رئيس «أرامكو» يحدد 4 عوامل ستعيد النظر في أولويات قطاع الطاقة العالمي

الفالح يكشف عن مشاريع تعمل الشركة السعودية على تطويرها لضمان إمدادات الغاز محليا

خالد الفالح أكد أن زيادة إمدادات النفط والغاز، وفشل أنواع الطاقة البديلة، وعجز الاقتصادات، وتغير الأولويات العالمية، استطاعت قلب حوار الطاقة العالمي (تصوير: خالد الخميس)
TT

قال المهندس خالد الفالح الرئيس التنفيذي لشركة «أرامكو» - عملاق النفط السعودي - إن الشركة تعمل على تطوير عدد من مشاريع الغاز، التي سيتم من خلالها إمداد السوق بكميات الإنتاج اللازمة وبالتحديد لإنتاج الكهرباء وتحلية المياه، سيتم الانتهاء منها على المدى القصير.

وفي خطط «أرامكو» لتوفير الغاز أشار الفالح إلى أنه على المدى الطويل تملك «أرامكو» برنامجا استكشافيا قياسيا بمواد ضخمة، وهذا يهدف إلى المصادر التقليدية وغير التقليدية.

ولفت إلى أنه يوجد برنامج للتعاون مع قطاع الصناعة والكهرباء والقطاعات التي تستهلك الغاز، بكفاءة غير جيدة، فمثلا الكهرباء كفاءة الاستهلاك فيه أقل بنحو 50 في المائة من الدول الأخرى، حيث إن كميات الغاز الذي يمد تلك القطاعات يمكن أن يستفاد منه بشكل أكبر عند الاستبدال بالمحطات ذات الكفاءة المتدنية محطات ذات كفاءة عالية، والعملية يمكن أن تطبق أيضا على تحلية المياه وصناعة الإسمنت، وبالتعاون مع «أرامكو» كمزود رئيسي لطاقة في السعودية، من الممكن توفير كميات إضافية من الغاز.

واستبعد الفالح إمكانية استيراد الغاز، معللا ذلك بالأسعار التي وصفها بالـ«الغالية جدا» على المستهلكين، والتي من الممكن أن تسبب صدمة لهم، في حال الاعتماد على الاستيراد.

وكشف أن شركة «أرامكو» بحكم قدرتها التصنيعية وبحكم الجيولوجيا المواتية في السعودية تستطيع توفير غاز للمستهلكين في المملكة بأسعار مربحة لـ«أرامكو»، وفي نفس الوقت مناسبة للمصنعين.

وعن أسعار الغاز المحلية وإمكانية إعادة النظر فيها قال الفالح: «الدولة باستمرار تراجع الأسعار، والتوقيت راجع للحكومة».

ونفى وجود عرض لشركة «أرامكو» لبناء مصفاة لتكرير النفط في بنغلاديش، وقال: «غير صحيح، لا يوجد أي نقاش على مصافٍ في بنغلاديش».

وكان مسؤول بارز في قطاع الطاقة في داكا قال يوم أمس إن الاقتراح قدم الأسبوع الماضي، حيث اقترحت بناء مصفاة لتكرير النفط في بنغلاديش، وذلك بتكلفة تقدر بنحو 2.5 مليار دولار.

وحول وضع سوق الطاقة العالمية دعا الفالح إلى ضرورة تبني سياسات طاقة أكثر معقولية واعتمادا على عوامل السوق، بدلا من توجيه الدعم بصورة انتقائية إلى مصادر الطاقة البديلة أو فرض قيود قانونية غير واقعية على مصادر الطاقة التي أثبتت جدواها. وقال: «فهذه السياسات الأكثر عملية تستفيد من الميزات النسبية لمختلف مصادر الطاقة الموجودة في مختلف أنحاء العالم، ومن طبيعة هذه المصادر المكمل بعضها لبعض».

وأشار إلى أن المواد الهيدروكربونية ستظل موجودة لفترة طويلة، وبالنظر إلى حيويتها البالغة لمستقبل الاقتصاد العالمي، طالب بدرجة أكبر من التعاون بين الجهات المختلفة في برامج أبحاث وتطوير مشتركة تهدف إلى تحسين الأداء البيئي والاقتصادي للمواد الهيدروكربونية، سواء في مجال النقل أو البتروكيماويات أو اختراع المواد المتطورة ذات السمات المستقبلية، وبما يشمل استخلاص وإدارة الكربون الصادر عن مصادر الانبعاثات المتحركة باستخدام مختلف السبل والوسائل المتاحة، وقال: «إن لدي اعتقادا قويا بضرورة تخصيص قدر كبير من الموارد الإضافية لبرامج البحث والتطوير هذه».

