدف إلى منع انتشار عدوى الأزمة المالية اليونانية إلى إيطاليا أو إسبانيا. ويقول مارك لوشيني، كبير المخططين الاستراتيجيين في «جيني مونتغمري سكوت» معلقا على تغير القيادة السياسية في اليونان: «إنه نوع من العرض الهامشي. سوف تكون استجابة الأسواق لهذه الخطوة إيجابية، لكنها لن تتحسن كثيرا بسبب هذا، فإيطاليا هي القضية الأكبر».

في الولايات المتحدة، زادت الأسواق الائتمانية القيود في بداية العام الحالي على خلفية الجمود السياسي بشأن سقف الدين وخفض وكالة «ستاندرد أند بورز» التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، لكن ما لبث أن تم تخفيفها. ومن المرجح أن تظل المصارف الأوروبية قلقة بشأن منح قروض لبعضها البعض، كما يتوقع المحللون، وسيستمر المستثمرون في طلب زيادة أسعار الفائدة على القروض التي تقدر بمليارات اليوروات التي تحتاجها إيطاليا شهريا حتى يصمد اقتصادها. تجاوزت العائدات على السندات الإيطالية التي يبلغ أجلها 10 أعوام حجم الديون الإسبانية؛ حيث وصلت إلى 6.35% يوم الجمعة بعد إخفاق قادة الدول خلال قمة العشرين في التوصل إلى اتفاق بشأن تفاصيل كيفية الحيلولة دون انتشار عدوى أزمة الديون الأوروبية. إن ازدياد العائدات أمر مثير للمشاكل؛ لأنه بمجرد تعدي أسعار الفائدة على ديون اليونان والبرتغال، اللتين تخضعان لخطة الإنقاذ 7%، سوف تنطلق نحو المزيد من الارتفاع، مما يحتم عليهما اللجوء إلى مصادر تمويل خارجية. وتظل أسعار الفائدة على ديونهما مكونة من رقمين.

في نهاية الشهر الماضي، أصدرت إيطاليا سندات بقيمة 3 مليارات يورو بسعر فائدة أكثر من 6%، أي أكثر مما كان عليها دفعه خلال فصل الصيف بمقدار 1.5 نقطة مئوية. وتضيف العائدات الإضافية على السندات نحو 3 مليارات يورو (4.1 مليار دولار) سنويا من خلال زيادة أسعار الفائدة بحسب تقديرات توبياس بلاتنر، الخبير الاقتصادي السابق في المصرف المركزي الأوروبي، الذي يعمل حاليا في «دايو سيكيوريتيز» في لندن.

ويشعر المحللون بالقلق من أن يؤدي استمرار ارتفاع أسعار الفائدة على الديون الإيطالية إلى فشلها في تحمل الاقتراض من الأسواق المفتوحة، مما يحتم عليها اللجوء إلى جهات إقراض رسمية مثل الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. ويقول مارك ماكورميك، المخطط الاستراتيجي للعملة في «براون براذرز هاريمان»: إن آخر سعر فائدة مثير للقلق؛ حيث يوضح قائلا: «ستكون نسبة الـ7% بمثابة نقطة اللاعودة».

ويقدم المصرف المركزي الأوروبي وسيلة أخرى لقياس القلق الأوروبي، وهي كمية السندات السيادية التي تشتريها حاليا تقريبا بشكل يومي. ويحاول المصرف المركزي عمل سوق لديون دول مثل إيطاليا والإبقاء على أسعار الفائدة عند مستواها الحالي. وتضاعفت، خلال العام الحالي، كمية الديون السيادية التي يمتلكها المصرف المركزي، بحيث تجاوزت 150 مليار يورو. ويقول الكثير من المحللين إنهم يعتقدون أن المصرف سيضطر إلى شراء سندات على نطاق أوسع لمنع أسعار الفائدة من الارتفاع، ناهيك عن خفض العائدات بشكل كبير.

وتشعر المصارف الأوروبية بالقلق من الاقتراض من بعضها البعض، خشية أن تخسر أموالها، مما دفعها إلى زيادة أسعار الفائدة لمنح قروض لبعضها البعض باليورو. وكان سعر الفائدة الذي يحدد بمقياس يسمى «يوريبور أو اي إس» 20 نقطة في يونيو (حزيران)، لكنه ارتفع إلى 90، ثم إلى 100 نقطة. (النقطة واحد على مائة من النسبة المئوية). مع ذلك لا يزال سعر الفائدة الحالي أدنى كثيرا من المستويات التي كان عليها عامي 2008 و2009 أثناء الأزمة المالية؛ حيث تجاوز 2%. وبدأت مصادر التمويل تنضب منذ مايو (أيار) الماضي؛ حيث تراجعت الأسواق الأميركية عن شراء ديون المصارف الأوروبية قصيرة الأجل.

