بروكسل تراقب الأوضاع في روما وأثينا

تنتظر خطوات فعلية لتنفيذ برامج التقشف

أنياب التقشف تعض إيطاليا والأوضاع المعيشية تتدهور، وترى في الصورة امرأة عجوز تجمع ما تبقى من خضراوات وفواكه من القمامة في سوق الخضر والفاكهة بمدينة ميلان (أ.ب)
TT

بدأ مفتشو المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، أمس الأربعاء، عملهم في إيطاليا، لمتابعة التقدم في الإصلاحات الاقتصادية التي تعهد بتطبيقها رئيس الوزراء الإيطالي، سلفيو برلسكوني، أمام شركائه الأوروبيين، في حين طالبت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، الحكومة الإيطالية باتخاذ مزيد من الإجراءات التقشفية من أجل تثبيت موازنتها، في خطوة ترمي إلى الحيلولة دون إصابتها بعدوى أزمة الديون التي بدأت باليونان، وحول الأخيرة، أشاد الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، بالجهود التي يبذلها رئيس الوزراء اليوناني المستقيل، جورج باباندريو، لتشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة في بلاده، من أجل الحصول على أموال حزمة الإنقاذ الأوروبية لليونان، ومن جانبه قال المفوض الأوروبي للشؤون المالية والنقدية، أولي رين، إنه سيتم صرف الدفعة المقبلة من قرض اليونان «بمجرد إعلان اليونان، بوضوح، التمسك بالأهداف والسياسات المتفق عليها في برنامج الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي».

ووسط كل هذه التطورات، وعلى الرغم من كل الدعوات التي انطلقت من قادة المؤسسات الاتحادية ببروكسل للتوحد وتنسيق المواقف حتى يستطيع التكتل الموحد تجاوز هذه الأزمة، فإن وزراء المال لدول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين أخفقوا في بلورة موقف مشترك بشأن خطة فرض ضريبة على المستوى الأوروبي أولا، والعالمي ثانيا، على المعاملات المالية. وقال مصدر في المجلس الوزاري الأوروبي في بروكسل، إنه بعد يومين من المداولات بين الوزراء الأوروبيين، لم يتم تسجيل أي توافق حول هذه المسألة المحددة.

ويقول الاتحاد الأوروبي إن فرض مثل هذه الضريبة على المعاملات المصرفية يمكن أن يحقق 57 مليار يورو سنويا. وقال المصدر إن بريطانيا والسويد وبولندا التي لا تنتمي لمنطقة اليورو تمكنت من تكوين جبهة مناهضة لهذا التحرك، وجر دول داخل منطقة اليورو نفسها، مثل لكسمبورغ وإيطاليا، لمعارضة هذا التوجه. وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أعلن خلال قمة مجموعة العشرين في مدينة كان الفرنسية، الأسبوع الماضي، أن الاتحاد الأوروبي تمكن من تسجيل توافق حول هذه المسألة، ولكن الاجتماع الوزاري الأوروبي في بروكسل أظهر موقفا مخالفا بشكل واضح، حيث تتخذ القرارات الأوروبية الخاصة بالضرائب بالإجماع وليس بالأغلبية. وقال مصدر في المفوضية الأوروبية إن الاتحاد الأوروبي لن يتخلى عن طرحه بفرض الضريبة، وإن اجتماعا بين ممثلي الحكومات حول هذه المسألة ستتم الدعوة إليه في وقت لاحق. وفي روما أعلنت وزارة الإدارة العامة الإيطالية، في بيان لها، أن المفتشين التابعين للاتحاد الأوروبي وصلوا إلى مقر الوزارة، وقام الوزير المسؤول عنها، ريناتو برونيتا، بتسليمهم «وثائق تتضمن المؤشرات الاقتصادية الرئيسية» لإيطاليا، والنتائج التي حققتها الحكومة. وأوضح البيان أن لقاء وزير الإدارة العامة مع المفتشين تم في مناخ من التعاون، مبينا أن برونيتا قدم تفاصيل لمبعوثي الاتحاد الأوروبي حول الإصلاحات في الإدارة العامة التي ستطبقها إيطاليا. وأشارت وسائل الإعلام الإيطالية إلى أن المفتشين زاروا أيضا بنك إيطاليا، موضحة أن وفد المفتشين يترأسه سيرفاس دوروز، نائب المدير العام للشؤون الاقتصادية والمالية وممثل المفوضية الأوروبية. ويسعى المفتشون الأوروبيون لجمع معلومات حول خطط حكومة إيطاليا من أجل الإصلاح الاقتصادي ومدى تطبيقها، لكي تقوم فيما بعد بإعداد تقرير حول هذا الأمر يتم إرساله إلى مجموعة منطقة اليورو، ثم يجري الكشف عن تفاصيله أمام وسائل الإعلام. وتأتي زيارة المفتشين بعد يوم من إعلان برلسكوني أنه سيتقدم باستقالته من منصبه فور تصديق البرلمان الإيطالي على موازنة عام 2012، وهو أمر يمكن أن يتم قبل انتهاء الشهر الجاري، ولكن هذا الإعلان لم يساهم في بث الطمأنينة داخل الأسواق، حيث ارتفعت عائدات السندات الإيطالية اليوم إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، مسجلة 546 نقطة. وفي برلين طالبت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، الحكومة الإيطالية باتخاذ مزيد من الإجراءات التقشفية من أجل تثبيت موازنتها، في خطوة ترمي إلى الحيلولة دون إصابتها بعدوى أزمة الديون.