وكان الفالح يتحدث في الجلسة الافتتاحية لندوة حوار الطاقة الأولى التي ينظمها مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية بعنوان «إعادة صياغة حوار الطاقة: الحاجة إلى النظرة الواقعية».

وشدد الرئيس التنفيذي لشركة «أرامكو» على ضرورة التركيز على مستوى العالم على الإنجازات التي يعتبر تحقيقها أسهل مقارنة بغيرها في مجال تحسين كفاءة استهلاك الطاقة، وكمثال على ذلك فإن مجرد زيادة كفاءة استهلاك الوقود في السيارات من 30 إلى 60 ميلا للغالون يمكن أن تخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2050 بمقدار بليون طن في السنة، وذلك استنادا إلى تطبيق الافتراضات المعتادة على أسطول السيارات العالمي الذي يضم بليوني سيارة.

وزاد: «كما يمكن أيضا خفض الانبعاثات الصادرة من المباني بمقدار النصف، وهناك فرص أخرى كثيرة متاحة لخفض كثافة الانبعاثات الكربونية».

وتابع: «وبالنظر إلى الزيادة في إمدادات الغاز الطبيعي وانخفاض محتواه الكربوني وانبعاثاته مقارنة بالفحم، ومعدلات الكفاءة الأعلى لمحطات الكهرباء العاملة بالغاز الطبيعي، ينبغي زيادة التوجه نحو إنتاج الكهرباء من الغاز الطبيعي، لأننا يمكننا أن نخفض خلال خمسين سنة من المعدل السنوي للانبعاثات الكربونية من بليوني طن عند استخدام الفحم في محطات توليد الكهرباء إلى بليون طن عند استخدام الغاز الطبيعي».

ولفت إلى استخدام تقنيات استخلاص وتخزين الكربون في المصانع ومحطات الكهرباء الكبيرة، مع إجراء الأبحاث حول الاستخدامات الجديدة للكربون، فمحطات الكهرباء العاملة بالفحم تنتج نحو ربع الانبعاثات الكربونية العالمية، وقال: «ينبغي استخدام تقنيات استخلاص وتخزين الكربون في 1000 محطة كهرباء أساسية كبيرة في العالم على مدى السنوات الخمسين المقبلة».

كما دعا لتنفيذ أهداف منطقية في مجال المحافظة على البيئة من خلال التحليل الموضوعي للتكاليف والفوائد، بما يشمل ضرورة الموازنة بين أمرين أساسيين، وهما التنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة، والمحافظة على البيئة من جهة أخرى. ومن الضروري أيضا أن تركز برامج المحافظة على البيئة على الأهداف البيئية، بدلا من السعي لتحقيق أهداف أخرى بحجة حماية العالم الطبيعي.

وأكد أن عالم الطاقة شهد مؤخرا 4 تطورات هامة، أو 4 حقائق جديدة بالغة الأهمية، مبينا أنها تتطلب إعادة النظر في الأولويات في مجال الطاقة واتباع نهج أكثر واقعية في مواجهة التحديات وما يبرز من فرص في هذا المجال.

وبيّن أن الحقائق الأربع تتمثل في زيادة إمدادات النفط والغاز، وفشل أنواع الطاقة البديلة في اكتساب قوة دفع، وعجز الاقتصادات عن تحمل تكلفة الأهداف ذات التكلفة العالية في مجال الطاقة، وتغير الأولويات العالمية، واصفا تلك الحقائق بأنها استطاعت قلب بنود حوار الطاقة العالمي رأسا على عقب، ولذا ينبغي إعادة صياغة المناقشات في ضوء الأوضاع الفعلية بدلا من الارتكان إلى الرغبات والأمنيات.

وقال: «أولى هذه الحقائق الجديدة هي الوفرة المتزايدة لإمدادات النفط والغاز، التي تعزى بدرجة كبيرة إلى التطورات التقنية الهامة التي تتيح لنا الحصول على المزيد من الموارد، فمنذ سنوات قليلة ارتكز كثير من الجدل الدائر حول موضوع الطاقة العالمية إلى فرضية ندرة الموارد وما يترتب على ذلك من آثار اقتصادية وسياسية، ولهذا كانت القرارات السياسية والاستثمارية تتخذ على خلفية شح موارد النفط والغاز وضرورة الانتقال، بوتيرة محسوبة، إلى واحد أو أكثر من المصادر البديلة».