بحسب ألكس روفر، الذي يتابع أسواق القروض قصيرة الأجل لـ«جي بي مورغان تشيس»، لم يتمكن الاتفاق الخاص بخطة إنقاذ دول منطقة اليورو الذي تم التوصل إليه في بروكسل من استعادة أسواق المال إلى السوق الأوروبية. وتظل أكثر الأمور المشكوك بها بالنسبة للمستثمرين هي طبيعة خطة الإنقاذ الأخيرة. وتهدف الخطة المقترحة والمخصص لها 1.4 تريليون دولار إلى الحيلولة دون وقوع إيطاليا في الأزمة، وبالتالي منع الأزمة الأوروبية من الانتقال إلى مستوى جديد وتدمير الاقتصاد العالمي.

ويقول روفر: «لقد استغرقت رؤية المشهد كاملا فترة طويلة، ولا يزال هناك الكثير من عدم اليقين بشأن نجاح الاتفاق، الأمر الذي يقوض ثقة المستثمرين. إن هذا لم يشجع أحدا على العودة». عوضا عن ذلك، ومع صعوبة الحصول على المال، على الكثير من المصارف اللجوء إلى سوق الصرف الأجنبية المفتوحة؛ حيث يرتفع سعر صرف اليورو، وهو مؤشر آخر بمثابة تحذير من مستقبل أسواق المال، على الرغم من أن التكلفة لا تزال أقل كثيرا من مستوياتها في نهاية عام 2008. ومع تراجع إقراض المصارف لبعضها البعض، تحافظ على النقود في المصرف المركزي الأوروبي. وازدادت ودائع المصارف في المصرف المركزي في الوقت الذي ازداد فيه حجم الاقتراض منه. ويقول غاي ليباس، كبير المخططين الاستراتيجيين للدخل الثابت في «جيني مونتغمري سكوت»: «تقلق المصارف من إقراض بعضها البعض. إنها تستخدم المصرف المركزي الأوروبي كدار مقاصة».

ويقول مايكل غيبين من «باركليز كابيتال» في نيويورك إنه يفضل عقود مقايضة مخاطر الائتمان كمؤشر على المخاطرة التي تتضمنها الديون السيادية. وتعد هذه العقود مقياسا لتكلفة التأمين ضد التخلف عن سداد الدين. وأوضح: «ينبغي أن تشير مباشرة إلى احتمال التخلف عن السداد، وتتجه إلى قيادة أسواق السندات».

مع ذلك يقول محللون آخرون: إن عقود مقايضة مخاطر الائتمان تصلح لأن تكون مؤشرا بعد التوصل إلى اتفاق يسمح لليونان بالتخلص من 50% من ديونها المستحقة للمصارف من دون الحاجة إلى التأمين.

وانخفضت تكلفة تأمين حزمة من الديون السيادية لأوروبا الغربية وقت انعقاد القمة في بروكسل في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكنها سرعان ما عاودت الارتفاع. وارتفعت تكلفة التأمين على ديون إسبانيا وإيطاليا كثيرا منذ فصل الصيف. وتجاوزت التكلفة السنوية للتأمين على ديون قدرها 10 ملايين دولار لحزمة من المصارف الأوروبية الكبرى 300 ألف دولار في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي بحسب بيانات مؤسسة «ماركت». وانخفضت منذ ذلك الحين إلى نحو 245 ألف دولار سنويا، لكنها تظل عند مستوى يبعث على القلق. ويرى بعض المحللين أنها ستقف عند هذا الحد. يقول محمد العريان، الرئيس التنفيذي لشركة «بيمكو» التي تعمل في استثمار السندات: «تتطلع الأسواق إلى حكومة يونانية مستقرة تستطيع الحفاظ على الدعم في الداخل والخارج. مع ذلك سيكون تشكيل حكومة ائتلافية ينظر إليها باعتبارها خطوة انتقالية نحو انتخابات جديدة أمرا عسيرا».

*خدمة: «نيويورك تايمز»