وجاءت مطالبة ميركل بعد إعلان رئيس الوزراء الإيطالي، سلفيو برلسكوني، عدم نيته الترشح للانتخابات التي ستجرى في شهر فبراير (شباط) المقبل. وناشدت المستشارة الألمانية، في تصريحات صحافية، حكومة روما بأفعال تتبع التصريحات التي أعلنت من خلالها سعيها إلى مزيد من التقشف، قائلة: «إن الحكومة الإيطالية مطالبة بمزيد من التقشف، الأمر الذي تعرفه حكومة روما». وأضافت ميركل: «إيطاليا قدمت خططا تقشفية محددة، ويجب عليها تطبيقها الآن». ونسبت إلى رئيسة صندوق النقد الدولي الفرنسية، كريستين لاغارد، قولها إن انعدام ثقة أسواق المال في إيطاليا هو سبب الأزمة الحالية التي تمر بها الحكومة هناك، معتبرة أن «الثقة في الأزمة الحالية عملة نادرة.. أوروبا تحتاج إلى مزيد من الثقة». وأشارت ميركل إلى أن إيطاليا تعتبر بعد اليونان أكثر الدول في منطقة اليورو التي تعاني من مشكلة الديون الحكومية، مقارنة مع قوتها الاقتصادية.

وفي باريس أشاد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، بالجهود التي يبذلها رئيس الوزراء اليوناني المستقيل، جورج باباندريو، لتشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة في بلاده، من أجل الحصول على أموال حزمة الإنقاذ الأوروبية لليونان. وجاء موقف الرئيس ساركوزي الذي يعتبر أحد واضعي وداعمي الحزمة الأوروبية لإنقاذ الاقتصاد اليوناني، التي تقدر قيمتها بـ179 مليار دولار أميركي، خلال اتصال هاتفي مع باباندريو. وقد أكد باباندريو لساركوزي، وفقا لبعض المصادر الرسمية، حتمية تشكيل حكومة وحدة وطنية يونانية بدعم من الأعضاء الموالين والمعارضين له في البرلمان اليوناني. وذكرت المصادر أن الرئيس ساركوزي أشاد خلال هذا الاتصال بالجهود التي يبذلها باباندريو لتشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة في اليونان، قادرة على تطبيق بنود الاتفاقات الموقعة مع اليونان في الـ27 من الشهر الماضي، والتي تسمح بتقديم الأموال للمساعدة في حل أزمة الديون اليونانية. وتعتبر حزمة الإنقاذ الأوروبية هي الثانية من نوعها لليونان خلال عامين، حيث تواجه هذه الدولة الأوروبية ذات الاقتصاد المضطرب، ضغوطا من الاتحاد الأوروبي لتبني إجراءات تقشفية صارمة، وتخفيض ميزانية الدولة، بالإضافة إلى خصخصة بعض الممتلكات والقطاعات الحكومية. من جهته قال المفوض الأوروبي للشؤون المالية والنقدية، أولي رين، إنه سيتم صرف الدفعة المقبلة من قرض اليونان «بمجرد إعلان اليونان بوضوح التمسك بالأهداف والسياسات المتفق عليها في برنامج الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي».

وأضاف رين في مؤتمر صحافي عقب اجتماع لوزراء مالية الاتحاد الأوروبي: «يجب أن يكون واضحا في أثينا التمسك بتلك الأهداف، ونتوقع أن تتحمل حكومة سياسية موحدة تنفيذ الجزء الخاص بها من المسؤوليات في هذه الخطة». وشدد على ضرورة أن تعبر الحكومة الائتلافية الجديدة في اليونان «عن التزام واضح، على الورق، ببرنامج الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي». وتوقع المسؤول الأوروبي أن تحصل اليونان في وقت لاحق من الشهر الجاري على ما قيمته ثمانية مليارات يورو، في إطار حزمة الإنقاذ المقدمة من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.