وزاد: «أما الآن فقد اختفى الحديث عن ندرة النفط والغاز من الصحافة، سواء تلك المتخصصة في مجال الطاقة أو الصحافة العامة، وأخذت أخبار الإمدادات الوفيرة المتزايدة تحل محله، وبالإضافة إلى الاحتياطيات البترولية التقليدية الوفيرة، يجري استهداف مصادر هائلة من المواد الهيدروكربونية غير التقليدية في مختلف أنحاء العالم بهدف تطويرها، وأصبح من الممكن إنتاجها بصورة مجدية واقتصادية».

وبيّن الفالح أنه على سبيل المثال تحدث المراقبون منذ خمس سنوات خلت وبكل ثقة عن ضرورة إقامة العشرات من موانئ استقبال واردات غاز البترول المسال في الولايات المتحدة، وعن زيادة اعتماد المستهلكين الأوروبيين على الغاز الروسي بصورة أكبر مما يجب.

وتابع: «أما الآن فيكمن التحدي في العثور على (منفذ بيع) للإنتاج الجديد من الغاز المستخلص من صخور السجيل، وفي الضغوط التي تتعرض لها أسعار الغاز وتدفع بها نحو الانخفاض، وقد أصبح الأثر الإيجابي الذي تركته الزيادة في إمدادات غاز السجيل على تصنيع البتروكيماويات في الولايات المتحدة واضحا للعيان، وبالنظر إلى ضخامة موارد هذا الغاز وارتفاع معدلات الإنتاج منه في الولايات المتحدة، فإن هناك خططا لتحويل موانئ أميركية قائمة حاليا مخصصة لاستقبال واردات غاز البترول المسال إلى موانئ تصدير».

وأكد أنه لإدراك هذه التغيرات فليؤخذ بعين الاعتبار أن تقديرات الغاز غير التقليدي الموجود أصلا في مختلف أنحاء العالم هي في نطاق 35.000 تريليون قدم مكعبة، مقارنة باحتياطيات الغاز التقليدي الثابتة الحالية البالغة 6.400 تريليون قدم مكعبة.

ولفت إلى أن هذه الوفرة لا تقتصر على احتياطيات الغاز فقط، وإنما أصبحت هي الموضوع المهيمن في ما يتعلق بالنفط، وبدلا من أن تشهد الإمدادات شحا، ظلت إمدادات النفط على مستويات جيدة، حتى على الرغم من ارتفاع الطلب من الدول ذات معدلات النمو السريعة مثل الصين والهند.

وأشار الفالح إلى أنه مع أن الدول المنتجة التقليدية الراسخة ستظل مهيمنة على الجزء الأكبر من الإنتاج، فإن هناك الكثير من الحماس حول المصادر غير التقليدية في المناطق الجديدة مثل المناطق البحرية العميقة والقطب الشمالي، مؤكد أنه وخلال العام الماضي، ومع أن العالم استهلك نحو 30 بليون برميل من النفط، فإن الاحتياطيات النفطية العالمية زادت بالفعل بنحو سبعة بلايين برميل مع زيادة ميل الشركات نحو المناطق ذات المخاطر الأعلى.

وقال إن الحقيقة المستجدة الثانية التي تبرز الحاجة إلى إيجاد درجة أعلى من العملانية في المناقشات، هي تراجع وتيرة نمو مصادر الطاقة المتجددة وغيرها من بدائل الطاقة. وقال: «الانكماش الحالي لا يمثل مفاجأة كبيرة، فنحن جميعا نتذكر السياسات الحكومية التي ساعدت على توجيه استثمارات القطاع الخاص باتجاه (الاقتصاد القائم على الهيدروجين كمصدر طاقة)، وهو أمر لم يتحقق. وبعد ذلك شهدنا ما أطلق عليه اسم (هوجة الوقود العضوي)، التي تم من خلالها استخدام أموال دافعي الضرائب في تقديم إعانات لقطاع من قطاعات الطاقة يفتقر إلى القدرة على الاستمرار ويؤثر في الوقت ذاته على أسعار الغذاء».

وتابع: «ثم جاء الاعتقاد بأن أنواع الوقود العضوي السليلوزي - الذي يمكن إنتاجه دون الحاجة إلى تحويل المحاصيل الغذائية إلى وقود - سوف تصبح خلال فترة وجيزة قادرة على التنافس من الناحية الاقتصادية مع مصادر الطاقة المعتادة، أما الآن فإن التوقعات الخاصة بإنتاج الوقود العضوي قد أصبحت أقل تفاؤلا وبدرجة كبيرة، بل وحتى المستويات الإنتاجية المستهدفة التي تتسم بدرجة أكبر من الواقعية يتم تأجيلها إلى فترات مستقبلية لاحقة».

وشدد الرئيس التنفيذي لشركة «أرامكو» على أن هناك تغيرات في موقف الطاقة النووية، التي يعتقد أن بإمكانها أن تلعب دورا هاما في تلبية الطلب العالمي المتزايد على الكهرباء، حيث تعرضت الاحتمالات الخاصة بالطاقة النووية، لسوء الحظ، لضربة قوية بسبب حادثة فوكوشيما المرتبطة بالزلزال وموجات التسونامي المأساوية التي شهدتها اليابان. ونتيجة لذلك يتم في الوقت الحالي إغلاق عدد من المحطات النووية القائمة في أنحاء مختلفة من العالم، بينما تم إيقاف بعض مشاريع مقررة لإقامة محطات أخرى، مما سيؤثر سلبا على طاقة إنتاج الكهرباء من المحطات النووية على المدى القريب. ومع ذلك فإننا نأمل أن لا تكون لحادثة فوكوشيما آثار طويلة الأجل».

وقال الفالح إن «العقبات الفنية والاقتصادية والبيئية وتلك المتمثلة في قبول المستهلكين هي عقبات لا تزال قائمة، وإنه من الواضح أن تبني مختلف أنواع الوقود البديلة والتقنيات الجديدة على نطاق عالمي أمر لن يحدث قريبا، وبالإضافة إلى ذلك فإن المحاولات التي بذلتها الحكومات لاختيار الأنسب بين مصادر الطاقة البديلة قبل أن تبين المنافسة بين هذه المصادر الأنسب فعلا، قد ذهبت أدراج الرياح، بل وأثبتت عدم جدواها في الأصل»، وأكد وجود قدر كبير من الغموض الذي يحيط بمستقبل مختلف أنواع الطاقة المتجددة وتقنيات الوقود البديل، خصوصا في ضوء هذه الوفرة التي ظهرت مؤخرا في موارد النفط والغاز.

وكشف أن «أرامكو» السعودية تستثمر في مصادر الطاقة البديلة مع التركيز بصورة خاصة على الطاقة الشمسية، وقال: «نحن نعتقد أن مصادر الطاقة البديلة قادرة على تقديم - بل وستقدم بالفعل - إسهامات في إمدادات الطاقة العالمية أكثر بكثير مما تقدمه في الوقت الحالي، كما أننا نرحب بهذا النمو. غير أن التوسع في تقنيات الطاقة المتجددة والبديلة ينبغي أن يتسم بالعقلانية والتدريجية، وأن يرتبط بالأداء الاقتصادي والبيئي والتقني لهذه المصادر».

وقال إن الحقيقة الثالثة التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار هي إيجاد حوار طاقة جديد يتسم بدرجة أكبر من العملية، حيث استمرت الاضطرابات الاقتصادية التي شهدها العالم خلال السنوات القليلة الماضية، مما يشير إلى أن الأمر ليس مجرد ظاهرة مؤقتة وقصيرة الأجل، بل إن هناك مشكلات تتعلق بهيكل الاقتصاد العالمي وتغيرات جذرية في طبيعته وكيفية أدائه لدوره.

وحدد الحقيقة الرابعة في السياسة البيئية، حيث إن التركيز الجديد على الانتعاش والنمو الاقتصاديين يسهم أيضا في تغيير طبيعة الجدل الدائر حول الطاقة من المنظور البيئي، حيث غطت على مسألة التغير المناخي حاليا على الصعيد العالمي أولويات النمو الاقتصادي وإيجاد فرص العمل والانضباط المالي، خصوصا في الدول المتقدمة التي كانت - منذ أعوام قليلة فقط - في صدارة المنادين باتخاذ إجراءات طموحة للحد من انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.

وتابع: «أما بالنسبة للدول النامية التي تسعى جاهدة لإخراج الملايين من مواطنيها من براثن الفقر، فإن خنق النمو الاقتصادي بحجة حماية البيئة لم يكن أبدا من ضمن خياراتها الممكنة أو المجدية أصلا».